ماذا سيكون عليه الوضــــع في أمريكا لو انفصلت ولاياتها الخمسين عن بعضها البعض، وتكونت دول مستقلة بذاتها منفصــــلة عن الأخريات كما هو الحال في وطننا العربي واستقلال كل قطر منه عن باقي الأقطار الأخرى؟ فالولايات الأمريكية تتمتع بثروات مادية معدنية وزراعية كبيرة تؤهلها للمضي في هذا الطريق لو تسنى لها تحقيق ذلك السراب الذي نتساءل به. لكن مصالحها تتوجب أن تزوغ عن ما يقصده الآخرون من غايات في شتى بقاع العالم من الاستقلال والانفصال كما يخيل إلينا، لكنما هي الغايات الأمريكية من تصير سبل الحق لدى أصحابها مستوحشة حين التنظير بحالها السيادي الذي لا يشوبه ما يشوب غيرها بل هي محض رغبات معدة لها سلفاً تمنح وتمنع من خلالها، فصديق الأمــــس عدو لها اليوم حين تتطلب تلك الغايات تغيير ما انتهجت معه في السابق، وعدو الأمس كالقــــاعدة أضحى صديق حميم ولا ضير في ذلك طالما تلبي لها على حين غرة نهج خفي تم معادلته باتجاه ذات الهدف وعلى قاعدة (عدو عدوي صــــديقي) وتجلى ذلك في النهج الجديد للسياسة الأمريكية في المنطقة العربية متمثلاً في العضد الامريكي للقوى القاعدية السلفية لهدم الدائرة العربية بمحيطها وقطرها. وأبان حربها على العراق لو أرادت أمريكا الإمساك بنجلي صَدامْ (عدي وقصي) حيين لفعلت ذلك من دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة. وليس صحيحا ما يُشاعُ من تفانيهما في المقاومة وإيثارهما الموت على الاستسلام للقوات الأمريكية، بل أمريكا آثرت أن تحول مسرح الحدث السياسي إلى مسرح للجريمة والمواجهة الدموية. فهي بإمكانها استخدام الأسلوب الروسي في إنهاء المواجهات الحرجة مع اعدائها التقليديين باستخدام قنابل الغاز المغشية كما فعل الكوماندوس الروسي مع المقاتلين الشيشانيين حين احتجزوا أطفالا روس في مدرستهم كرهائن من أجل الضغط على الحكومة الروسية للانسحاب من الشيشان.. أمريكا أرادت الإجهاز عليهما لغاية في نفسها، كما فعلت ذلك مع القذافي فيما بعد. لعل غايتها في ذلك التستر على ما قد يشاع من أسرار تضر بمقامها. لكنها في مثال آخر سبق ذلك أمسكت بالرئيس البنمي بعد مقاومة بسيطة منه للكوماندوس الأمريكي الذي أنزل لمحاصرة قصره في بنما لغاية في نفسها علها كانت لإذلاله، وتعريف الآخرين بمصير من يعارضها في أمريكا اللاتينية أو من تسول له نفسه التمرد على رغباتها، إذ نشأت في الماضي أحداث مماثلة من هذا الطراز لها علاقة بهذا الشأن أبان عهد الرئيس الأمريكي (فرانكلين روزفلت) عندما طلب من كولومبيا وضع البرزخ الفاصل بين القارتين الأمريكيتين تحت سيطرة قوات الأمن الساحلي الأمريكي وبنما هي من تشغل ذلك اليابس الفاصل بين القارتين وتقع آنذاك ضمن حدود الأراضي الكولومبية، لكن عندما رفضت كولومبيا ذلك شنت أمريكا الحرب عليها وفصلت بنما عنها. وعليه فتوسم البعض العربي الكبير للتغيير الجوهري في بلده عن طريق الاستنجاد بالآخرين من الغرباء، أمريكان أصحاب المكننة الهدامة، أو أتراكٍ تاركي الدين أساء للغاية إلى الإرادة الحرة النقية للشعوب وفسح المجال لتجرؤ الغير من المساس بها بداع قصرها وتمرير الفضول المنفعي له من خلال ذلك. استمرار هذا المشهد المذل مؤلم جداً، ويستدعي التوقف لترقيع الصواب الممزق وتمزيق الخطأ المرقع. إذ لا يوجد في جوارحنا فقه محدد لتداعيات ذلك من انتهاك سرمدي للغزاة والمتربصين ببلداننا، وعليه توجب الانطلاق من رؤية بينة مثمرة إلى القضايا المصيرية والمشكلات الأزلية. وإلا مصير عسير ومأساة عظمى! ألا يكفي ما بنا من المآسي ولا من يحرك ساكنا! هنالك من لا يريد لنا أن تستقر حياة تذكر أو تدور بنا دورة طبيعية متكاملة للإنسان فتحتم علينا أن نجد له خاتمة لتطفله حتى حين عدم استنجادنا به كمنقذ لمأساتنا. وعدم التنكيل بسيادة الوطن وإثارة أمور تدبر بليل حرصاً لا خوفاً من الجاثـمين بسلبياتهم على صدورنا. ما يجري عندنا أمر خاص بنا لا مع دول أو مع حكومات أخرى. يجب أن يرتكز الذهن الجماهيري على أساس شرعي وطني واع ومعبر عن جدوى التعامل المحلي مع الأحداث التي تعصف بنا. وتحمل المسؤولية الوطنية بأنفسنا ونعول على هبات ذلك دون أن نتوسل بالجلاد. مهند رشك حوشي – العراق