بيروت- نعيم برجاوي: يوماً بعد آخر تتعمق جراح اللبنانيين الاقتصادية والمعيشية، بعدما هبطت قيمة رواتبهم في ظل تدهور أسعار الصرف، وما تبعه من ارتفاع لأسعار المستهلك محليا، يضاف إلى تضخم عالمي متسارع.
وعلى إثر هبوط العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي، تآكلت رواتب العمال والموظفين، ولم تعد تكفي تأمين الحاجات الأساسية كالطعام والدواء والكهرباء، سيما وأن غالبيتها مستورد من الخارج.
وعلى الصعيد العالمي، ارتفعت أسعار المواد الغذائية الأساسية (اللحوم، الزيوت النباتية، السكر، الحبوب، الألبان)، بنسب وصلت إلى 70 بالمئة على أساس سنوي، وفق بيانات منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
يضاف إلى ذلك، الارتفاع العالمي الذي طرأ على أسعار مشتقات الوقود عالميا خلال العام الجاري، وهي سلعة إلى جانب كون سعرها مرتفع، إلا أنها تباع في لبنان جزئيا داخل السوق السوداء، لندرتها، بأسعار مضاعفة.
هذا الواقع بدأ ينعكس جوعاً وتراجعاً في مستوى الغذاء والعناية الطبية، ويكشف الهوة الكبيرة بين أسعار السلع وأجور المواطنين، ويزيد من تفشي الفقر بينهم.
استناداً إلى إحصائية صادرة عن “الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي” (يتبع وزارة العمل) الذي يضم 400 ألف عامل وموظف في القطاع الخاص، فإن 75 بالمئة منهم يتقاضون راتباً يقل عن 2 مليون ليرة شهرياً (87 دولارا وفق سعر السوق الموازية).
أما في القطاع العام، فيبلغ عدد الموظفين 320 الفاً، يتراوح متوسط راتبهم الشهري ما بين 950 ألف ليرة و2 مليون و600 ألف ليرة (41.3 دولارا – 113 دولارا)، بينما يبلغ راتب المدراء 4.5 ملايين ليرة (195.65 دولارا).
ومنذ 20 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، يُنفذ موظفو الإدارات العامة في لبنان إضراباً مفتوحاً احتجاجاً على انهيار قدرتهم الشرائية، وعدم تحسين رواتبهم.
ويقول موظفون إن رواتبهم فقدت 97 بالمئة من قيمتها، ويطالبون بتحسينها بما يتناسب مع غلاء المعيشة إضافة إلى تأمين قسائم وقود للموظفين، بعدما أوقفت الحكومة دعم أسعار السلع الأساسية المستوردة، كالوقود والأدوية.
يعمل حسن ضيا كسائق حافلة، إلا أن ما يجنيه يومياً لا يكفي حاجاته الأساسية في ظل غلاء الأسعار، حاله كحال معظم المواطنين، بعدما بلغت نسبة الفقر 74 بالمئة في البلاد، وفقاً لدراسة صادر عن الأمم المتحدة.
وقال ضيا ، إن ما يتقاضاه من جراء عمله يشكل فقط ثلث ما يحتاجه من مال لتأمين متطلبات العيش، بعدما ارتفعت أسعار كافة السلع الأساسية، كالأغذية والوقود والأدوية.
وأضاف إن ربطة الخبز ارتفعت من 1500 ليرة (6.5 سنتات) إلى 10 آلاف ليرة (43.5 سنتا)، وكيلو البندورة من 2000 ليرة (8.7 سنتات) الى 12 ألف ليرة (52 سنتا).
وطال الارتفاع أسعار الأدوية كافة، بأكثر من 10 أضعافها قبل الأزمة الاقتصادية في البلاد خلال الربع الأخير من 2019.
وارتفعت الأسعار بشكل كبير بعدما توقفت الحكومة عن دعم السلع والمواد المستوردة، حيث كان الدعم يغطي الفارق بين سعر الصرف الرسمي للدولار البالغ 1515 ليرة، وسعره في السوق الموازية البالغ حالياً نحو 23-24 ألف ليرة.
“اللبناني يعيش من قلة الموت” بهذه العبارة لخّص المواطن سمير الخطيب المأساة اللبنانية، وأضاف أن كلفة اشتراك الكهرباء وحدها تبلغ مليون و 200 ألف ليرة (48 دولارا) في أقل تقدير.
ولفت، إلى أن هذا الواقع، جعل كثيرون يضطرون إلى الاستدانة من أقاربهم لتأمين طعامهم، مشيرا أن غالبية الشعب اللبناني أصبح يعيش بهذه الطريقة المأساوية.
“5 ملايين ليرة لا تكفي للعيش” أي قرابة 217 دولارا، هذا ما قاله المواطن أديب برقيط الذي لفت إلى أنه “كي يعيش المواطن عيشة كريمة يحتاج الى 10 ملايين ليرة (435 دولارا)”.
وقال رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الأسمر، إنه اقترح على الحكومة رفع الحد الأدنى للأجور من 675 ألف ليرة (29.34 دولارا) إلى 7 ملايين ليرة (304.3 دولارات).
وأضاف أن الحد الأدنى للأجور يجب أن يغطي كلفة تأمين الطعام والسكن والطبابة والتعليم، فضلاً عن وجوب منح الموظفين كلفة بدل التنقل التي ارتفعت بشكل كبير مؤخراً.
وفي السياق، أشار محمد شمس الدين الباحث في شركة الدولية للمعلومات (خاصة)، إلى أنه بسبب غلاء أسعار المحروقات باتت كلفة النقل تشكل حوالي 35 بالمئة من راتب الفرد.
ومنذ أكثر من عامين تعصف بلبنان أزمة اقتصادية صنفها البنك الدولي واحدة من بين 3 أسوأ أزمات اقتصادية في العالم، أدت الى انهيار مالي وتراجع قياسي في احتياطي العملات الأجنبية لدى المصرف المركزي.
(الأناضول)