التهديد الإثيوبي لامن مصر المائي

حجم الخط
2

مصر هبة النيل، عبارة قالها ‘هيرودتس’ منذ ألاف السنين، ولم يتغير واقعها حتى الآن، لأن النيل كان وما زال مصدر الحياة على أرض مصر، ونظرا لهذه الأهمية الاستراتيجية لمياه النيل بالنسبة لها، تقول مصر، إن على دول المنابع أن تتشاور معها في أي تقليل لحصتها من المياه أو أي ترتيبات تؤثر على حصتها الحالية أو المستقبلية، وقد كونت مصر هيئة دائمة لهذا الغرض للتنسيق بينها وبين السودان منذ عام 1959 واقترحت منذ عام 1983 انشاء تجمع لدول حوض النيل يدعو إلى الصداقة بين هذه الدول وبين ومصر والسودان.
وتشارك في هذا التجمع كل دول الحوض ما عدا إثيوبيا التي تعتبر أهم دولة في دول الحوض من حيث موقعها الاستراتيجي بكون النيل الأزرق الذي ينبع فيها هو أهم رافد من روافد النيل. وكما هو معروف فإن مثل هذه التجمعات غير مجدية ذلك أن أهدافها واضحة، كما أن مصر تريد أن تؤمن مصالحها المائية، لكن المصالح في مثل هذه الأمور لا تؤمن بالتجمعات بل بالمصالح الحقيقية والمؤثرات الدولية التي لها مصلحة في خلق المشاكل أو تسبيب أضرار مقصودة لبعض الدول، وبالتالي فلا يجدي أن تقول دولة ما أن لها اتفاقات مع دولة مثل إثيوبيا موقعة منذ عام 1902 وأن مثل هذه الاتفاقات محمية بقوة القانون الدولي ذلك أن القانون الدولي لا يقف دائما مناصرا لبعض الدول خاصة مع وجود تدخلات أجنبية من جانب دول لها نفوذ ومصالح عالمية تريد تأكيدها والمحافظة عليها ٍخاصة أن بعض الدول الكبرى تقيم مشروعات تخدم مصالحها مع بعض دول الحوض وتريد أن تحافظ عليها دون اهتمام بالأضرار التي يمكن أن تلحق ببعض الدول التي تقع على حوض النيل خاصة إذا كانت هذه المشاريع تهدف في بعض الأحيان إلى الضغط على بعض الدول، كما حدث في عام 1964 عندما قامت الولايات المتحدة باستصلاح بعض الأراضي الزراعية في إثيوبيا كورقة ضغط على الرئيس جمال عبد الناصر، كما عملت الولايات على تكوين مشروع لبناء ستة وعشرين سدا في إثيوبيا من أجل مواجهة مشروع السد العالي الذي بناه الرئيس جمال عبدالناصر. وهدفت الولايات المتحدة من كل ذلك إلى تخفيض حصة مصر من مياه النيل الأزرق، ولكن إثيوبيا لم تستطع أن تنفذ منذ ذلك الوقت سوى مشروع واحد هو مشروع سد ‘فينشا’ ولم يكن له تأثير على حصة مصر من المياه. ودخلت إثيوبيا في نزاع مع مصر عندما قامت مصر بمد ترعة مياه إلى صحراء سيناء بعد مد ترعة الاسماعيلية شرق النيل . ولا ترى مصر في هذه المشروعات اضرارا بمصالح دول الحوض بل ترى فيها استخداما أمثل لمياه النيل التي يروح جزء كبير منها في البحر الأبيض المتوسط ولا ينتفع منه أحد.
ومن الطرائف التاريخية أن النزاع بين مصر وإثيوبيا نزاع تاريخي قديم حيث يقال إن أباطرة إثيوبيا كانوا يعتقدون أن لديهم القدرة على تحويل مجرى النيل عن مصر
ويبدو أن مشكلة مياه النيل الحديثة تنبع من الوجود الإسرائيلي في هذه المنطقة، ويقال إن إسرائيل في زمن الرئيس ‘حسني مبارك’ تقدمت بعرض للحكومة المصرية تقول فيه إنها ستوقف أي تدخل مع دول حوض النيل بشرط أن توقف مصر مشاوراتها مع الولايات المتحدة من أجل إخلاء منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل والمقصود بها هو البرنامج النووي الإسرائيلي. ويقال إن هذا الأمر كان مطروحا على مائدة المفاوضات بين الرئيس ‘حسني مبارك’ ورئيس الوزراء الإسرائيلي ‘بنيامين نتنياهو’ خلال مفاوضاتهما في ‘شرم الشيخ’. وقد رفضت مصر هذا العرض وقالت إنها قادرة على تسوية خلافاتها مع دول حوض النيل دون الدخول مع إسرائيل في اتفاقات من هذا القبيل تهدد الأمن القومي المصري في المقام الأول. وقالت مصر إنها ستواصل ضغوطها من أجل جعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية، ولا شك أن الموقف المصري يتسم بكثير من الرصانة والفهم بكون المنطق يقول إن امتلاك إسرائيل للسلاح النووي هو تهديد للأمن القومي المصري في المقام الأول ذلك أن مصر هي أكبر دولة في المنطقة وهي المتوقع أن تساند أي موقف عربي يهدف إلى التصدي للأخطار الإسرائيلية وهي أخطار لن تتوقف عند احتلال أرض فلسطين بل تتجاوز ذلك إلى التحكم في مصادر النيل من أجل تنفيذ مشروعها الكبير في توطين يهود العالم في صحراء سيناء، وتعتقد إسرائيل أن واحدا في المئة من نصيب مصر في مياه النيل يمكن أن يحل مشكلاتها إلى الأبد.
ولاشك أن قرار إثيوبيا تحويل مجرى النيل الأزرق لإقامة سد النهضة قد أثار قلقا كبيرا في مصر، وقد عقد الرئيس ‘محمد مرسي’ اجتماعا بهذه المناسبة حضره وزير الخارجية ووزير الموارد المائية ومساعد الرئيس للشؤون الخارجية وهو اجتماع يأتي في إطار متابعة مصر للقضية التي أثارتها إثيوبيا، وقد قررت مصر أن تتعامل معها بكل جدية وحزم . ولكن الملاحظ هو أن مصر تركز جهودها في هذه المرحلة على الجوانب الدبلوماسية وهي ضرورية في كل الأجوال ولكن إذا نشأت أزمة بهذا الحجم في ما يتعلق بمياه النيل فإن الحل الدبلوماسي وحده لن يكون كافيا، لأن هناك عناصر خارجية تتدخل في هذه القضية ولا تريد لمصر أن تكون دولة قوية في المستقبل، وهنا لا بد أن يكون ثمة تعاون وثيق بين مصر والسودان، على الرغم من أن السودان لديه مصادر مائية منوعة ومنها مياه الأمطار لكنها وحدها لا تكفي وإذا حدث تهديد لمصر فسيكون أيضا تهديدا للسودان، وتلك حقيقة أدركها محمد علي باشا من قبل وهو الذي فتح السودان من أجل أن تأمين مصادر المياه لمصر، وقد أدرك كثير من السودانيين في مرحلة متقدمة أهمية وحدة وادي النيل، وعملت تيارات حزبية في داخل السودان لإقامة اتحاد بين مصر والسودان، وفشلت فكرة الاتحاد السياسي بين البلدين لأسباب كثيرة، ولكن انفصال الجنوب في الوقت الحاضر وظهور حركات انفصالية متعددة يجعل من المهم لسكان وسط السودان أن يعيدوا التفكير بجدية من أجل إقامة وحدة وادي النيل في أي صورة من الصور الممكنة، وذلك من أجل تحقيق مصالح البلدين، ويجب بالتالي أن تنتفي النزعات العنصرية التي لا تخدم المصالح السياسية والاجتماعية للبلدين في الوقت الحاضر، وبالطبع لا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بعد أن يتأكد الجميع من حقيقة وحدة وادي النيل، وهنا يجب أن نقول لا تكفي فقط إقامة الدليل على وحدة وادي النيل، بل يجب التأكد أيضا من أن أي تهديد لمصالح مصر والسودان في المستقبل لا يواجه بالتحرك الدبلوماسي بل بامتلاك وسائل الردع المناسبة التي تجعل دول المنابع تفكر ألف مرة قبل أن تقدم على خطوة تهدد الأمن المائي لكل من مصر والسودان.

‘ كاتب من السودان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول محمد على:

    لو كان كل من فى مصر والسودان يتعاملون ويتحدثون بنفس هذه النبرة الهادئة والهادفة لما تجرات أثيوبيا على عمل السد فإذا توحدت مصر والسودان فى المواقف فإنهما يستطيعان دحر اى عدو يهدد أمنهما

  2. يقول د0 عطوة محمد عطوة0 فلسطين:

    اقسم بالله وكانها مؤامرة المقصودمنا النيل من الجيش العربى المصرى
    كتبت من الصباح حى هذه الحظة اكثر من 10 تعليقات احذر فيها من اى صدام عسكرى للجيش المصرى مع الاخوة الافارقة فيكون مطلبا وهدف صهيونى بامتياز فقد جربوا جره اكثر من وقت لصدام داخلى وانا متاكد لو لا قدر الله واشتعل
    فتيل الازمةلهدم الصهاينة الاقصى وبنوا الهيكل بنفس اليوم والله اننى اول من حذر
    من تاليب الصهاينة لدول منبع النيل فى معرض ردى على ابو الغيط ومن على هذا
    المنير وعلى الجزيرة عندما اعلن ان انفاق غزة تشكل خطرا عل امن مصر القومى
    وكنت قرات على الصحف الصهيونية نشاطات الصهاينة مع دول افريقيا التى
    تحاهلها نظام مباركوتهديد لبرمان لسد اسوان ورغم ما تربط مصر بهم معاهدة سلام
    وزرعهم الجواسيس بمصر هذا مايهدد امن مصر القومى فاصهاينة لا يقربون
    اى بلد الا ودافعهم الامنى اولا ان الحل برائى ان تبعث مصر بعثات شبابية
    لتلتقى مع الشباب الافريقى يبينون خطورة التعامل مع الصهاينة ويكشفو
    مؤامراتهموكرههم للبشرية جمعاء فان تمويل مشاريع السدود الضخمة
    باثيوبيا واوغندا يعطى الصهاينة امتياز بيعنا ماؤنا وكهرباونا وكعادتهم يدفعون
    للحاكم 10 بالمئة ويكون على مقاسهم وتكون لجيبه الخاص والشعوب تموت
    فوق موتها وتجوع فوق جوعها فالصهاينة لو كان بهم خيرا لكسبت مصر
    واهلها من معاهدة السلام وسياسة الانفتاح التى وعد المواطن المصرى خيرا0
    لو كان بهم خير فيكون للغرب وخدماته ودعمه لهم فكل ازمتهم الاقتصادية هم سببها
    وفوق ذلك يدفعونهم لحروب افغانستان والعراق والان ايران لتكون القضية
    للامريكان والى الابد 0 فى هذا السبيل وليس الصدام وفوتوا الفرصة على
    الصهاينة فى تامرهم على العالم كله

إشترك في قائمتنا البريدية