كثيرا ما يقرأ المسلمون وغيرهم القرآن الكريم، لكن أغلبهم لا يلتفتون إلى ما فيه من آيات وعلامات دالة على خصوصيته التنزيلية، خاصة كل أولئك الذين لا يهمهم سوى إسقاط تصوراتهم الخارجية عليه، أملا في تقويض ما انتهى إلى المسلمين بخصوصه.
لكن قراءة متأنية، تستهدي بنظريات النص الحديثة، وبالتصورات المختلفة قديما حول إنتاج النصوص، كيفما كان نوعها أو جنسها، تبين لنا بجلاء أن أي إنتاج نصي أو خطابي يتحقق ضمن بنية نصية مشتركة ذات طبيعة إنسانية، يخضع لها إنتاج كل النصوص، وأي خرق في بعضها لا يمكنه أن يخرج مطلقا عن الإنتاج العام. ويتأكد لنا هذا من المقارنة بين النصوص المختلفة، كيفما كانت طبيعتها، دينية أو دنيوية، أو جنسها، أو نوعها.
إن المتكلم في أي نص لا يخرج عن توظيف صيغة المتكلم، أو المخاطب، أو الغائب، سواء كان ما يتضمنه هذا الخطاب متصلا بالذات المتكلمة أو غيرها. وفي مختلف هذه الصيغ الموظفة يكون الارتباط بالمشترك هو السمة المهيمنة على أي نص. قد يخاطب متكلم نفسه، مثلا، بضمير المخاطب في قسم من خطابه، أو في شذرة منه، تعبيرا عن لحظة خاصة يستشعر فيها حالة معينة.. كما أنه قد يتحدث عن نفسه بضمير الغائب لإقامة مسافة بين ما يراه، وما يقوله عن نفسه.
تسمح لنا قراءة التنبيه القرآني من خلال آيات متعددة تبدأ بـ«وما كنت» خصوصية خطابية لا ينتبه إليها.
لكن كل هذه الحالات لا يمكن أن تعم الخطاب كله، لكننا في القرآن الكريم نجد الرسول (ص) متوجها إليه بالخطاب (مخاطب) دون أن يكون متكلما فيه، ما يدل على أنه ليس منتج هذا الخطاب، وكل الصيغ المتوجه به إليه دالة على أنه يتلقاها لأول مرة، وهو ليس على دراية بها من قبل، سواء تعلق الأمر بالأوامر أو النواهي، أو الأفعال التي يأتي بها أحيانا. ويزخر القرآن الكريم بالصيغ المختلفة التي تؤكد ذلك، والتي لا نجدها في أي خطاب إنساني. ومن بين هذه الصيغ ما سميته مؤقتا «التنبيه السردي» الذي يتم من خلاله التوجه إلى الرسول بالخطاب، لإبراز أن لا علاقة له بما يقدمه للناس على أنه القرآن الكريم الذي هو تنزيل من الله إليه. لنقرأ هاتين الآيتين:
«تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ». (سورة هود 49).
«وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ (47) وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ (48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ» (العنكبوت 49). نجد في الآية الأولى تأكيدا على أن الرسول وقومه لم يكونوا على علم بما يوحى إليه، وما كان يبلغه إياهم بين الفينة والأخرى. وفي الثانية تأكيد على أن أهل الكتاب يجدون في هذا القرآن الكريم بعضا مما أوحي إلى أنبيائهم، وهم مختلفون فيه، من جهة، ومن جهة إقرار بأن الرسول لم يكن يقرأ أو يكتب، وهذا مما كان معروفا لدى القوم الذين عاش بينهم. ولو كان يعرف القراءة والكتابة لكان هذا مما يدركه القوم.
يأتي التنبيه السردي، بعد توقف تقرير أو سرد، ويكون التوجه إلى الرسول (ص) لتنبيهه إلى ما وراء ما يتوصل به. إننا بذلك ننتقل من الخطاب المسرود، بضمير الغائب إلى ضمير المخاطب، من خلال الخطاب التقريري. ومن الزمن الماضي البعيد أو القريب، إلى حاضر تلقي النص. ومن النص إلى النص الموازي (المُناصّ). كما أننا هنا نتتقل من بنية نصية (سرد قصة، أو التمهيد لها كما في قصة يوسف مثلا، أو الاختتام بها) إلى أخرى بهدف الإخبار، أو التحويل، أو المعارضة. وفي ذلك نفي المعرفة في الماضي عن الرسول، وحصولها في الحاضر:
«نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (يوسف 3). إن هذا التنبيه كما يكون أحيانا للإخبار، وتقديم معلومات أو معرفة لم يكن الرسول على علم بها، كما في قوله تعإلى:
«ومَا كُنْتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الامْرَ وَمَا كُنْتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ» (القصص 44). حيث يبين له أنه لم يكن شاهدا في مكان معين، على ما انتهى إليه لبعد المسافة الزمنية. ويكون أحيانا أخرى لتثبيته وإزالة الشك عنه، بدفعه إلى البحث عن المعرفة من خلال سؤال الذين أوتوا الكتاب قبله: «فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ، فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ. لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَللا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (سورة يونس 94). وفي هذا تأكيد لمن يبحثون عن أصول النص القرآني على أن القرآن نفسه يؤكد كونه، وكل الكتب السماوية على أنها من مصدر واحد.
تسمح لنا قراءة التنبيه القرآني من خلال آيات متعددة تبدأ بـ«وما كنت» خصوصية خطابية لا ينتبه إليها.
كاتب مغربي
كما هرب (زين العابدين بن علي) وزوجته من تونس عام 2011، إلى دول مجلس التعاون في الخليج العربي، وليس مصر، لماذا؟! الله أعلم.
الكثير لا يعلم أن حتى دول مجلس التعاون، اضطررت، إلى تغيير نموذجها الفريد في الإدارة والحوكمة، بعد مؤتمر مدريد في عام 1991، إلى أسلوب جديد تحت قيادة صندوق النقد والبنك الدولي، وأخيراً معهد الحوكمة الكندي، بشروطهم الخمس:
– الشفافية،
-اللا مركزية،
– حاضنة التقنية،
– الحوكمة الرشيدة،
– حق تعليم لغات الأقليات، نفس حق تعليم اللغة الأم،
لو أرادت أي دولة، تتجاوز مفهوم الدولة الفاشلة، في توفير خدمات، بجودة وكفاءة، لا تجعل أهل الدولة خصوصاً أصحاب العقول والمال المُنتِج، البحث عن مكان آخر،
كما قام بعض من أهل (مهنة الفن) الأمريكي والفرنسي، من أصحاب الملايين، إعلان الحرص على الهجرة إلى روسيا، في زمن الرئيس (ساركوزي) وحرص الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) بنفسه، تسليم الجواز الروسي لهم،
في رمزية مهمة، لمن يبحث عن الرمز/القدوة/القائد الضرورة، مثل (الحسين بن علي بن أبي طالب)، والذي تقتدي بما فعله (طالبان) ونجحت، والحمدلله، أليس كذلك؟!??
??????
كل هذا اللف والدوران يمكنُ اختصارُه في جملة: السرد القرآني يحصر الدلالة لأنَّهُ تعليميّ.
يا قارئ عابر ، افهم ما تقرأ أولا : المقال ليس عن “السرد القرآني” ، ولكن عن “التنبيه السردي القرآني” ، وشتان شتان بين الاثنين ؛ جميل أن يعلق من يقرأ إن كان تعليقه مفيدا ،!!؟
مقال علمي مهم …بارك الله فيك
أخ سعيد يقطين، أنا أتفهَّمُ جيدا لجوءك الذرائعي إلى استعمال هذا الاصطلاح الذي تسميه أنت مؤقتا بـ«التنبيه السردي» بصفته، كما تحدِّده أنت، إجراء كلاميا يتم من خلاله التوجه إلى الرسول بالخطاب، وعلى الأخص أنه بكل جلاء ووضوح اصطلاح مزاجي تلفيقي لم يأت في محله على الإطلاق ما دامت القرائن المعنية تقتضي حشدا متنوعا من الذوات المتكلمة التي تقتني ضمائرَ متباينةً، وما إلى ذلك.. وهكذا، فإن معنيَّ الخطاب بين الذات الإلهية والذات النبوية ليس بالضرورة خطابا «تنبيهيا سرديا» حتى تعطيه أنت هذا التوصيف الطاغي والمهيمن في مقالك هذا وإلى درجة استباءته منزلة العنوان بالذات – هناك في النص القرآني، من هذا المنظور الخطابي أو الكلامي، إجراءات عديدة، منها: «التنويب» و«التوجيه» و«التكييف» و«التعديل» و«التحويل» إلخ، من جهة أولى، وهناك أيضا توصيفات عديدة موازية في المقابل، منها: «القَصَصِي» و«القَصِّي» و«السردي» و«المسرحي» و«الشعري» إلخ، من جهة أخرى..
/بقية الكلام/
وبعدين، ما تستشهد به من آيات في مقالك هذا لا يدل على ما تتخذه دليلا أكيدا ونهائيا من خلا ل تفسيرك الخاص: فمثلا أول، ما جاء في الآية «فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ، وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الْكَافِرُونَ» لا يدل بتًّا على قولك بصفة الـ«تأكيد على أن أهل الكتاب يجحدون في هذا القرآن بعضا مما أوحي إلى أنبيائهم، وهم مختلفون فيه»، إلخ.. ومثلا آخر، ما جاء في الآية «وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ» لا يدل قطعًا على قولك بالـ«إقرار بأن الرسول لم يكن يقرأ أو يكتب، وهذا مما كان معروفا لدى القوم الذين عاش بينهم. ولو كان يعرف القراءة والكتابة لكان هذا مما يدركه القوم» إلخ – فعليك ها هنا، بمثابة «تنبيه سردي» بحسب مفهومك أنت بالذات، أن تكون حذرا كل الحذر !!
ملاحظة أخيرة من قبيل تعضيد محض الإيضاح ومن سبيل توكيد دحض معنيِّ الاصطلاح،
عندما قلتُ إن هناك في النص القرآني، من ذلك المنظور، إجراءاتٍ عديدةً، منها: «التنويب» و«التوجيه» و«التكييف» و«التعديل» و«التحويل» إلخ، من جهة أولى، وإن هناك أيضا توصيفاتٍ عديدة موازية في المقابل، منها: «القَصَصِي» و«القَصِّي» و«السردي» و«المسرحي» و«الشعري» إلخ، من جهة أخرى.. فهذا يعني أن لكل إجراء من هذه الإجراءات قابليةً للاقتران بأي توصيف من هذه التوصيفات – فهناك إذن من حيث الإجراء المذكور أولا، على سبيل التمثيل، «التنويب القَصَصِي» و«التنويب القَصِّي» و«التنويب السردي» و«التنويب المسرحي» و«التنويب الشعري» إلخ.. وهذا التمثيل التوصيفي الاقتراني إنما ينطبق على كافة ما تبقَّى من الإجراءات المذكورة وحتى غير المذكورة في إطار متوالية خطابية أو كلامية تكاد ألا تقبل أي حد من الحدود أو أي منهًى من المناهي.. !!