“الجزائر اليهودية” كتاب بعنوان صادم قدمت له “إسرائيلية خدمت في جيش الاحتلال” يثير غضبا واسعا.. ومؤلفته ترد

حجم الخط
0

الجزائر ـ “القدس العربي”:

أثار كتاب بعنوان “الجزائر اليهودية” كانت مؤلفته تستعد لحفل توقيع الكتاب، ضجة كبرى في البلاد، بسبب غرابة العنوان الذي يحاول “اختراع” فترة زمنية يراها كثيرون غير موجودة في تاريخ الجزائر الممتد لآلاف السنين، ناهيك عن توقيته المتزامن مع حرب الإبادة الصهيونية ضد فلسطين ولبنان، وهو ما زاد في الشكوك والاضطراب. بالمقابل، دافعت الكاتبة هدية بن ساحلي عن مؤلفها، معتبرة أن الجدل المثار حوله عاطفي أكثر منه علمي وموضوعي.

ما إن اشتعل هذا الجدل وصار حديث مواقع التواصل في اليومين الأخيرين، حتى تقرر إلغاء الندوة التي كان من المقرر تنظيمها في مكتبة بحي سيدي يحيى الراقي في الجزائر العاصمة السبت المقبل، وذلك بتدخل مباشر من وزارة الثقافة والفنون، التي استجابت، وفق ما نقل عنها، لنداءات من بعض الشخصيات السياسية والثقافية، والتي اعتبرت أن الكتاب يمثل خطوة نحو “التطبيع الثقافي” مع الكيان الصهيوني في ظل الأوضاع السياسية الراهنة.

الروائي السعيد بوطاجين كان من أشد المنتقدين، مشيراً إلى أن العنوان نفسه “الجزائر اليهودية” يحمل دلالات استفزازية، متسائلا: “لماذا لم تختَر الكاتبة عنواناً أكثر دقة مثل ‘يهود الجزائر’ أو ‘الجزائريون اليهود’؟”

النائب زهير فارس، عن التيار الإسلامي كان أول من دعا بشكل رسمي إلى إلغاء هذه الفعالية عبر طلب رسمي وجهه إلى وزيرة الثقافة، معتبرا أن الكتاب يمجد التواجد اليهودي في الجزائر، وهو أمر غير مقبول، خصوصاً أن مقدمة الكتاب كتبتها فاليري زيناتي، الكاتبة اليهودية ذات الجنسية الإسرائيلية والتي خدمت في جيش الاحتلال. وذكر النائب أن تنظيم هذا النوع من الفعاليات الثقافية في هذا التوقيت يمثل استفزازاً لمشاعر الجزائريين الذين يقفون بقوة مع القضية الفلسطينية. وبعد إلغاء الندوة، أكد فارس أنه تلقى اتصالا من الوزارة يخبره بذلك، معتبراً ذلك دليلاً على حرص الحكومة على الوقوف بجانب القضايا العادلة.

وفي سياق الجدل، عبر العديد من المثقفين والناشطين عن رفضهم للكتاب والفعالية المرتبطة به. الروائي السعيد بوطاجين كان من أشد المنتقدين، مشيراً إلى أن العنوان نفسه “الجزائر اليهودية” يحمل دلالات استفزازية، متسائلا: “لماذا لم تختَر الكاتبة عنواناً أكثر دقة مثل ‘يهود الجزائر’ أو ‘الجزائريون اليهود’؟”. بالنسبة لبوطاجين، العنوان ليس فقط مريباً، بل يشير إلى ترويج لسرديات تعزز الروايات الصهيونية حول التعايش اليهودي في الجزائر بطريقة تمهد للتطبيع. كما أبدى استياءه من اختيار زيناتي لكتابة المقدمة، واصفاً هذا الاختيار بأنه غير بريء ويعكس توجهات تتنافى مع قيم المجتمع الجزائري.

من جهته، تساءل الصحافي عبد الغني قيروس عن الغاية من الترويج لهذا الكتاب، معتبرًا أن هناك دوائر غير معلومة تسعى إلى إدخال الجزائر في موجة من التطبيع الثقافي تحت غطاء الأدب والتاريخ. ورغم أنه لم يشكك في نوايا الكاتبة بشكل مباشر، إلا أنه أبدى تخوفه من أن تكون هذه الفعالية جزءاً من استراتيجية أكبر لإعادة رسم العلاقة بين الجزائر والتراث اليهودي، في محاولة لتغيير الموقف الجزائري الصارم تجاه إسرائيل. وأشار الصحافي إلى أن الكاتبة بن ساحلي ليست جديدة في عالم الجدل، حيث اتُهمت بالسرقة الأدبية في روايتها السابقة “عواصف”، مما يزيد من الشكوك حول أهدافها.

بالمقابل، أكد بعض المعلقين أن إلغاء الندوة يمثل نوعاً من التضييق على حرية التعبير وحرية البحث التاريخي. ويرى هؤلاء أن الكتاب يتناول جزءاً من التاريخ الجزائري، ولا يجب اعتباره محاولة للترويج للتطبيع، بل تسليطا الضوء على فترة مهمة من تاريخ الجزائر التي عاش فيها اليهود إلى جانب المسلمين. آخرون وصفوا الجدل المحيط بالكتاب بأنه “حملة كراهية”، مشيرين إلى أن الكتاب لا يتناول سوى جوانب من التاريخ دون أن يروج لأي أجندة سياسية. وفي رأيهم، فإن الهجوم على الكاتبة هو انعكاس لحالة من الانغلاق الفكري، حيث أصبح الحديث عن أي قضية حساسة، حتى لو كانت تاريخية، محفوفاً بالمخاطر، ويواجه بمعارضة شديدة.

وأمام الضجة الكبرى التي أثارتها، حاولت الكاتبة الرد على كل علامات الاستفهام حول الكتاب في حوار لها صحيفة “لوسوار دالجيري” الناطقة بالفرنسية.  وقالت في إجابتها، عن عنوان الكتاب الذي اعتبر مستفزا، إن “الجزائر اليهودية”، لا يعني بالضرورة أن الجزائر كانت يهودية بالكامل، بل يشير إلى أحد مكونات تاريخها، وهو الوجود اليهودي في المنطقة عبر التاريخ. وترى أن العنوان يعكس تعقيد التاريخ الجزائري، وليس تصنيفاً سياسياً أو دينياً. كما تشرح أن اليهود كانوا جزءاً من النسيج الاجتماعي في الجزائر، كما كان هناك مجموعات أخرى، مثل البربر والعرب.

وتساءلت هدية بن ساحلي: لماذا يجب دائمًا أن يُنظر إلى هذا الموضوع بعين الشك والريبة؟ خاصة أن أبحاثًا عديدة، داخل وخارج الجزائر، أثبتت حسبها “وجود اليهود كجزء لا يتجزأ من تاريخ الجزائر”. مشيرة إلى أن نفي أو إنكار هذا الجانب من التاريخ هو تجاهل لطبيعة التنوع الثقافي والديني الذي عرفته الجزائر.

نفت بن ساحلي بشدة أن تكون قد ألفت الكتاب تحت ضغوط سياسية أو بتوجيه من جهات معينة وأكدت أن توقيت نشره كان صدفة بحتة، حيث صدر في سبتمبر 2023

وبخصوص إصدار الكتاب في هذا التوقيت الحساس، أوضحت بن ساحلي أن الأمر كان صدفة بحتة ولا علاقة له بالأحداث الجارية في فلسطين. وذكرت أن الكتاب تم نشره في أغسطس وسبتمبر 2023، أي قبل بدء العدوان الصهيوني بفترة قصيرة. وشددت على أن موضوع الكتاب يتعلق بالتاريخ الجزائري، وليس له أي ارتباط بالصراع الفلسطيني-الإسرائيلي. وتحدثت في هذا السياق، عن أنها استشارت أصدقاء فلسطينيين قبل نشر الكتاب، وكانت ردودهم إيجابية ومشجعة. وأضافت: “هؤلاء الأصدقاء أكدوا أن مناقشة التاريخ اليهودي في الجزائر لا تتعارض مع دعم القضية الفلسطينية، وأن الخلط بين اليهودية كدين وبين السياسات الإسرائيلية هو خطأ شائع، ولكن يجب تجنبه”.

ونفت بن ساحلي بشدة أن تكون قد ألفت الكتاب تحت ضغوط سياسية أو بتوجيه من جهات معينة. وأكدت على أنها كاتبة حرة ومستقلة، هدفها الأساسي هو تقديم التاريخ بشكل موضوعي وعلمي دون أي تحيزات أو أجندات خفية. كما رفضت أي محاولة لربط الكتاب بالصراعات السياسية الحالية، واعتبرت أن التاريخ يجب أن يُدرس بشكل منفصل عن الأيديولوجيات السياسية المعاصرة.

وهدية بن ساحلي، كاتبة جزائرية من مواليد مدينة تنس شمال غرب البلاد، تُعتبر من الأصوات الأدبية التي ظهرت مؤخرا في الساحة الثقافية الجزائرية. بدأت مسيرتها الأدبية برواية “عواصف Orages” التي صدرت في عام 2019، تلتها رواية “المحتضر L’agonisant” في عام 2021. وفي أغسطس 2023، أصدرت كتابها الأخير “الجزائر اليهودية: الآخر أنا الذي أعرفه قليلاً”، والذي يمثل تحولًا عن أسلوبها الروائي إلى مجال الكتابة التاريخية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية