من المناسب بعد موت رئيس الوزراء الاول دافيد بن غوريون بأربعين سنة أن نستوعب تراثه في 1948: إن الثبات للضغط الامريكي حول اسرائيل من مستهلكة الى منتجة أمن قومي، وطور مكانتها لتصبح حليفة استراتيجية للولايات المتحدة، وأفضى الى تحسين بعيد المدى للعلاقة بها ودفع الى الأمام بالأمن القومي للطرفين. ‘ قُبيل اعلان الاستقلال تلقى بن غوريون إنذارا من وزير الخارجية الامريكي الجنرال جورج مارشال الذي كان السياسي الأعظم حضورا في الولايات المتحدة. وقد طلب مارشال الامتناع عن اعلان الاستقلال والموافقة على نظام ائتمان الامم المتحدة وحذر بن غوريون من أن الحرب قد تسبب محرقة يهودية ثانية. وفرض حظر سلاح على المنطقة في حين كانت بريطانيا تسلح العرب، ووزن فرض عقوبات اقتصادية على اسرائيل. فقد زعم مارشال أن الحرب ستشوش على إمداد الولايات المتحدة بالنفط في فترة توتر دولي. لكن بن غوريون لم يضعف. وكما قال السفير الامريكي الاول في اسرائيل جيمس ماكدونالد، ‘حذر بن غوريون ترومان ومارشال ألا يخطئا بفرض أن التهديدات ستفضي الى التخلي عن العوامل الحيوية لاستقلال اسرائيل وأمنها’. ‘ في 29 أيار 1949، قُبيل انتهاء حرب الاستقلال، نقل ماكدونالد إنذارا من الرئيس ترومان الى بن غوريون. ‘إن ترومان يرى موقف اسرائيل (رفض الاراضي مقابل السلام، وضم غربي القدس ورفض عودة اللاجئين وتشجيع الهجرة الكثيفة) يراه خطرا على السلام واستهانة بقرارات الجمعية العمومية للامم المتحدة في 29 تشرين الثاني (التقسيم) وفي 11 كانون الأول 1948 (تدويل القدس وعودة اللاجئين)’، ويقتبس في الكتاب نفسه أن ‘الرئيس طلب تخليا اسرائيليا عن اراضي تم احتلالها في الحرب (40 بالمئة وراء خطوط التقسيم)، وتنازلا ملموسا في قضية اللاجئين باعتباره خطوة نحو تسوية. وشملت الرسالة تهديدا باعادة النظر في علاقات الولايات المتحدة باسرائيل’. ”’ وكان رد بن غوريون حازما برغم موارده الضئيلة: ‘إن رسالة ترومان غير واقعية وغير عادلة وتتجاهل كون خطة التقسيم التي داسها الغزو العربي، غير ذات صلة… فهل تأتي الولايات المتحدة لمساعدتنا اذا هوجمنا مرة اخرى؟ إن الولايات المتحدة قوة عظمى واسرائيل دولة صغيرة قد تُهزم، لكنها لن تنتحر’. وأجاز مجلس الامن قرارين بدعم من الولايات المتحدة يهددان بفرض عقوبات على اسرائيل اذا لم تنسحب من النقب المحتل، لكن بن غوريون تحدى ذلك قائلا: ‘هاجمت اسرائيل ستُ دول عربية وهي تحتفظ لنفسها بالحق في الدفاع عن نفسها وإن كانت قد تُهزم’. وتراجعت واشنطن بسبب تصميم بن غوريون. وقُبلت اسرائيل في الامم المتحدة برغم معارضتها القوية لمطالب الولايات المتحدة والامم المتحدة في شؤون الاراضي والقدس واللاجئين. واعترف وزير الخارجية الامريكي جون فوستر دالاس الذي كان عضوا في وفد الولايات المتحدة الى الامم المتحدة في 1949 بأن قرار التقسيم وخطة برنادوت المعادية لاسرائيل كانا غير مناسبين وبأن الولايات المتحدة قللت في تقديرها لتصميم اسرائيل. بل إن رئيس هيئة اركان الحرب الامريكي عومار برادلي اقترح تطوير التعاون الاستراتيجي مع اسرائيل. ‘ وأدرك بن غوريون أن الثبات للضغط هو جزء لا ينفصل عن التاريخ اليهودي وشرط سابق للاستقلال ولنماء بعيد المدى. وفي مقابل ذلك تزيد الاستكانة في شدة الضغط وتهدد بتحويل اسرائيل من كنز استراتيجي الى عبء استراتيجي. وتفضل الولايات المتحدة في يوم عاصف حليفة متحدية لا مستسلمة.