تونس-“القدس العربي”: يصوت التونسيون اليوم، في الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، لاختيار ساكن قرطاج من بين رئيس حزب قلب تونس ومدير قناة “نسمة” التلفزيونية نبيل القروي وأستاذ القانون الدستوري في الجامعة التونسية قيس سعيد الذي حصل على المرتبة الأولى في الدور الأول فيما حصل القروي على المركز الثاني وهو ما أهلهما لخوض غمار الدور الثاني من الانتخابات الرئاسية باعتبار أيضا عدم حصول أي منهما على أغلبية مريحة تؤهله لحسم الأمور منذ الدور الأول.
وقد أطلق سراح نبيل القروي يوم الأربعاء بعد أن كان موقوفا بشبهة تبييض الأموال واعتبر البعض أن عملية إيقافه كيدية لحرمانه من الفوز في الانتخابات بعد أن وضعته استطلاعات الرأي في الصدارة في وقت سابق. وثار جدل قانوني وسياسي في البلاد بسبب هذا الإيقاف الذي ارتكز على مجرد الظن والاشتباه من دون أن يوجه قاضي التحقيق أي تهمة له.
تكافؤ الفرص
وشهدت البلاد أيضا جدلا حول مدى مشروعية هذه الانتخابات في ظل عدم تكافؤ الفرص في الظهور الإعلامي بين المترشحين باعتبار وأن نبيل القروي لم يظهر في المناظرات التلفزيونية ولا هو تنقل والتقى بالجماهير سواء في الدور الأول أو في الثاني. ولعل هذا ما دفع بالمرشح قيس سعيد إلى الإعلان أنه لن يظهر في وسائل الإعلام باعتبار أن منافسه لا يظهر في حركة لاقت الاستحسان سواء من أنصار قيس سعيد أو من الفريق الآخر.
يشار إلى أن المراقبين الدوليين تحدثوا في تقاريرهم الأولية المتعلقة بالانتخابات التشريعية عن حصول خروقات طفيفة لا ترقى إلى مستوى التشكيك في نزاهة الانتخابات لكنهم أصروا على أن مبدأ تكافؤ الفرص غير متوفر وهو ما يجعل هذه الانتخابات غير مطابقة للمعايير الدولية للانتخابات الحرة والنزيهة. فالقروي ليس فقط مرشحا للدور الثاني للانتخابات الرئاسية بل لديه حزب شارك في الانتخابات التشريعية وحل ثانيا وأكد البعض على أن وجود رئيس الحزب وراء القضبان أثر سلبا على نتائج حزب قلب تونس الذي رشحته استطلاعات الرأي قبل الانتخابات ليكون الحائز على أكبر نسبة من المقاعد.
مناخ متعفن
ويجمع أغلب التونسيين على أن المناخ الذي تجري فيه الانتخابات الرئاسية والتشريعية غير سليم ومتعفن منذ أن عمد البعض إلى سن قانون لإقصاء مترشحين قبيل فترة قليلة من موعد الانتخابات ورفض الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي توقيع هذا القانون رقم مصادقة المجلس عليه رافضا إقصاء أي طرف كان من حقه الدستوري. فانتقل القوم إلى تحريك الملفات القضائية أسوة بما كان يحصل في العهود السابقة لعلهم ينجحون في الوصول إلى قصر قرطاج بإقصاء خصومهم لكنهم أخفقوا منذ الدور الأول للاستحقاق الرئاسي.
وما زال هذا المناخ المتعفن يلقي بظلاله على الساحة السياسية حيث يبدو أن الطرف الذي سيشكل الحكومة المقبلة سيجد صعوبة بالغة في إيجاد التحالفات اللازمة القادرة على الصمود لمدة زمنية معتبرة من الاستقرار السياسي. ويبدو أنه لا مفر من ائتلاف يضم الحزبين الفائزين بالمرتبتين الأولى والثانية أي حركة النهضة وحزب قلب تونس لضمان الاستقرار رغم صعوبة الأمر بسبب النفور المعلن من الطرفين تجاه بعضهما البعض.
صفقات وتحالفات
ويتحدث البعض عن إمكانية عقد صفقات من بينها قبول حزب قلب تونس التحالف مع النهضة في عملية تشكيل الحكومة مقابل دعم الحركة لرئيس قلب تونس نبيل القروي في الانتخابات الرئاسية في شبه استنساخ لتجربة الحكم التوافقي بين حزبي حركة النهضة وحزب نداء تونس بعد انتخابات 2014. لكن في كل الأحوال نبيل القروي ليس الباجي قايد السبسي وحزب قلب تونس الذي لديه ما يزيد عن الأربعين مقعدا ليس النداء الذي فاز بـ86 مقعدا في 2014 ولا حركة النهضة اليوم هي بالحجم الانتخابي الذي كان لها في ذلك الوقت.
فحتى تحالف النهضة مع الحزب الذي يليها أي قلب تونس لن يحل المشكلة باعتبار الحاجة إلى 109 من المقاعد لتشكيل الحكومة أي إلى حزب آخر أو حزبين لن يكون من السهل إيجادهما. فمن سيقبل بالتحالف مع النهضة مثل تحالف الكرامة أو التيار الديمقراطي سيرفض وجود حزب قلب تونس، وبالمقابل فإن الأحزاب القريبة من قلب تونس مثل الحزب الدستوري الحر لن تقبل بالتحالف مع حركة النهضة وتحملها مسؤولية الوضع الاقتصادي والاجتماعي المزري الذي وصلت إليه البلاد.
وفي كل الأحوال حتى لو نجح الحزبان الكبيران في تكوين ائتلاف مع أحزاب أخرى سيكون هذا الائتلاف هشا وضعيفا ولن يصمد أمام الخضات التي تشهدها الحياة السياسية التونسية، كما لن يكون في مقدوره تمرير مشاريع القوانين التي تحتاجها الحكومة لحسن سير عملها وستشهد تونس تعطلا في دواليب الدولة نتيجة لذلك، فهل يكون من الأفضل لو تعاد الانتخابات؟ يتساءل البعض.