التطبيع المجاني: إلى أين؟

ترددت أخبار وتسريبات في الفترة الأخيرة؛ أن هناك طلبات سعودية من أمريكا؛ مقابل التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، حسبما أوردته تلك التسريبات، أو ما تشير إليه، في الوقت ذاته، عدة مقالات لكتاب أمريكيين وحتى غربيين، تنحصر بتعهد أمريكي، بضمانات أمنية للسعودية وبقية دول الخليج العربي، وأيضا حصول السعودية على السلاح الأمريكي المتطور، إضافة الى بناء برنامج نووي سعودي سلمي، ودورة وقود نووي سعودي بالكامل.
الرئيس الأمريكي أعلن مؤخرا؛ عن قرب اتفاق سعودي أمريكي في ما يخص التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، ولحد الآن، لم يعلن هذا الاتفاق، وربما لا يعلن إلا بعد الانتخابات الأمريكية، وهناك من يستبعد هذا الاتفاق؛ استنادا إلى الموقف السعودي الرسمي، الذي يظهر من خلال تصريحات المسؤولين السعوديين؛ والذي يؤكد على ضمان إقامة دولة فلسطينية على حدود 5 يونيو/حزيران1967.
إن من يقول إن أمريكا كانت نيتها مغادرة المنطقة العربية، والآن وبسبب ضغط الحرب في أوكرانيا، وبسبب أيضا؛ توجهات الصين وروسيا لملء الفراغ الذي سوف تتركه أمريكا، إن هي غادرت المنطقة، هذه القراءة لمشهد الصراع بين القوى الدولية؛ خاطئة تماما، أمريكا ليس في نيتها أن تغادر المنطقة العربية لا سابقا ولا حاليا ولا في المستقبل، حتى في ظل العالم الجديد، الذي هو الآن في طور التشكل. المنطقة العربية وحتى جوارها؛ تشكل أهمية استراتيجية في صراع القوى الدولية العظمى؛ بفعل الموقع الاستراتيجي، وخزين مصادر الطاقة، وما يتصل بالاثنين معا، وأمريكا لها عدة قواعد، سواء في دول الخليج العربي، أو في بقية دول المنطقة العربية، وقبل سنوات قليلة بنت لها قاعدة ومراكز لوجستية في الأردن، في الوقت الذي تحدثت فيه وسائل الإعلام، أن أمريكا بصدد الانسحاب من المنطقة العربية؛ لأنها ملّت من الحروب والصراعات فيها، وكأنها ليست طرفا، أو سببا أساسيا في إشعال هذه الحروب وتلك الصراعات.

المنطقة العربية؛ تشكل أهمية استراتيجية في صراع القوى الدولية العظمى؛ بفعل الموقع الاستراتيجي، وخزين مصادر الطاقة، وما يتصل بالاثنين معا

الضمانات الأمنية الأمريكية التي تطالب بها السعودية؛ تتلخص بتشكيل ناتو عربي على غرار حلف الناتو، (الناتو العربي كان قد طرح قبل أكثر من خمس سنوات في زمن إدارة ترامب) كما كتب عنه أو عن موضوع الناتو العربي توماس فريدمان في مقالة نشرها قبل أسابيع، بيّن فيها أن المطلب السعودي، جزء من ثلاثة مطالب أخرى ـ المذكورة أعلاه ـ حسب توماس فريدمان في مقاله؛ أن دولة الاحتلال الإسرائيلي سوف تعارض؛ حصول السعودية على سلاح أمريكي متطور، وبرنامج نووي سعودي سلمي مقابل التطبيع؛ خوفا من أن يستخدم ضدها ذات يوم. هنا يجب التوقف، وأيضا التمعن والفحص في قراءة مشهد التطبيع إن صار واقعا على الأرض بين السعودية ودولة الاحتلال الإسرائيلي، هذا التطبيع سيقود إلى تطبيع بقية الدول العربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي هذا الحالة لن تكون هناك دولة عربية في حالة حرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وفي الوقت ذاته سوف تكتسب دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ شرعية الوجود، والاعتراف رسميا بها من دول المحيط العربي، ويصبح وجودها كدولة قانونيا في المحيط العربي التي هي في قلبه، من قبل النظام الرسمي العربي، بمعنى آخر أكثر وضوحا ودقة؛ لا يحق لتلك الدول العربية الاعتداء عليها، ففي هذه الحالة يعتبر هذا الاعتداء عدوانا على دولة ذات سيادة واستقلال ووجود؛ من دول عربية أقرت واعترفت بها؛ سيادة واستقلالا ووجودا، أما مسألة تضمين التطبيع؛ حق الفلسطينيين في دولة ذات سيادة، فهذا التضمين، حسب المراقبين، تضمين إنشائي، لغرض تمرير عملية التطبيع على الشعب العربي المدافع، بل المناضل من أجل حق عرب فلسطين في دولة ذات سيادة. الناتو العربي، الوارد في المطالب السعودية مقابل التطبيع، والذي هو ضمنا التزام أمريكي في توفير الأمن والحماية للسعودية، كما أورده فريدمان في مقاله؛ يثير الكثير من الشكوك والكثير من الأسئلة؛ عن دوافع المطالبة بهذا الناتو، فإذا كان أمر الالتزامات الأمريكية في الحماية والدفاع التي تطالب بها السعودية أمريكا، هي في مواجهة إيران، إن دخلت في مواجهة مع السعودية مستقبلا، فالواضح والمنطقي أن إيران لن تدخل في مواجهة عسكرية في ظل النظام الحالي؛ لأنها لا تحتاج لهذه المواجهة المباشرة، وهذا هو ما تتوجس منه دول المنطقة العربية، وهو توجس ليس له أي مبرر، لجهة الواقع المتحرك على الأرض، إيران غارقة في مشاكلها الداخلية ليس في الحقل الاقتصادي فقط، بل في جميع الحقول الأخرى، وهي بفعل هذا الضغط؛ تعمل جاهدة على اتباع سياسة مرنة مع جميع دول المنطقة، وليس مع السعودية فقط، بل مع جميع الدول العربية، وفتح صفحات جديدة معها.
إن الناتو العربي أو غيره، ليس لمواجهة إيران النظام الحالي، بل لمواجهة تطورات المستقبل في دول المنطقة العربية، المطبعة، أو التي هي حكما في الطريق إليه، عندما يكتمل وتصبح فيه، أو في ظل ظروفه؛ دولة الاحتلال الإسرائيلي دولة طبيعية معترفا بوجودها عربيا، مع علاقات سياسية ودبلوماسية واقتصادية وتجارية وثقافية. كل هذا ما كان له أن يحدث، لو أن الدول العربية لم تتعرض للحروب، سواء من خارجها أو من داخلها؛ لتتشظى وتتمزق ويتحول فيها مواطنوها الى أدوات ووقود لحروب؛ دمرت أوطانهم، من دون أن يصلوا إلى ما كانوا يريدون ويسعون له؛ من حياة حرة كريمة، بل إن هذه الحروب دفعت الملايين منهم إلى الهجرة بحثا عن الحياة الكريمة والآمنة. من الجانب الثاني؛ التطبيع في شكله أو وضعه القانوني النهائي؛ سوف يواجه بالرفض من قبل الشعوب العربية، ولو بعد حين أو حتى يحين الحين. النظام الرسمي العربي المطبع سوف يحظى بالدعم والإسناد والحماية، سواء من الجانب الأمريكي أو الغربي، بل حتى من دولة الاحتلال الإسرائيلي، هذه الحماية ليست من عدوان خارجي، فهذا العدوان أو المواجهة هو كذبة استعمارية، فكيف لا تكون كذبة كبرى في زمن التحولات الكونية المقبلة، ليس هناك ما يوازيها من أكاذيب الاستعمار الجديد. إن الناتو العربي، إن قدر له وأصبح حقيقة على أرض الواقع؛ هو لحماية الأنظمة العربية المطبعة، التي سوف تحوَل دولة الاحتلال الإسرائيلي؛ الى دولة هيمنة غير مباشرة على الساحة العربية في السياسة والثقافة، وغيرهما؛ هو لحماية الأنظمة المطبعة، من ثورة الشعوب العربية. هذه الأنظمة هي التي كسرت؛ إرادة الشعوب في التحرر والانعتاق من هيمنة أمريكا والغرب.
الشعوب العربية سوف تتصدى بقوة لسياسة الأنظمة ومآلاتها المستقبلية، لذا يلاحظ المتابع للأوضاع العربية، وما يجري فيها؛ من هجمة شرسة لتحطيم وتهديم النفوس والأذهان، والقيم والأخلاق وتزوير التاريخ البعيد والقريب، والتلاعب به، وتحريفه عن خط سيره التاريخي، بمسارات مضللة وغير حقيقية؛ لإعادة إنتاج الثقافة والتاريخ.. حتى يتم القبول بهذا الواقع من الشعب العربي، وكأنه هو الواقع ولا يوجد بالإمكان أن يكون غير ما هو كائن في لحظته تلك. ان هذا يفسر لنا عمليا؛ الترابط في الحرية والتحرر والاستقلال والسيادة؛ بين شعب فلسطين وبقية شعوب العرب.

كاتب عراقي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية