التطبيع مع الإسرائيليين: لم يقسم المغاربيين؟

حجم الخط
26

هل استخلص التونسيون والجزائريون الدرس؟ ربما اعتقد كثيرون أن ما قام به برلمانيون في البلدين، باقتراحهم عرض مشاريع قوانين تناهض التطبيع مع المحتل الإسرائيلي على التصويت، في وقت غير معلوم في مجالسهم هو الدليل الأقوى على ذلك. لكن ألم يكن هناك دائما جزء مفقود من الصورة، وهو الذي يخص غياب أي مظهر من مظاهر التنسيق والتضامن بين المغاربيين أنفسهم؟ فكيف تكون مناهضة التطبيع الإسرائيلي مجدية وفعالة، أمام الرضا والتسليم بتطبيع آخر مع الفرقة والانقسام؟
والسؤال هنا هو من منهما قاد إلى الآخر؟ هل دفع التشتت العربي والمغاربي الرباط مثلا لتمد يديها للإسرائيليين؟ أم أن هؤلاء خططوا وأرادوا من وراء استدراجهم لها الحفاظ على الوضع على حاله؟ في كلتا الحالتين يختتم الإسرائيليون عامهم الحالي، وقد حصدوا عددا وافرا، وغير مسبوق من الاختراقات المهمة في العالم العربي بشرقه وغربه، ومبعث سعادتهم وبهجتهم بذلك الحصاد المميز هو، ليس فقط أنهم تمكنوا في ظرف سنة لا غير، من إقناع خمس دول عربية بالتمام والكمال، بأن تقيم علاقات رسمية وعلنية معهم، بل لأنهم ضربوا عصفورين بحجر واحد، فحصلوا على اعتراف رسمي من بعض الدول من جانب، وفاقموا به من الجانب الآخر حالة الانشقاق والانقسام الموجودة داخل الصف العربي والإسلامي.
ومن المؤكد أن الاتفاق الثلاثي الأخير الذي وقعوه في الرباط بمشاركة أمريكية مع المغرب، هو أحدث مثال على ما تمثله تلك الخطة من أهمية قصوى بالنسبة لسياساتهم ومشاريعهم على المدى البعيد في الشمال الافريقي. فمن غيرهم سيستفيد مما جرى في أعقاب التوقيع على ذلك الاتفاق، من تراشق وتبادل لشتى الأوصاف والاتهامات داخل وخارج المغرب، بالعمالة والخيانة والتفريط في القضية الفلسطينية والتنكر لها؟ ومن سيكون بمقدوره ألا يتصور أن التصدعات والتشققات التي حصلت، أو تلك التي توشك أن تحصل، جراء ذلك داخل البيت السياسي المغربي والإسلامي منه بوجه خاص، ثم داخل البيت المغاربي الكبير بشكل أعم، لم تكن جزءا من مخطط أوسع وضعوه للمنطقة المغاربية كلها؟ وفيما ينصب النقاش بين الجانبين المغربي والإسرائيلي الآن، كما أكد ذلك بنيامين نتنياهو السبت الماضي، في شريط فيديو بث على تويتر، وبشكل أساسي على بعض المسائل المحددة من قبيل، افتتاح المكاتب الدبلوماسية، وحركة الطيران المباشر، بين الرباط وتل أبيب، فإنه ليس معروفا بعد ما إذا كان المغرب قد عرض على الإسرائيليين طلبات تخص قضيته الوطنية الأولى، التي اعتبرها البعض المبرر الوحيد لإقدامه على تجرع ما قد يكون تطبيعا مرّاً، سواء قبل، أو حتى أثناء إبرام الاتفاق معهم، كأن يعترفوا مثلا بمغربية الصحراء، أسوة بما فعله الأمريكيون. ومع أن الجانب الإسرائيلي يعطي الأولوية المطلقة في علاقته بالبلد المغاربي في هذه الفترة، على الأقل، لمسائل أخرى قد تكون بعيدة تماما عن ذلك، إلا أن المغاربة قد لا يتحمسون كثيرا، لأن تقدم تل أبيب على عمل يبدو وديا جدا نحوهم من قبيل فتح قنصلية لها في العيون، أو في أي مدينة صحراوية أخرى، كتعبير عن اعترافها بمغربية الصحراء، لأنهم يدركون أن ذلك لن يكون مفيدا، أو مناسبا في مساعيهم للتوصل لحل نهائي لتلك المشكلة الإقليمية المزمنة.

يبدو مستبعدا جدا، بل حتى مستحيلا أن يحصل إجماع مغربي على التطبيع يماثل ذلك الذي حصل على الملف الصحراوي

لكن لنعد إلى اتفاق التطبيع الموقع بين الجانبين، فإن تركنا جانبا مسألة الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وإعلان واشنطن نيتها فتح قنصلية في العيون، مع ما يعنيه ذلك من دلالات مهمة، قد تؤثر بشكل ملحوظ في مسار الصراع على الإقليم، فإن الخاسر الأكبر، وكما يبدو الآن من الاتفاق الثلاثي الأمريكي المغربي الإسرائيلي هو سعد الدين العثماني وحزب «العدالة والتنمية» الذي يقوده، بعد أن حمل الرجل، الذي وصف قبل أكثر من عقدين التطبيع بأنه إبادة حضارية، وزر العملية كلها. وما تتوقعه بعض المصادر الإعلامية هو أن يدفع حزبه ثمنا باهظا لذلك في الاستحقاق الانتخابي المقبل. غير أن الأمور قد لا تبدو بتلك البساطة. فالعثماني لا يمثل بالنهاية سوى جانب فقط من دولة رأت في ما أقدمت عليه شأنا سياديا لا يخص أحدا سواها، لكن أن تحدثنا عن كسب مغربي من ذلك، فما الذي يمكنه أن يكون؟ ربما سيتفق البعض أو يختلف مع رئيس الوزراء المغربي في «أن المغرب القوي الموحد، الذي استكمل وحدته، وأزال تلك الشوكة التي وجدت في قدمه (في اشارة لقضية الصحراء) أقدر على دعم القضية الفلسطينية، والوقوف أكثر مع الثوابت الفلسطينية» لكن من باستطاعته الإقرار بالعكس؟ لقد وضع المغرب سلما لأولوياته، وقدّم قضيته الوطنية على القضية العربية والإسلامية، واعتبر أن حل الأولى سيسمح له بالتفرغ للثانية. وهذا الطرح يقبل الأخذ والرد. غير أنه ليس هناك شك في أن الإسرائيليين يدركون خلفياته. ويعلمون بالمثل أن بقاء تلك القضية، أو تلك الشوكة، كما وصفها العثماني سيكون محددا مهما، ليس فقط لدور المغرب في القضية الفلسطينية، بل لمشاريعهم وخططهم في المنطقة المغاربية، إذ لا يغيب عنهم أن الصراع على الصحراء يستنفد جهد دولتين كبيرتين، ويعطل بناء اتحاد مغاربي، قد يقلب وجوده التوازنات، رأسا على عقب. وبالنسبة لهم فلا فرق عمليا بين دولة مغاربية أو عربية تطبع معهم، وأخرى لاتزال تتحفظ وتتمنع لسبب أو لآخر عن الإقدام على تلك الخطوة، لأن وجود الاثنين أمر ضروري ومطلوب لاستمرار منسوب العداء بين تلك الدول على حاله، ولاستغلال ذلك للعب دور أكبر في المنطقة. فليس التطبيع وعلى أهميته القصوى هدفا إسرائيليا نهائيا، إذ ما الفرق مثلا بين الوضع الذي كانت عليه علاقة المغرب بالإسرائيليين قبل الاتفاق الأخير، والوضع الذي ستكون عليه بعده؟ من المؤكد أن الآثار التي سيتركها ذلك الإعلان على المشهد السياسي الداخلي في المغرب، وعلى جواره الإقليمي ستكون الأهم. فمثلما يبدو مستبعدا جدا، بل حتى مستحيلا أن يحصل إجماع مغربي على التطبيع، يماثل ذلك الذي حصل على الملف الصحراوي، فإنه سيكون غير ممكن لجيران المغرب، خصوصا الجزائريين، أن يكسروا الجليد ويعيدوا الدفء إلى علاقتهم بالرباط، تحت ذريعة أخرى هي تطبيعها مع العدو الصهيوني. والخطأ الذي قد يرتكبه هؤلاء، حين يفعلون ذلك، هو أنهم قد يقدّمون من حيث يدرون أو لا يدرون لذلك العدو هدية على طبق، بوضعهم له ولشقيقهم في سلة واحدة، ما يمنحه هامشا واسعا للمناورة والابتزاز، واستغلال الخلافات بينهم، لإذكاء التوترات، وإجهاض كل أمل بالوحدة، ومع أنه سيكون سهلا على هؤلاء الجيران أن يقولوا مثلا: «نحن لن نفعل أبدا ما فعله المغرب» لكن كم يبدو صعبا أن يمضوا أبعد ليقولوا لشعوبهم: «نحن سنواجه التطبيع وسنتصدى له بقوة وعزم من خلال الوحدة المغاربية». وربما سنكتشف العام المقبل، وبجرد سريع للحصاد الإسرائيلي في المنطقة، نتائج أي خطاب اختاروا.
كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول رشيد الخيمة / المغرب:

    مقال جميل و دقيق
    تحية مغربية خالصة للاستاذ نزار

  2. يقول الكروي داود النرويج:

    تحية لمشجعي الأندية المغربية وأخص الرجاء وطنجة على محبتهم لفلسطين من خلال كلماتهم بالملاعب!
    كانوا ينددون باليهود واحتلالهم لفلسطين ولم يركعوا ولم يطبعوا!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول طاهر العربي:

      لماذا العنصرية ؟. ينددون باليهود ام الصهاينة؟
      ماذا لو قامت النرويج بالتنديد بالمسلمين ؟

    2. يقول الكروي داود النرويج:

      حياك الله عزيزي طاهر, وحيا الله الجميع
      أنا نقلت ما قالوا حرفياً! هم قالوا يهود ولم يقولوا صهاينة!!
      لعلمك يا عزيزي فإن 99% من اليهود يؤيدون الصهيونية, ويؤيدون إحتلال فلسطين!! ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول الكروي داود النرويج:

    تحية لمشجعي الأندية الجزائرية الذين كانوا يرفعوا العلم الفلسطيني بيد والعلم الجزائري باليد الأخرى!
    رحم الله شاعر الثورة الجزائرية الشيخ زكريا, الذي أهدى للأمة النشيد الوطني الجزائري المكتوب بدمائه الطاهرة بسجون الفرنسيس!!
    عظماء الأمة تاج على رؤوسنا, ليتنا نحتذي بهم!!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول هيثم:

      نعم رحم الله مفدي زكريا شاعر الثورة و ناظم النشيد الوطني الجزائري: قسما…. رحمه الله غادر الدنيا إلى دار البقاء بعدما مارس عليه الدكتاتور بومدين شتى انواع القمع والتهميش

    2. يقول Ali:

      كروي .وراء رفع العلم الفلسطيني بيد و العلم الجزائري باليد الأخرى ، هناك اتفاقات سرية من بينها تصدير الغاز الجزائري لإسرائيل منذ 2014. و كفانا من الإنشاءات.

  4. يقول منية بلاد الرجال:

    التطبيع خيانة بدون لف و دوران .

    1. يقول سفيان السحمودي:

      وماذا عن تصدير الغاز إلى إسرائيل. أكثر من تطبيع يا منية.

  5. يقول tarrasteno:

    فكرة دول مغاربية موحّدة لم تعد ممكنة

  6. يقول صحراوي مغربي:

    والله ان تحليلك لصائب أستاذ نزار، دمت متألقا، بالنسبة للسياسيين المغاربيين بالفرقة و الاختلاف أسهل لهم من الوحدة و الاتفاق، أصبح الاتحاد المغاربي حلما بعيد المنال بسبب تعنت السياسيين

  7. يقول سعيد السعيدي:

    أولا، لماذا لم يصدر قانون يحرم نقل السفارات إلى القدس، ويطالب بقطع العلاقات مع الدولة التي تقوم بنقل سفارتها إلى المدينة المحتلة..
    ثانيا، الصهيونية ليست جديدة على المنطقة، فهي مزروعة منذ سنة 1975, وتحاول تقسيم المغرب وخلق كيان قزمي في المنطقة..وزرعت العداوة بين المغرب والجزائر..
    ثالثا، انفقت الجزاءر اكثر من 120 مليار دولار لدعم البوليزاريو، كم انفقت لدعم فلسطين ?..
    رابعا، آلاف الجزائريين يغامرون بحياتهم للوصول إلى الشواطئ الاوروبية، كم منهم يغامر بحياته للوصول إلى فلسطين ؟؟
    وأخيرا، المقاطعة جميلة ، لكن هل حررت الأرض، هل منعت إسرائيل من ضم الأراضي و تهويد القدس وحصار غزة ؟؟

    1. يقول Ali:

      الجزائر انفقت500 مليار دولار على البوليساريو و ليس 120 مليار دولار. كم أنفقت على فلسطين.

  8. يقول علي يوسف:

    مهما كانت الأسباب والحجج يبقى التطبيع خيانة ووصمة عار في جبين كل مطبع وسوف تتداوله الأجيال جيل بعد جيل على أن التطبيع كان خيانة عظمى للقضية الفلسطينية وخنجر مسموم في ظهر الامة العربية والاسلامية

  9. يقول حمدي عبد الرحمن:

    صدقت رؤية الفلسطيني لقد اصبحت الخيانة وجهة نظر

  10. يقول ظالمة أو مظلومة!!:

    L’Algérie, le gaz et Israël تحت هذا العنوان نشر موقع algerie.dz.com تقريراً ملخصه أن الجزائر تبيع الغاز لإسرائيل منذ سنة 2014 بوساطة مصرية وعبر أنابيب الغاز شمال سيناء ومنها أنبوب العريش. وأشار التقرير أن الصفقة تمت بأسعار تفضيلية. من يريد التفاصيل عليه بالرجوع لأصل المقال المنشور بالموقع المذكور أعلاه…

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية