بعد الزيارة المفاجئة للرئيس السادات الى اسرائيل سافرت مجموعة أولى من الصحفيين الاسرائيليين لزيارة مصر. وفي مركز الاهتمام كان االمراسلين للشؤون العربية’، اولئك الذين على مدى السنين توسطوا بين ما يجري في البلدان العربية وبين القارىء المستمع والمشاهد الاسرائيلي. وكان يفترض بهؤلاء المراسلين ان يعرفوا عن ظهر قلب كل زقاق في القاهرة وكل بائع خبز في ميدان التحرير« وهذا ما حصل: بعض من المراسلين للشؤون العربية ممن وصلوا معنا الى القاهرة أغلقوا على أنفسهم غرفهم في الفندق، وكادوا لا يخرجون منذ لحظة وصولهم الى العاصمة المصرية وحتى الاقلاع عائدين الى البلاد. فرضوا على أنفسهم اقامة جبرية طوعية. وبالكاد وافقوا على فتح الباب كي يستقبلوا أطباق الوجبات. أسمينا هذه الظاهرة في حينها اسما قابلا للاستيعاب اصدمة القاهرةب. في الاختبار العملي، شرحنا لانفسنا وللاخرين بانه اولئك الصحفيين رفضوا الوقوف امام مواضيع كتاباتهم على مدى السنين والتعرف على الواقع الجديد الذي انبسط امام ناظريهم ولم يتطابق دوما مع توصيفاتهم في وسائل الاعلام. ولماذا أخرجنا هذه القصة من جديد؟ لانه يكثر عدد الاشخاص في اسرائيل ممن تتحجر اراؤهم، ويضربون رؤوسهم في السماء وأرجلهم في الارض وليسوا مستعدين لان يعترفوا بالواقع المتغير امام ناظريهم. ولا فرق في هذا الموضوع بين يمين ويسار. هذا صحيح في السياسة، في الامن، في الاقتصاد، ويكاد يكون في كل مجال. هذه المرة سنتعاطى وموضوع هامشي ظاهرا: السر السياسي أو الامني. افصدمة القاهرةب تصيب أيضا صحفيين ذ مثلما في السياسة الحالية ذ ممن يتجاوزون الحاجز وينتقلون الى خدمة الدولة أو الخدمة العامة، مثل الكنيست والحكومة. ومع أننا لم نتبادل معهم كلمة، فاننا مقتنعون بان يئير لبيد، عوفر شيلح، شيلي يحيموفيتش، ميكي روزنتال ورفاقهم لا يزالون مجمدون وهم يسيرون في اروقة الحكم. فقد تبين لهم بان بالفعل االامور التي ترى من وسائل الاعلام، لا ترى من مكتب وزير الماليةب وبالعكس. كصحفيين قاتلوا، وعن حق، في سبيل حرية المعلومات، في سبيل الكشف عن الاسرار السياسية والشخصية. وكان السبق الصحفي بالنسبة لهم جوهر الحياة المهنية. وهكذا مثلا، يسأل الصحفيون بحزم شديد بعد كل قصور، ومن ناحيتهم عن حق: كيف لم نعرف، كيف لم نكتشف، كيف لم نتوقع؟ كي نعرف اكثر ما يكون عن كل شيء، فان الدولة التي تحترم القانون ملزمة بان تخرق القانون. عليها أن تبسط شبكة معلومات تتسلل الى حياة كل واحد وواحدة فتصور وتسجل وتكتب وتتنصت وتعترض البث وغيره. ومن أجل معرفة كل شيء، ولا سيما منذ عمليات 9/11، تخرق دول عديدة جدا في العالم كل قانون ونظام، وتتسلل الى الحرمة الشخصية. وعندها ايضا تسجل اخفاقات. ادوارد سنودن أفشى فقط قليلا من الوسائل الفنية وانتهاكات القانون في بلاده. ولم يكشف سوى طرف تسونامي المعلومات الذي يتدفق الى السلطات. وعمليا لا يوجد اليوم في العالم ما ومن تهمه دولة معينة، ولا تعرف تلك الدولة عنه كل شيء تقريبا. وقد تجمعت معلومات واسعة كالمحيط. يفعلون كل شيء، وبالفعل كل شيء، من أجل أن يعرفوا. ومن أجل عمل ذلك فانهم ينتهكون القانون. سياسيون، وبالتأكيد وزراء، وبلا شك وزراء كبار، يعرفون ذلك. وهم، الذين كتبوا ذات مرة ليناهضوا، ويطالبوا بالكشف، يعرفون جيدا كيف جمعت المادة ‘السرية للغاية’. وهم يطالبون الاخرين بالصمت، وهم أنفسهم يصمتون، وعن حق. وعندها ينهض أناس ‘حركة حرية المعلومات’ وآخرون ويطالبون بالمعرفة من السلطات ما يعرفونه ويسكتون (باستثناء مواضيع الامن. ودرءاً لسوء الفهم فان كرامة أناس احرية المعلوماتب في مكانها قائمة، وهم جديرون بالثناء على نشاطهم وعلى ادائهم ذ ولكن السلطات ايضا جديرة بالثناء على الجمع المثابر للمعلومات في صالح أمن مواطنيها. وعليه، بين هاتين النقطتين يمر بالفعل خط مباشر واحد، ولكنهما ذ على حد قول المثل الممجوج ذ لا تلتقيان. يديعوت 23/3/2014