السقوط في مزايدات قومجية، سمة تيار انحسر في العقدين الماضيين، وانكشفت مفاعيله بمواقف نُخبه وأحزابه مع اندلاع الثورات العربية قبل أكثر من عقدٍ، محاولة خروج التيار القومي العربي من بئر السقوط بسلالم متهالكة، بتوظيف شعارات عن الإنسان العربي وارتباطه القومي، ورفضه للتطبيع مع الاحتلال ورفض الهيمنة الغربية واستنهاض العرب وتوحيد طاقتهم، كما جاء في أعمال المؤتمر القومي الأخير في بيروت، ثم انتقال قيادته بعد أعمال المؤتمر لزيارة بشار الأسد، لتطعيم هذه الشعارات بصبغة خاصة لا يعثر عليها المؤتمرون للقومية العربية إلا في بلاط الأسد الصغير، ردد الجميع ضرورات إنقاذ الأسد الذي يمثل لهم “عصب” القومية العربية من خلال الثناء على جيشه وشعبه العظيم، وأهميتهما في دعم فلسطين والمقاومة.
لم يُفكر أعضاء المؤتمر القومي العربي، سوى بواجب الدفاع عن سوريا ورفع الحصار عنها والبدء بتنفيذ خطوات “قومية ” تساند سوريا، لكن في المقابل استمع أعضاء المؤتمر ونخبه، لمحاضرة من الأسد مع صمت وثناء بالرأس للكلام عن القومية والعروبة، بعبارة أخرى تبادل الأسد مع الوفد عبارات عن أهمية توسيع مفهوم المقاومة والانتماء القومي، وخاصة مقاومة الفكر الذي يغزونا”، من حيث دلالتها وسماتها بقيت الشعارات والأفكار التي يتشارك بها زوار الأسد من “قوميين وإسلاميين وعلمانيين ومقاومين وعروبيين” توظف لتزوير ومحو الحقائق على الأرض، دون الاقتراب عن غزو الميليشيات والمرتزقة من فاغنر وإيران وباكستان وغيرها، كونها تساهم بقواعد قومية الأسد.
تسيد القمع
على ضوء العقد التعيس والمأساوي لسوريا وشعبها، ومآل الثورات المضادة بتسيد القمع وإسناد الطغاة في المنطقة العربية التي ينتمي اليها أعضاء التيار القومي العربي في فلسطين ومصر ولبنان والعراق وتونس واليمن، وإجماعهم على أن نهضة العرب لا تتم دون بطش جيش الأسد وقوة قمع السيسي وتزوير المقاومة في سوريا ولبنان والعراق بلباس الطائفية والمذهبية القاتلة للعروبة، والإرتماء في أحضان طهران والولايات المتحدة، كل ذلك لم يجعل المؤتمرين أن يشعروا بالتحرر من الأوهام الأيديولوجية الرومانسية واعتماد حقائق لم تتبدل سماتها وخصائصها عن الحرية كمدخل للوحدة مع عدالة اجتماعية وحقوق للإنسان.
تزوير مفردات الحرية
من أجل الحفاظ على تفاؤل ” قومي عربي”، يصر تيار القومية الزائر للأسد والوافد من أنظمة قمعية للشارع والإنسان العربي، على تزوير مفردات الحرية والتعددية السياسية وحق التعبير عن الرأي، وفي البحث داخل جعبة التيار عن أحزاب فاعلة لمقاومة التطبيع مع الاحتلال ومقاومة المؤامرات، هناك سعي مصاب بالكسح والضمور الأخلاقي عن القمع والوحشية التي نالت من الشارع العربي في سوريا ومصر والعراق وتونس وليبيا واليمن وكل شارع عربي معني بتلك المقاومة، والتيار القومي العربي في بلاط الأسد مع خطابه المُفسر لشرعنة وحشية ودمار مستحق على رؤوس من نادى بحرية وكرامة وتعددية سياسية ومدنية، هو لفت للانتباه إلى أن كل ما جرى في الشارع العربي “مؤامرة” لإضعاف دور جيش الأسد وما يشبهه في جيوش العرب لقمع الإنسان وأن كل ما قيل عن إنسان عربي حُر في أدبيات قومية قادر على المواجهة سقطت في امتحانات كثيرة.
النخب القومية، الصامتة عن مقتل عشرات الآلاف تحت التعذيب وعن تهجير الملايين بعد تدمير مدنهم وقراهم بجيش الأسد، ومنهم من حمل وحلم بأفكار قومية قضى في فرع فلسطين الأسدي تحت التعذيب ويتنكر له قوميو الأسد، وغني عن التأكيد أن ذاكرة بعض النخب القومجية في حضرة الأسد تمتلك الكثير من التجارب والنماذج الحية المتبلورة عن سحق الشعارات وحاملها، وتحت وطأة الهزائم المتكررة له ولها، اتضح العدو الأزلي للقومية العربية ولحواملها الاجتماعية والسياسية والفكرية بثوابت لا يصعب حصرها في تاريخنا المعاصر وثوراته، ويصعب التزوير مهما علت شعاراته عن فلسطين والعروبة والمقاومة والمؤامرة.
التيار القومي العربي، الذي يرى الأسد بطلاً وجيشه أنقذ سوريا من شعبها بسحقه، وينظر للسيسي منقذاً لمصر من قبضة ” الإخوان” وينظر بالمقام نفسه لقيس سعيد في تونس ولكل عسكر الأنظمة القمعية، إنما يعتمد الفكرة المنادية بارتقاء الأنظمة القومية لتحقيق وحدة وشمولية بالقمع والوحشية كفعل وتفاعل يقضي على فكرة الحرية والتحرر، والمأزق المستمر لهذه الأنظمة وتياراتها وأحزابها بعدم التبصر لنتائج وخيمة من الانحياز والتلاحم مع طغاة ومستبدين، ولاؤهم الأول والأخير للمحتل وللمؤامرة، وبتجاهل دروس التاريخ وعبره، لن يكون لدينا مستقبل ذهبي ولا مصَدي لقومية تنادي بغدٍ أفضل لجيش وطاغية استباح العروبة وتآمر عليها وقتل وهجر ودمر حواضرها، وفي النهاية للتيار القومي العربي، في فرع فلسطين الأسدي وبقية الفروع الأمنية ترجمة فعلية لمحددات وتخوم القومية المستمعة لأفكار الأسد بعثورها على نواقص العروبة والقومية والمقاومة وفلسطين من فم السفاح.
كاتب فلسطيني