الجزائر ـ ‘القدس العربي’: فضلت النخبة السياسية التزام الصمت حيال ‘تغييبها’ من ‘طبخة’ الدستور التي سيتم إعدادها على مستوى الرئاسة، فيما يبقى هاجس ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لولاية رابعة يؤرق الجميع، خاصة أن ‘جوق’ المساندين والداعمين بدأ يعزف سيمفونية تمديد حكم بوتفليقة لسنوات أخرى، من دون أن يتأكد إن كان بوتفليقة يريد فعلا ولاية رابعة، ونفس الشعور يمزق المعارضين والراغبين في الترشح، الذين يخشون الخروج مبكرا لساحة المعركة، حتى لا يستهلكوا طاقتهم ويبعثروا أوراقهم، خشية أن يتحولوا إلى أرانب في سباق محسوم مسبقا.
ويعود صمت النخبة السياسية إلى عاملين اثنين، الأول يتمثل في الوضع الذي تعيشه الأحزاب في عمومها، فأحزاب السلطة، والمقصود بها جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي دخلا في غيبوبة ‘مبرمجة’ منذ أشهر، إذ تمت إقالة أمين عام الجبهة عبد العزيز بلخادم، و’استقال’ أمين عام التجمع أحمد أويحيى، وتاه الحزبان في رحلة البحث عن خليفة لم يتم اختياره بعد على مستويات عليا.
من جهة أخرى فإن المعارضة لا يسر حالها لا عدو ولا صديق، فأحزاب التيار الإسلامي فقدت رصيدها في الشارع، والسلطة نجحت في إفراغها من محتواها، ومن كوادرها، وأدت كثرة الانقسامات التي عرفتها هذه الأحزاب إلى تشتيت قوتها، وحتى لما شكلت تحالفا فيما بينها، كان تحالفا اضطراريا وتكتيكيا أكثر منه استراتيجيا، كل طرف يبحث عن الاستفادة من موقع الطرف الآخر ومن رصيده حتى لو كان في حالة ‘شبه إفلاس’، قد يقول قائل منهم ان السلطة هي المسؤولة عن تنفير المواطن من العمل السياسي والحزبي وجعله ‘يكفر’ بالتغيير عن طريق العمل الحزبي وعن طريق صندوق الانتخابات، وهذا كلام صحيح جزئيا، لكن هذه الأحزاب جربت زواج ‘المسيار’ مع السلطة، واقتربت منها بأكثر من اللازم، وكانت النتيجة أن احترقت بنارها، وحتى لما حاول بعضها استرجاع عذريتها بالعودة إلى صفوف المعارضة، لم تجد لصوتها أي رجع صدى.
الأحزاب التي توصف بالديمقراطية أو العلمانية دخلت أيضا في حالة وفاة ‘إكلينيكية’ منذ سنوات، فبعض الاحزاب اختار الطريق الأقصر، والانضمام إلى جوق الداعين إلى ولاية رابعة، مثلما هو الأمر بالنسبة لحزب الحركة الشعبية الجزائرية الذي ولد من رحم التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، الذي كان يقوده سعيد سعدي، هذا الحزب الجديد الذي يقوده عمارة بن يونس، قرر أن يوفر على نفسه ‘معاناة’ المعارضة، وقبل بحقيبة البيئة في الحكومة الحالية، وحتى حزب العمال الذي كان من أشد المعارضين، والمنتقدين لسياسات الحكومة، أصبح من أشد المدافعين عن بوتفليقة في معادلة غريبة لا تحدث إلا في الجزائر.
أما التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية فقد غاب بريقه وخفت لهجته منذ أن قرر مؤسسه ورئيسه السابق سعيد سعدي رمي المنشفة، وتسليم المشعل إلى محسن بلعباس، الأمر الذي خلق فراغا لم يكن من السهل ملؤه.
وحتى حزب جبهة القوى الاشتراكية (المعارض) ومنذ أن دخل البرلمان مجددا في الانتخابات البرلمانية الأخيرة التي جرت في ربيع 2012، تراجعت حدة خطابه، حتى إن كان حافظ على خطه كمعارض، ولم ينقلب إلى الموالاة، ولكن دخوله البرلمان جعله محل اتهامات بعقد صفقة مع السلطة، حتى إن كان دائما ينفي هذه الاتهامات.
أما السبب الثاني فهو عدم إدراك النخبة السياسية لمحتوى هذا الدستور، هل هو دستور تمديد أم دستور تغيير، بمعنى هل بوتفليقة سيعيد الدستور إلى وضعه الصحيح، بإلغاء الاختلالات التي تسبب فيها تعديل 2008، الذي جاء لإلغاء المادة التي كانت تمنع بوتفليقة من الترشح لولاية ثالثة، كما أنه أحدث اختلالا بين السلطات، من خلال تعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية على حساب رئيس الحكومة الذي تحول إلى مجرد موظف بدرجة وزير أول، وعلى حساب البرلمان الذي لم تعد له صلاحية ممارسة الرقابة على عمل الوزراء، أما الاحتمال الثاني فهو أن يكون التعديل الدستوري محاولة لإيجاد صيغة لتمديد حكم بوتفليقة، مع و’التخفف’ من عبء بعض الصلاحيات والمسؤوليات، واستحداث منصب نائب للرئيس يغطي على غياب بوتفليقة وتراجع حركته إلى حدها الأدنى.
يمكن القول بأن فرضية الولاية الرابعة، وإن بدت بالنسبة للبعض صعبة، تتأكد يوما بعد آخر، حتى إن كانت بعض الأطراف بدأت تدق ناقوس الخطر، بأن أي محاولة لإبقاء الوضع على ما هو عليه تنذر بوقوع كارثة، خاصة أن البلاد على فوهة بركان، والأخطار محدقة بها داخليا وخارجيا، والاحتجاجات اليومية وفضائح الفساد التي أصبحت وكأنها مسلسل مكسيكي تنذر بوقوع ما لا يحمد عقباه.