مع اقتراب موعد الانتخابات الإسرائيلية المبكرة في 17 ايلول/سبتمبر الجاري، تصاعدت حدة التوترات التي دفعت باتجاهها حكومة بنيامين نتنياهو في محاولة لتقديم نفسها كحكومة حرب للناخب الإسرائيلي، وتسويق نفسها على إنها الحكومة الأمثل في الجو المتوتر الذي يسود الشرق الأوسط، الكثير من الأزمات بدا مفتعلا أو مدفوعا باعتداءات إسرائيلية، لكنها وكحال المناوشات السابقة، تسوق للرأي العام الإسرائيلي على إنها خطط دفاعية استباقية لتقليم أظافر أعداء إسرائيل ومنعهم من تشكيل أي خطر مستقبلي عليها.
الأزمة الحكومية
كان ظهور الجنرال السابق، قائد الجيش الذي يحظى بشعبية، بيني غانتس، في المشهد السياسي بالتزامن مع حملة التشهير بفساد بنيامين نتنياهو في انتخابات نيسان/ابريل الماضي مؤشرا قويا على احتمالية خسارة نتنياهو للولاية الخامسة في رئاسة الحكومة، لكن الليكود فاز في الانتخابات وفشل نتنياهو في تشكيل ائتلاف حاكم ينال أغلبية في الكنيست، ونتيجة ضغوط البرلمان وكثرة فضائح الفساد التي تطارد حكومة نتنياهو، لجأ رئيس الحكومة للتخلص من الأزمة إلى القفز نحو الأمام بالدعوة لانتخابات مبكرة في 17 ايلول/سبتمبر، وهو يأمل أن يحشد قوى اليمين واليمين المتطرف من الأحزاب الدينية للالتفاف حول حزبه الليكود ليحقق أغلبية مريحة في البرلمان تمكنه من تمرير سياسات الحزب اليمينية الساعية لتصعيد الأزمات المحلية مع الحكومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومع دول الجوار، غير آبه بالدول التي لها علاقات دبلوماسية قائمة على أسس معاهدات السلام مثل الأردن ومصر أو مع الدول التي تتسم علاقاتها بالتوتر والشد على مدى تاريخ الصراع العربي الصهيوني مثل سوريا ولبنان.
هدايا ترامب
اعتمد نتنياهو في سباقه الانتخابي السابق على ما حققه على الأرض في إطار السياسة الخارجية التي لعب فيها دعم إدارة ترامب دورا كبيرا، فقد قدمت لإدارة نتنياهو هدايا لا تقدر بثمن مثل نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، تلك الخطوة التي اعتبرت الأهم في تاريخ العلاقات الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وإسرائيل منذ حرب اكتوبر 1973. بالإضافة إلى دعوة ترامب الواضحة لحكومة الليكود لضم مرتفعات الجولان باعتبارها أراض إسرائيلية بالرغم من أن القانون الدولي يصر على أنها أرض سورية محتلة. وزاد نتنياهو من ضغوطه الانتخابية خطوة غير مسبوقة اعتمادا على سياسة يمينية شعبوية تتشبه بسياسة ترامب عندما أعلن عن نيته ضم مستوطنات الضفة الغربية، وإعلان سيادة إسرائيل على غور الأردن وشمال البحر الميت.
لم تجابه الخطوات الإسرائيلية التصعيدية السابقة بأي رد فعل من دول المنطقة وبالذات مما يعرف بالرباعية العربية وهي (السعودية والإمارات والبحرين ومصر) بل نجدهم قد غضوا أبصارهم عما تفعله إسرائيل خشية ان يقدموا على إصدار بيان احتجاج ضد هدايا ترامب التي تلقفها نتنياهو وسعى لاستغلالها أحسن استغلال انتخابيا، في حين كانت الرباعية العربية تصور الأمر على أن التهديد الحقيقي قادم من إيران، وأن وقوفهم الداعم والمرحب بالتقارب مع إسرائيل غايته تشكيل حلف شرق أوسطي للوقوف بوجه التهديدات الإيرانية في المنطقة، حتى جاءت تصريحات نتنياهو يوم 10 أيلول/سبتمبر الجاري ووعوده للناخب الإسرائيلي بأنه إذا ما فاز بأغلبية مريحة في البرلمان المقبل فانه سيعلن ضم غور الأردن وشمال البحر الميت، وهنا ابتدأنا نسمع أصوات احتجاجات خجولة من السعودية وحلفائها عبر الدعوة لعقد جلسة لوزراء خارجية دول المؤتمر الإسلامي، تلك المنظمة التي تعاني موتا سريريا منذ عقود، والنتيجة المتوقعة لن تكون أكثر من بيان استنكار لا يساوي حتى ثمن الحبر الذي كتب به.
قبيل الانتخابات
في الأسابيع القليلة الماضية شهدت المنطقة تصعيدا محموما من الجانب الإسرائيلي على عدة مناطق وصفتها بانها تضم جهات حليفة لإيران، التي باتت تمثل العدو الأول لإسرائيل، إذ نفذت طائرات مسيرة ضربات على معسكرات الحشد الشعبي في العراق، لم يتم الإعلان رسميا في إسرائيل عن تبنيها، غير ان تسريبات عديدة ربطت بين هذه الضربات وبين النشاط الإسرائيلي في المنطقة، تبعتها ضربات بصواريخ على ما سمته إسرائيل قواعد إيرانية في ريف دمشق، ادعت انها تضم قواعد لإطلاق طائرات مسيرة كانت إيران تنوي استعمالها في تنفيذ ضربات في الداخل الإسرائيلي، وأخيرا جاء التصعيد الأبرز عبر إطلاق طائرتين مسيرتين على مراكز تابعة لحزب الله اللبناني في الضاحية الجنوبية في بيروت، وكانت الطائرتان محملتان بالمتفجرات، وقد سقطت احداهما نتيجة عطل فني بينما فجرت الثانية مركزا إعلاميا تابعا لحزب الله. أثارت العملية غضبا شعبيا ورسميا في لبنان، ما دفع بحزب الله إلى شن هجوم بصواريخ كورنيت الحرارية على آلية عسكرية أدى إلى تدميرها شمال إسرائيل داخل الحدود الدولية، أي لم يتم الرد في مزارع شبعا كما كان متعبا في العمليات السابقة، وقد أشارت المصادر اللبنانية إلى وقوع قتلى وجرحى في الجانب الإسرائيلي الذي نفى بدوره وقوع خسائر مدعيا ان المنطقة كانت قد أخليت قبل الضربة، ولكنه رد بقصف مواقع حدودية لبنانية، وتوقف التصعيد المتبادل لكن الوضع ما زال قابلا للتفجر في أي لحظة.
بينما شهدت تلفزيونات العالم هروب بنيامين نتنياهو من مؤتمر دعائي انتخابي قبل أيام وهو محاط بعدد من أفراد حمايته نتيجة إشعار باحتمالية استهداف مدينة اسدود برشقة صواريخ منطلقة من قطاع غزة، ردا على القصف والتدمير الممنهج الذي يتعرض له القطاع منذ أشهر، كل ذلك التصعيد يدفع الناخب الإسرائيلي لاختيار قوائم اليمين المتشدد، إذ أن اللعبة الانتخابية الإسرائيلية وطوال عشرات السنين تقوم أولا على عامل الأمن، والتهديد العسكري، وتوفير التفوق، وإشعار المواطن بأن من اختاره في الحكومة سيقود حربا ناجحة إذا اشتعلت في أي لحظة، وتأتي بعد ذلك أولويات الاقتصاد والتنمية وتوفير الخدمات. وقد كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، قبل أيام عن أن هجمات إسرائيل المتزامنة على سوريا والعراق ولبنان وغزة تعكس استراتيجية نتنياهو الذي يقدم نفسه على أنه حامي إسرائيل من أعدائها للحصول على تأييد الناخبين بالرغم من ملفات الفساد التي تطارده في الجانب الاقتصادي.
إذا، هل ستنفع كل الخطوات التصعيدية التي لعبها نتنياهو كأوراق ضغط في حملته الانتخابية؟ وهل ستنفع وعوده الأخيرة بضم الضفة الغربية التي أثارت موجة استياء ورفض حتى ممن كانوا يعتبرون قريبين من إسرائيل في صراعها ضد إيران؟ تجيب على هذه الأسئلة صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية التي عدت وعود نتنياهو الانتخابية بمثابة احتقار لناخبيه، إذ انتقدته بشكل حاد وقالت إنه يعبر وبشكل هستيري عن فقدان أمله في البقاء في منصبه، وشككت في نوايا نتنياهو وتساءلت لماذا لم يضم الضفة الغربية رغم رئاسته للوزراء منذ ما يزيد عن عشر سنوات بالرغم من لا مبالاة جزء كبير من المجتمع الدولي ورغم تساهل البيت الأبيض معه منذ وصول الرئيس ترامب إلى السلطة؟
من ناحية أخرى يقرأ البعض تغيرا في موقف الرئيس ترامب من الصراع مع إيران والتوجه نحو تطبيع العلاقة ومحاولة إيجاد حلول للأزمة، وقد اعتمد بعض المحللين ممن تبنوا هذا الرأي على إقالة ترامب لأحد أهم صقور التصعيد ضد إيران، مستشار الأمن القومي جون بولتون، وعدوا ذلك إشارة سيتلقفها الإيرانيون ليقدموا خطوة إيجابية تجاه التقارب مع إدارة ترامب، وبالتالي سيكون الإسرائيليون الخاسر الأكبر من ذلك، ولكن مع تصاعد حمى الانتخابات التي لم يتبق عليها سوى أيام، حاول نتنياهو التقليل من أثر إقالة جون بولتون على تغيير سياسة واشنطن المتشددة تجاه إيران وقال إن “واشنطن لا تزال تتخذ موقفا متشددا إزاء إيران”. في محاولة لطمأنة ناخبيه، فهل سينجح في ذلك؟