أعطى الانطباع العام، بعد ما يُسمى بالتطبيع، بين دول خليجية وإسرائيل، وما تبعه من عدم صدور رد فعال، من أي دولة عربية، وسكوت بل تعاطف جامعة الدول العربية، أعطى كل ذلك، الانطباع أن الأمة العربية تُخطط للتخلي التام عن فلسطين والفلسطينيين، لكن من يريد أن يتحلى بنوع من المنطق والمصداقية، عليه أن يعترف، بأن ذلك ما هو إلا تتويج لتطور تعريف القضية الفلسطينية من قِبل الفلسطينيين والقادة العرب.
انطلقنا في سنوات جمال عبد الناصر، من مفهوم الصراع الوجودي الإسرائيلي العربي، إلى مفهوم جديد، أُكد في قمة الرباط في المغرب، عام 1974 وهو مفهوم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مما عنى ذلك تدريجياً، إستحواذ القيادة الفلسطينية، باسم الشعب الفلسطيني، على حق التعبير عن قضية العرب الأولى، واختصارها بنزاع بين شعب مُشرد، وقوة غاشمة مدعومة من أمريكا والغرب. وهي كما يبدو، معادلة لم تؤد إلاّ إلى اتفاقيات أوسلو، بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، على مبدأ قيام دولة فلسطينية، وهو ما لم يتحقق أبداً، بل زاد الاستيطان الإسرائيلي، وقضم أراضي الضفة المحتلة عام 67 وإعلان القدس، من طرف الرئيس الأمريكي، ترامب، عاصمة لإسرائيل، بالإضافة لذلك، ومع سياسة المفاوضات التي لا تنتهي لشيء منذ حوالي، ثلاثين عاماً، انتقلنا من مفهوم الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إلى مفهوم جديد، وهو الصراع الفلسطيني الفلسطيني، بين من يُمسك بالأمور بقطاع غزة، ومن يُمسكها بالضفة الغربية، مُتناسين عملياً، أساس القضة الفلسطينية التاريخي والحقوقي، وهو حق اللاجئين في العودة. هذا من ناحية ما يمكن تحميله للقادة والفصائل الفلسطينية، من مسؤولية وبشكل مختصر جداً.
من ناحية الدول العربية، فبعد تحررها، من مسؤولياتها التاريخية، بتحرير فلسطين كجزء لا يتجزأ من الأمة العربية، انقلبت هذه الأنظمة، إلى موقع الداعم (الممكن) للشعب الفلسطيني، بنضاله بتحرير وطنه، هذه المهمة لم تدم طويلاً، وتطورت بعد ذلك إلى مفهوم الوقوف تقريباً على الحياد، بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل، كما رأينا مثلاً، زمن حسني مبارك ولعبه دور الوسيط.
منذ انطلاق الربيع العربي، في نهاية عام 2010 انتقلت دول الثورات المضادة، بقيادة دول الخليج، خصوصاً الإمارات والبحرين، إلى مفهوم جديد، فبدل الاكتفاء بدور الوسيط، أصبحت هذه الدول تلعب دور الحليف للكيان الصهيوني، وهو ما تُرجم بمواقف عدة، كان آخرها الاتفاقيات الحديثة، الخليجية الإسرائيلية، وما الخطر الإيراني إلا حجة واهية.
حركات الربيع العربي
حركات الربيع العربي، تُشكل خطراً وجودياً، على كل الأنظمة الديكتاتورية، الفاقدة لأي شرعية شعبية، فهي لهذا السبب، في حاجة لحليف قوي لحمايتها، وردع خطر الثورات ضدها. هي وضعت نفسها إذاً، بموقع التناقض الرئيسي مع الشعوب العربية، المطالبة بحقوقها الإنسانية الطبيعية، كونها مصدر السلطة، كما حدث في عدد كبير من دول العالم منذ بداية التسعينيات. من هذا المنطلق، فهذه الأنظمة المتحالفة مع إسرائيل، وجدت نفسها تحت رحمة الإسرائيليين والأمريكيين وتنفذ كل طلباتهم، بهدف الحصول فقط، على بقاء أنظمتهم، وبدون النظر إلى الثمن المدفوع، حتى ولو كان حرمة القدس والمسجد الأقصى. تصريحات الرئيس الأمريكي، أنه حامي هذه الأنظمة، وبدونه تسقط في بضعة أيام، لأكبر دليل على ذلك. هذه الدول فاقدة، بشكل كامل، للسيادة على أراضيها، ملتحقة بالسيادة الأمريكية، بما فيها الأمور الداخلية الانتخابية.
نحن إذاً أمام معادلة جديدة فيما يخص القضية الفلسطينية، وهي الشعب والقيادة الفلسطينية من جهة، وإسرائيل وحلفائها العرب من جهة أخرى. هذه المعادلة لا يمكن أن تكون لصالح الفلسطينيين، مهما جدوا واجتهدوا، لذلك فإن المعادلة المقبلة، والتي قد تغير التوازن لصالح القضية الفلسطينية، لا يمكن أن توجد، إلا إذا تمكنت الشعوب العربية، من زعزعة هذه الأنظمة، وبناء صرح ديمقراطي جديد، وتمكن الشعب الفلسطيني من بناء حركة وطنية جديدة بمعايير الربيع العربي. عندها قد نحلم بعودة نوع من التوازن بين القوة الفلسطينية والعربية المشتركة، مقابل القوة الإسرائيلية وداعميها من الغرب.
بالعودة مُجدداً للتاريخ، فإننا نتذكر بسهولة، الاتفاقية الأمريكية السعودية لحماية أمن الخليج أي الأنظمة، لعام 1945 وما سبقها من اتفاقيات بنهاية القرن التاسع عشر، بين ما يُسمى الدويلات الخليجية المتصالحة وبريطانيا العظمى، حيث وضعت عام 1892 مجموعة من إمارات الخليج بزمنه، نفسها تحت حماية التاج البريطاني. لا شيء جديد إذاً، إن وضعت هذه الأنظمة نفسها الآن تحت حماية إسرائيل والتاج الأمريكي.
كاتب ومراقب سياسي عربي مستقل
اعتقد انكم تقصدوا اقامة انظمة حكم تستمد شرعيتها من الارادة الشعبية ..
صح لسانك دكتور نزار … كاتب ومراقب وطبيب