التطبيع ورقته القوية

حجم الخط
15

من البرامج التلفزيونية القليلة التي أشاهدها، هو برنامج (أنت أَمين) ومن خلاله يُمتحن أصحاب المِهِن الحرّة، فيُكشف ما إذا كانوا مهنيين وأمناء في عملهم، أم عكس ذلك.
يقوم معدو البرنامج بافتعال خلل بسيط ما في سيارة، أو أي جهاز كهربائي، ثم يتصلون بعدد من المهنيين لإصلاح الخلل، يرافق هذا تصوير سري، وعلى مدار عدد كبير من الحلقات، اتضح أن معظم أصحاب المهن في إسرائيل، بنسبة تصل إلى ثمانين في المئة يغشّون ويكذبون، بل هم لصوص، بالمعنى الحرفي للكلمة، وبعضهم يبالغ في الغشّ وسرقة الزبائن بصورة غير متوقعة، خصوصاً عندما يكون الزبون مُسناً ضعيفاً.

سلام مقابل سلام، دون أي علاقة أو تأثير أو ثمن، لا من قريب ولا من بعيد بالقضية الفلسطينية

الحياة السياسية في إسرائيل لا تختلف عن حياة النصابين والمحتالين وأفعالهم، الفرق أن هذا يجري في السياسة علناً، وعلى رؤوس الأشهاد وفي مؤتمرات صحافية وليس سراً. نتيجة لعملية نصب واحتيال قام بها نتنياهو على بيني غانتس، أُعلن مساء الثلاثاء الأخير عن حل الكنيست، الأمر الذي يعني إجراء انتخابات رابعة خلال العامين الأخيرين، والبدء في تشكيل أحزاب وتحالفات جديدة، وأن يحاول كل عضو كنيست أن يُلحِق نفسَه في كتلة مضمونة النجاح، أو إيجاد موقع له في تحالف ما، كي يضمن عودته إلى الكنيست، وهي تحالفات تفتقر إلى الرؤى السياسية، أو حتى الاجتماعية، إنها الأحزاب نفسها والشخصيات تقريبًا، مع فوارق طفيفة في الأسماء وتغيير الترتيب في القائمة، وبغياب شبه تام للمبادئ في التعامل مع أي موضوع كان، فكل شيء قابل للمساومة، حتى احترام السّبت الذي كان يعتبره بعضهم خطاً أحمر، من الاتجاهين، سواء بالحفاظ عليه كما في الدّين اليهودي، أو عدم الالتزام به، في المواصلات العامة مثلا، كما يطالب العلمانيون. لا يوجد أي سبب أو مبرر سياسي لإجراء انتخابات جديدة، إذ أنه لا يوجد أي خلاف جوهري في الموقف من الصراع العربي الإسرائيلي، أو في التطورات على الساحة الفلسطينية، فجميع القوى والأحزاب الوازنة تُزايد على بعضها بعضا في هذا المجال.
السّبب الأساسي لحلِّ الكنيست، هو عدم التمكّنِ من إقرار ميزانية لحكومة نتنياهو- غانتس، بعد خلافات حول تعيينات حسّاسة في الجهاز القضائي، وهي محاولة من نتنياهو للسيطرة على هذا الجهاز، بهدف منع محاكمته بتهم الفساد المنسوبة إليه، إضافة إلى التملص من الالتزام بما اتفق عليه مع بيني غانتس، بالتخلي عن رئاسة الحكومة لصالح الأخير في أكتوبر المقبل، حسب اتفاقية الائتلاف التبادلية. بيني غانتس، شكّل أملا لجمهور واسع في تغيير نتنياهو ومحاكمته، ولكنه خذل هذا الجمهور إذ تحالف معه، رغم اعتراض حلفائه الذين خاضوا إلى جانبه الانتخابات الأخيرة في مارس الماضي وأكبرها حزب «يوجد مستقبل» الذي يرأسه يئير لبيد، فأضعَف نفسَه بتردّده وخضوعه لإملاءات نتنياهو. الآن تفيد استطلاعات الرأي بأنه بالكاد سيعبر نسبة الحسم، الأمر الذي يعني بأنه سيضطر للبحث عن حليف يلتحق به، ولكن من موقع الضعيف.
في هذه الأثناء أعلن جدعون ساعر، الشخصية القوية الثانية بعد نتنياهو في الليكود، انفصاله عن حزبه وأنشأ حزباً جديداً سمّاه «أمل جديد» هدفه الأساسي التخلص من نتنياهو ومحاكمته، ليس لديه أي رؤية سياسية مختلفة، وتمنحه آخر استطلاعات الرأي عشرين مقعداً ليكون القوة الثانية، ولكن هذا لم يضعف الليكود الذي تمنحه الاستطلاعات (29) مقعداً، فمعظم أصوات الحزب الجديد برئاسة جدعون ساعر سيمتصُّها من مخذولي بيني غانتس، وكذلك من حزب يمينا الديني القومي المتطرف، الذي يتزعّمه نفتالي بينت، وليس من أصوات الليكود الذي انفصل عنه. الملاحظ أنه رغم السخط الكبير من قبل أصحاب المصالح التجارية، نتيجة الإدارة السيئة لأزمة كورونا، ورغم انفصال جدعون ساعر الشخصية الثانية في الليكود، ورغم قضايا الفساد المتهم فيها نتنياهو، فمازال الحزب بقيادته محتفظاً بقوته وبالصدارة، وما زال محتفظاً بأنه الأفضل لرئاسة الحكومة حسب الاستطلاعات. هنا يأتي دور ورقة التطبيع العربي، فهي ورقة نتنياهو الرابحة التي منحته دُعامة قوية، ويتباهى بها وبحق، فهو يعتبرها واحدة من إنجازات سياسته المتشدّدة، وهو ما يسميه السّلام مع عدد من الدول العربية، وقد تتبعها دول أخرى عربية وإسلامية مقابل لا شيء، وفقط سلام مقابل سلام، دون أي علاقة أو تأثير أو ثمن، لا من قريب ولا من بعيد بالقضية الفلسطينية.
كاتب فلسطيني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    فلسطين شرف الأمة المتبقي, كيف يطيب لنا العيش بدون تحريرها!
    من يبيع فلسطين لا شرف له!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول أسامة حميد-المغرب:

      مزايدات كلامية لن تحرر شبرا من فلسطين. الكل “يطيب له العيش” في النرويج أو غيرها. تصديق الشعارات الكلامية هي التي أوصلت الفلسطينيين إلى هذه الحالة.

    2. يقول الكروي داود النرويج:

      بسم الله الرحمن الرحيم
      ((ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين(171)إنهم لهم المنصورون (172)وإن جندنا لهم الغالبون)) [الصافات (173)]
      ((ياأيها الذين ءامنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم)) [محمد (7)]
      ((ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز]] [الحج (40)]

    3. يقول خيرالدين:

      يا اخ كروي : لقد أسمعت لو ناديت حيا ***** ولكن للا حياة لمن تنادي

      جاء في الاثر :
      الناس علي دين ملوكهم …
      ان طبّع الملك نطبع …
      اليوم اصبح كثير من اخواننا المغارية وللاسف يجاهرون بان ماحدث ليس تطبيعا بل هو عودة لحالة وعلاقة كانت موجودة بالفعل وبحجج واهية لتبرير هذا الخزي والاثم المبين ..
      قال تعالي “تَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَىٰ أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ ۚ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ”

      اللهم إنا نعوذ بك من الحور بعد الكور

      نسأل الله لنا ولكم العافية .

    4. يقول مغربي ثائر:

      كلّ يغني على انغامه
      كلام أسامة عن الكروي صحيح مئة بالمئة حتى وان اخطأ المغاربة في كلامهم عن التطبيع
      سبحان الله فجأة تحول كمال الدين إلى خير الدين

  2. يقول سوري:

    يقول المثل الفرنسي: الطاقية بيضاء، بيضاء الطاقية. أي أن الإثنين يتشابهان، فبيبي وغانتس لا يختلفان صهيونيان متمرسان على العنصرية، وسرقة اراضي الفلسطينيين، وتركيع العرب وجرهم لتقبيل نعال الصهاينة.

  3. يقول علي يوسف:

    الذي أوصل فلسطين الى هذه الحالة يا أخي أسامة هو التطبيع والانبطاح والخيانة ولا شيء آخر

  4. يقول سامح //الأردن:

    *(المحتال) واللص مهنته الاحتيال والسرقة
    ولا يهم المكان او الزمان..
    *صعود المجرم (النتن) سببه ضعف حكامنا
    الفاسدين والشعوب العربية الغارقة
    بالنوم والبيات الشتوي..
    حسبنا الله ونعم الوكيل.

  5. يقول علي مناع:

    لقد وصل الخذلان العربي الى ابعد ما بتصوره الاسرائيليون انفسهم وقد كانت البداية عندما كانت معاهدة السلام الاولى والتي وقعها السادات مع بيغن ومن هنا كانت بداية انهيار اليسار الاسرائيلي وتقوية اليمين الفاشي
    جميل وفي الصميم كاتبنا

  6. يقول فاطمة كيوان:

    ( نعم هي كذلك فلدى الاحزاب الصهيونية وقادتها لا يوجد احترام للمعايير والمبادئ والتحالفات ولا للمعتقدات ولا حتى للناخبين، وقد ثبت ذلك كما شرحتةفي المقال من قادتهم وكيف باع غانتس حلفاءه في سبيل مصلحته، وكما قال المثل (( جاجه حفرت على راسها عفرت)) ولا اظن حاليا ان(( حزب امل جديد) بقيادة ساعر وحزب (( يوجد مستقبل )) بقيادة يئير لابيد بأفضل من الليكود وهم الحلفاء لنتياهو ولغانتس .وعلى مستوى قضية الصراع العربي الاسرائيلي فكلهم يصبون في نفس خانة الصهيونية والكراهية للعرب . الملفت للنظر هنا وبالذات حاليا بعد حل الكنيست وتسارع الاحداث هو كيف سيكون موقف الشعب ؟؟ حتى الان برأيي احتمال نجاح بيبي اكثر اذا ما استغل في حملته الانتخابية ودعايته فضله في اخضاع واركاع الانظمة العربية لعملية التطبيع وابعاد كل الشأن الفلسطيني ومحاولة طمس القضية، فباتت القدس لا تعنيهم والمسجد الاقصى وهو مسرى الرسول، وهذا انجاز لم ينجزه اي من رؤساء اسرائيل من قبل . فقد لعب على وتر الخوف من ايران والامتداد الشيعي لتطبيع كل هذه الدول محاولة منه لدعم اقتصاد البلاد وتعميم صهينة اسرائيل على المنطقه . والعرب منحوه تلك الورقه الرابحة بانحدارهم وبعدهم عن قواعد الاخلاق والدين.
    مقال رائع وعميق .دمت بألق ابو سمير

  7. يقول حسين حمود:

    تطرقت بموضعك الشيق الى وصف اصحاب المهن بالسياسين الذين يلعبون ويأثرون على عقول الانسان البسيط واصفا اياهم بالنصابين والمحتالين.
    هذا البرنامج الذي بثه التلفزيون الإسرائيلي تحت عنوان צדיק وهو حقا يذكرنا بما يحصل على الساحة السياسبة ولا استثني منه حتى القائمة المشتركة التي يعمل رجالها على اثبات الذات ومن هو الافضل ليس بالتناحر من اجل المواطن او الناخب انما لأظهار الذات للأسف.
    مقال شيق اخي سهيل دام فكرك النير.

  8. يقول Passerby:

    البرنامج الذي تتحدث عنه أصلا برنامج بريطاني يدعى ( named and shamed) وأظن كان يُبث على القناة الرابعة البريطانية ولكن ليس فيه أي تمثيل أبداً فقط كانوا يأخذون موافقة المتصل الذي يطلب خدمة التصليح مثل سخان الماء أو أعمال كهربائية أو سباكة إلخ… وقد رأينا العجب العجاب من كذب وغدر أصحاب الصنايع الذين كانوا يطلبون أسعار مرتفعة أو يدعون أن قطعة ما من الجهاز عاطلة وتحتاج إلى قطع غيار ويتحججون أنها غير متوفرة ولكن يمكن الحصول عليها بالسعر الذي يفرضونه. لم يكن معد البرنامج يتدخل أبداً بل فقط يصور الواقعة كما هي. ونستشف من البرنامج أن مجتمع الصنايعية مجتمع فاسد ومنافق إلا فيما ندر. أما عن اليهود فحدث ولا حرج ولهذا رأوا في مدينة كدبي جنة فساد ومدينة معاصي لا تقل إنحطاط عن لاس فيغاس (التي يسمونها المريكان مدينة المعاصي أو Sin City ) سوى أن لاس فيغاس تختلف عن دبي بالكازينوهات ودور القمار ومن يدري لعل دبي فيها هذا أيضاً وكما يقول الشاعر:
    إن البناء إذا ماانهد جانبه …….لا يأمن الناس أن ينهد باقيه.

  9. يقول رسيله:

    مقاله سياسيه رائعه كاتبنا العزيز ، وهي تثير تساؤلاتنا حول سرّ قوة نتنياهو؟
    فكيف يصمد هذا الرجل وهو الذي ينظر إليه كأكثر رؤساء الحكومات الإسرائيلية تردداً وجبناً، وأنه جبان لا يحسم في الأمور، كما أنه أكثر رؤساء الحكومات مجافاة للحقيقة وعنده من الصلف ما يجعله يزيف التاريخ، وأنه أيضاً أكثر رؤساء الحكومات رضوخاً للضغوط، وبالأخص من طرف معسكره اليميني؟
    هل الجواب الأكبر على هذه التساؤلات هو كونه فنان في إدارة حرب البقاء.
    فقد وضع نتنياهو لنفسه هدفا وهو أن يبقى رئيس حكومة لأطول فترة ممكنة، فالرجل مغرم بالمنصب، ومستعد لعمل أي شيء يضمن له التمسك بالكرسي، بل كل ما يفعله يندرج تحت هذا البند: البقاء في الكرسي.
    لا يهمه أن يقول الشيء ونقيضه، لا يرمش له جفن وهو يقول أمورا لا تمت للحقائق بصلة. لا يتردد في تغيير رأيه ومواقفه وقراراته في سبيل إرضاء أولئك الذين يعتبرون جمهور مصوتيه المحتملين.(يتبع)

  10. يقول رسيله:

    ( تكمله اخيره ) انه ينجح في الحفاظ على نسبة عاليه من التأييد، إذ أنه يواصل دغدغة غرائز اليمين العنصري بالتحريض على المواطنين العرب (فلسطينيي 48)، وبسن قوانين خاصة لقمعهم وتقليم نفوذهم وبممارسة عمليات هدم لبيوتهم ومهاجمة قياداتهم.
    اما بالنسبة لنهجه سبيل التطبيع مع الدول العربية فذلك انطلاقا من معرفته بأن مصلحة إسرائيل تقتضي التوجه إلى عملية سلام تجعله قائداً تاريخياً لإسرائيل، يقف في مصاف «مؤسس الدولة» ديفيد بن غوريون و«صانع السلام» مع مصر مناحيم بيغن و«صانع اتفاقات أوسلو والسلام مع الأردن» إسحق رابين. كل تلك الأمور مجتمعة جعلت من نتنياهو صاحب أطول فترة رئاسة بين جميع رؤساء حكومات إسرائيل.
    ابدعت كاتبنا في مقالتك ونجحت في منحنا القدرة على قراءة الواقع وتحليله، دمت لنا فخرا وذخرا.

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية