التهمة: شيعية

حجم الخط
20

يحدث اني، لحسن حظي طبعاً، أجمع معظم الصفات المشبوهة في أيامنا هذه: لبنانية، شيعية المذهب، وكما يدل اسم العائلة (والكلام هنا موجه لخبراء الجغرافيا الطائفية في لبنان) من جنوب لبنان، وتحديدا من قرية خربة سلم. أضف إلى ذلك، توجد في بيتنا صورة لامين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله.
مكنت هذه الصفات خلال الأعوام القليلة الماضية الكثير من الناس من إطلاق الأحكام المسبقة على قراءتي الشخصية للأحداث السياسية والأمنية، حرمتني فرصة التعبير عن قيمي الإنسانية ومبادئي الشخصية وآرائي مما يجري.
أصبحت صفاتي الشخصية تشكل عند البعض خارطة طريق ملغومة بالاتهامات، اتهامات تفرض نفسها عليّ وتقيدني قبل أن تتحول إلى اسئلة لا أعرف جوابا لها.
كيف لي أن أدخل حواراً بفكري ومنطقي مجردة من أي شيء؟ كيف لي أن أفعل ذلك وكل ما أدعيه باطل، طالما أني متورطة بكل الصفات المذكورة في الأعلى؟
أشهد كل يوم كيف تتغير صورتي أمام المحيط الذي أعيش فيه بفعل تطورات الأحداث في سورية ولبنان، ذلك أن المذهب الديني أصبح، لدى الكثير، عبارة عن تعصب سياسي وهوية مغلقة مجردة من أي قيمة أخلاقية أو إنسانية.
حب الإمام الحسين أصبح تهمة، طريقة الصلاة، التي يختلف اداؤها اختلافاً بسيطاً عن أهل السنة، أصبحت تحدد الموقف السياسي من الرئيس السوري بشار الأسد، التشديد على أن إسرائيل هي العدو الأكبر للمسلمين والعرب لم يعد مقبولاً، ما لم تسبقه اتهامات أكبر للمقاومة اللبنانية والداعمين لها.
اكتب عن ثورة البحرين، كما كتبت من قبلها عن ثورات سورية ومصر واليمن، فيقال اني انحاز إلى حقوق الشيعة ”غير المشروعة” بفعل أني انتمي إلى المذهب نفسه. اتحدث عن دعمي لثورة سورية عندما كانت تنبض بنفس احتجاجات الشارع لا قذائف الإرهاب، فلا أجد كلامي مقبولاً أو مرحباً به. أدافع عن حبي للمقاومة اللبنانية التي هزمت عدو العرب الأكبر في 2006، فأرى الوجوه من حولي وقد تحولت ملامحها إلى رصاص صامت، يصيبني ثم يتركني أمضي بسلام حاملة معي خيبات أمل وكثيراً من كلام أوفره لحوار أفضل.
أفكر كم أصبح هذا الأمر البسيط صعباً: أريد أن أكون قادرة على محاورة من اختلف معهم في الرأي، من دون أن أكون متلبسة بأحكام مسبقة، ومن دون توظيف مكان سكني والبيئة التي نشأت فيها ومعتقداتي الدينية في الحوار. أريد حواراً مبنيا على المنطق والدلائل والمعطيات، موقفا إنسانيا ينصر الإنسان فينا، موقفا يبنى بالاستناد إلى دروس التاريخ التي تكرر نفسها فيما نحن نتبادل الاتهامات ونقتل بعضنا بعضا.
أصبحت هذه الرغبة شبه مستحيلة، فبفعل الصراع الطائفي والمذهبي الذي يتغذى من الأزمات السياسية والتحريض الإعلامي، يتم زج الشيعة والسنة في الصراع السياسي بصورة نمطية، مع العلم أن’كثيراً منهم لا يدعمون النظام ولا المعارضة والجماعات المسلحة، لا بل يتلقون الشتائم على شاشات التلفزيون من قبل شيوخ ورجال دين يفترض أن تكون مهامهم تقريب البعد المذهبي وتحقيق الوحدة بين المسلمين، الذين فاق عدد من مات منهم على أيدي مسلمين عدد من قتل بأيدي إسرائيل.
هذا الخوف من المد الشيعي ليس ظاهرة جديدة، فقد تطور مع اندلاع الثورة الإسلامية في إيران عام 1979، ومن ثم الانفجار الطائفي الدموي في العراق، بعد الغزو الأمريكي عام 2003 حتى انفجر انفجارا مدويا مع أحداث الربيع العربي.
ومع اندلاع الثورات العربية، التي كان من المفترض أن تكون أول اهدافها محاربة الفتن الطائفية والمذهبية التي يزرعها الغرب في حقول وسائل الإعلام العربية، احتدم الصراع الشيعي – السني وانتشرت لغة الكراهية في شبكات التواصل الاجتماعي وفي المساجد والمحاضرات والتقارير الإخبارية الملغومة بلغة طائفية بشعة، وتسجيلات مصورة على الإنترنت تظهر فيها مشاهد دامية تمس مشاعر الشيعة والسنة، وإن كان يفترض أن نقول انها تمس الإنسان بغض النظر عن مذهبه، كقيام مقاتلين بنبش قبور احد رموز الشيعة بالقرب من دمشق وتمزيق قلب جندي من القوات النظامية، ومذابح لا حصر لها يُقتل فيها مدنيون أبرياء من المذهب السني.
لا شك أن الاحداث في سورية اججت الانقسام المذهبي بين السنة والشيعة، لكن الاستثمار السياسي والاعلامي كانت له الحصة الأكبر في تغذية هذا الصراع، فالاعلام يحمّل ابسط حدث طابعا مذهبيا، في حين أن الصراع هو صراع سياسي وليس صراعا على من كان يستحق تولي الخلافة الإسلامية.
من المؤسف اننا سمحنا للإرهابيين بأن يركبوا هذه الموجة ويشحنوا أبناء المسلمين بهذا الحقد المذهبي، فإن أبرز ما يمكن أن يثمره الربيع العربي هو فرصة تاريخية للمصالحة مع الذات ومع الغير، عبر خلق فضاء من الحرية’يسع الجميع، بما في ذلك توحيد السنة والشيعة من دون خوف من الاضطهاد، أو تنازل عن الخصوصية الفكرية والفقهية.
إعلامية وصحافية لبنانية

Twitter: @RimaCherri

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الامام العزوزي:

    يا جبل مايهزك ريح مثال للفخر .كل ما تتهمين به ليس هناك ميمكن ان يفتخر به اكثر منه .

    1. يقول Alshammari:

      100% كلام دقيق

  2. يقول فيصل أبو عارف - أميركا:

    لماذا لا تقولي انني مسلمة احب الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام وأهل بيته وكيف يكون حب الحسين وهو سيد شباب أهل الجنة تهمة وعند من؟. هزيمة العدو بيد المقاومة هو فخر للعرب والمسلمين
    يجب ان تكوني منصفة وانت تتناولين أي موضوع يتعلق بالحرية والعدل في أي قطر من الأقطار وان يكون قتل مسلم بريء كقتل الناس جميعا عندك.

    الاختلاف اليوم بين المسلمين هو. سياسي بقناع ديني ولو طلب من الذين يقتلون الناس اليوم باسم المذهب أعط دليلا من مذهبك على صحة ما تفعل لعجز عن ذلك.

    إذا قلت لا اله إلا الله محمد رسول الله فاعبدي الله على اي مذهب أردت وصلي متوجهة إلى الكعبة مسبلة اليدين أو عاقدتهما فلا يمكن ان تلبسك أي تهمة لأنك تحبين أهل البيت.

  3. يقول aziz:

    أحب نصر الله حين يوجه رصاصه لاسرئيل
    أكره نصر الله حين يوجه رصاصه للسوريين

  4. يقول محمد الخالد:

    هذا مانريده “حواراً مبنيا على المنطق والدلائل والمعطيات”.
    في “النصر الالهي 2006″ وافق حزب الله على القرار 1701 الذي يمنع وجوده العسكري (أو المقاوم) جنوب نهر الليطاني وهذا تراجع عما كان عليه قبل “النصر الالهي”, ولم يقاوم بعدها.
    حزب الله نسي أو تناسى أن المقاومة واجب والمعروف عند العرب أنه لاشكر على واجب والمقاومة لاتعطيه شيك أبيض ليفعل مايشاء لكن الحزب يمن علينا “بمقاومته” بل يطلب منا ثمن وهو أن نسلم سوريا والمشرق العربي لايران وهذا غير مقبول.
    ماذا تقول الكاتبة الكريمة للشعب السوري الذي وقف مع الحزب في 2006 وحضن 700 ألف لبناني معظمهم من الجنوب والآن جاء حزب الله ليقتلهم “تحت ذريعة المقاومة” للحفاظ على نظام لم يطلق طلقة واحدة على اسرائيل طيلة 40 سنة ولايريده الشعب ؟
    أليس من حق الشعب السوري أن يقاتل حزب الله الذي دخل سوريا لينفذ كلام مهدي طائب المقرب من خامنئي والذي قال ان سوريا هي المحافظة الايرانية رقم 35 ؟
    كم اسرائيلي قتل حزب الله في “مقاومته” في سوريا؟

  5. يقول أم وليد -المغرب:

    كلام جميل و راقي من انسانة أكثر جمال و رقي…أنا يا سيدتي الكريمة سنية المذهب ( بالرغم من أنني أرفض هذه التصنيفات التي دمرت و شتتت أمتنا) أقول بأنني بمجرد أن لي مواقف مناصرة للمقاومة الباسلة و الشريفة فانني اتهم بأنني شيعية و كأن المذهب الشيعي أصبح جريمة أبشع من الصهيونية التي أصبحت مقبولة لدى جزءكبير من المسلمين, و حبذا لو كان الأمر يتعلق فقط بالتكفيريين بل تجاوزهم لعموم الخلق و المفكرين والاعلاميين و غيرهم و حتى من يسمون بعلماء الدين ….!!!!! أمر مخجل…

  6. يقول Abdulkader:

    كنا بسورية من قبل مع حزب الله في حربه ضد العدو الصهيوني , ولكن اليوم بعد أن تحول الى ميليشيات طائفية تقتل الشعب الذي استقبلها ودعمها فلايمكن الا ان نعتبره من اعدائنا , واستغرب منك أن تبقي على موقفك من حزب الله مع انك ضد الارهاب بسورية الذي يشكل الجزء الغالب منه ارهاب حزب الله والعصابات الطائفية الشيعية بالاضافة الى ارهاب النظام السوري

  7. يقول ahmad Alramthawi- Jordan:

    انا مسلم واكره لغة المذهبية , اكره ان اقول انا سني لاني مسلم اولا واخرا — سيدتي صح لسانك — انت مسلمة طالما تقولين لا اله الا الله — دعك من تفاهات اولئك الذين يقتاتون على لغة المذهبية — انت رائعة الفكر والكلمات البريئة والجريئة — حفظك الله ورعاك

  8. يقول عماد المغواري:

    اﻻستاذه ريما شري
    سﻻم من الله عليك ورحمته وبركاته
    ﻻول مره اقراء لكاتب اوكاتبه من المذهب الشيعي بهذا اﻻسلوب الراقي والذي اتي بدون تجريم او تجريم او اسفاف وسب وشتم في الغير الذي هو السني يدل علي عمق تجربتك واحترمك لقلمك ولقرئك الكرام من المذهبين . وفقك ربي وهدانا واياكم لما يحبه ويرضي انه نعم المولي ونعم النصير وصلي الله عليك وسلم ي سيدي ي رسول الله

  9. يقول احمد الربيعي-العراق:

    نسأل الله العلي القدير ان يمن بلطفه على أمة الاسلام بقادة يدعون الى الوحدة ونبذ الانقسام ورص صفوف المسلمين جميعا لمواجهة اخطر مرحلة يمر بها إنسانناالعربي المسلم . دعوة صادقة لمقاطعة كل رجال السياسة والدين الذين يغذون الانقسام ومن كل الطوائف وتدعوا الاعلام الحر الشريف ان يتصدر قيادة دعوة التوحيد هذه وليعلموا ان اجر هذا العمل عظيم عند الله

  10. يقول مقتنع:

    يا أختاه ، اعتنقي أي مذهب تريدين ، وهذا من حقك والذي يجب أن لا يناقش

    أبدا. لكن أن تكون مسألة الشيعة ، مسألة ” هلال شيعي ” ، يتذرع بإسرائيل لتقتيل

    شعب سوريا الذي اختار أن يناضل من اجل كرامته ، بتكلفة 100 شهيد يوميا

    وطيلة 3 سنين ، فتلك معضلة . أتظنين أن بشار يدافع عن الشيعة أو عن العلويين

    حتى ؟. ولو كلف ذلك كمن من مليون نازح ومهجر ، ومن مأت ألآف الشهداء ؟.

    بشار يدافع عن الإستبداد والفسادوالإستعباد ، وذلك ما جعل أغلب العرب تتخلى

    عن حسن نصرالله ، وأكذوبة المقاومة والممانعة .

    المقاومة والممانعة هو أن يوجّه حزب الله رصاصته نحو إسرائيل ، لا نحو

    التكفيريين أن نحو القصير ويبرود . المقاومة والممانعة هي ان لا يحاول الشيعة

    تسمية ثروة كرامة الشعب السوري ، ثورة إرهابيين . وبعد ذلك ، فليكن شيعي

    من أراد . وليكن سني من أراد . واليكن علماني من أراد . المهم هي الكرامة ،

    والحرية والدمقراطية والتداول على كرسي الحكم ،واقتسام الثروة الوطنية على

    المواطنين ، وليس احتكارها من طرف عصابة بدعوى الممانعة والمقاومة

    والمشايعة …

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية