لا يغير الجزائري اسمه الشخصي، كما يفعل الهندي الأحمر، من سكان قارة أمريكا، لأنه عاش تجربة حياتية مهمة، تجعله يقوم بهذا التغيير في محطة معينة من حياته، بل يغير اسمه بعد حمله لسنوات، لأنه لم يعد يواكب التحولات السريعة التي يعيشها المجتمع الجزائري. فأسماء تقليدية ومعروفة مثل عبد القادر وعبد العالي ولخضر، لم تعد تغري الجزائريين الذين يفضلون التخلي عنها واستبدالها بأسماء أكثر عصرية وتكيفا مع الوقت، على الرغم من الشحنة العاطفية للاسم الأول، الذي قد يكون اسم الجد او العم المتوفى. يحصل هذا التغيير للاسم عند الكثير من الأوساط الريفية التي دخلت إلى المدينة لتعيش نوعا من العصرنة المشوهة التي أثرت في الكثير من تصوراتها وسلوكياتها.
عكس هذه الاستراتيجية السائدة التي اهتمت بالمظاهر لدى هذه الفئات الشعبية الحضرية الجديدة، التي تمثل أغلبية الجزائريين التي توجهت إلى القيام، بنوع من القطيعة الجيلية مع الموروث الوطني للأسماء. نلاحظ استراتيجيات مختلفة لدى الفئات الوسطى العليا والغنية، التي تختار أسماء لأبنائها منذ ما قبل ولادتهم، أكثر تكيفا مع العصر، أهم ما يميزها هو عدم الإحالة فيها إلى أي عمق ديني أو ثقافي مرتبط بالمجتمع الجزائري.. أسماء لا لون ولا رائحة لها، مثل لينا وسامي وغيرها من الأسماء التي توصف بالعصرية.
اختيار واع ومقصود، تقوم به هذه الفئات الاجتماعية المرفهة، في إطار تحضير أبنائها وبناتها للهجرة، وعدم العيش في الجزائر، التي يبقى التعامل معها قائما كمصدر أموال منهوبة، يجب الحفاظ على العلاقة معها في كل الأحوال.. اسم يساعد أبناءهم على الاندماج أكثر في المجتمعات الغربية التي تنوي هذه الفئات إرسال أبنائها للعيش فيها، وهي تنتقل بسهولة ويسر بين ضفتي المتوسط، بعد اختيار نوعية التعليم الذي يساعد على تحقيق هذه الاستراتيجية التي تركز فيها على تعلم اللغات الأجنبية والتخرج من الجامعات الغربية المختارة بعناية، بعد الحصول على منح حكومية أو بتمويل العائلة، التي يمسها هذا التنقل هي الأخرى، بعد أن تكون قد اشترت ما يسمى عند هذه الفئات un pied à terre في مدينة أوروبية ـ المقصود سكن في مدينة فرنسية في الغالب – خيارات لا تقطع الصلة مع الجزائر التي تبقى على مستوى جيل الأب على الأقل، مصدر التمويل المالي بحلاله وحرامه، كما بينت المحاكمات التي مست في السنوات الأخيرة بعض الوجوه المتهمة بالفساد في السلطة أو المقربة منها. بالطبع والحال على ما عليه، لن تكون لينا أو سامي في حاجة إلى المغامرة وركوب البوطي – الباخرة الصغيرة – كما يطلق عليه الجزائريون، للتنقل بين ضفتي المتوسط والمغامرة بالغرق، في مياه هذا البحر الذي تحول إلى مقبرة جماعية لأبناء الجزائر من كل الجهات. فالسائد أن لينا مثل سامي تماما، تملك الحق في التأشيرة، بل الإقامة ولما لا الجنسية المزدوجة، منذ مرحلة الدراسة الجامعية أو بعدها مباشرة بعد التخرج.
يحصل تغيير للاسم عند الكثير من الأوساط الريفية التي دخلت إلى المدينة لتعيش نوعا من العصرنة المشوهة التي أثرت في الكثير من تصوراتها وسلوكياتها
فالسائد عند لينا وسامي ومن شابههم من أبناء العرب والبربر، الدخول في نوع من العولمة المهنية، التي يحصلون بموجبها على مواقع متميزة في مؤسسات وطنية ريعية – الجزائريون يشيرون كثيرا إلى سوناطراك والجوية الجزائرية تحديدا – أو دولية إذا لم يتوجهوا نحو بناء مؤسساتهم الخاصة، تلبية للتوجهات الاقتصادية الجديدة، التي تتبناها النخبة الحاكمة، دون نجاح كبير، مؤسسة خاصة هي ملك للوالد وتمويله في الغالب، الذي يبقى يسير فيها عن بعد، حتى وهو ما زال يشتغل في القطاع العام، الذي يحافظ داخله على العلاقات مع الفاعلين فيه كمصدر معلومات وصفقات. علاقة كانت على مر السنوات الجسر الذي تم عبره تحويل المال العام إلى مال خاص في الجزائر لصالح هذه الفئات التي استفادت من مواقعها داخل أو بالقرب من مؤسسات الدولة الوطنية، أكثر من أي فئة أخرى.
مواقع تعمل هذه الفئات على تمتينها ومنحها أبعادا جديدة لم تكن حاضرة في السابق بهذا الحجم على الأقل، ويتعلق الأمر باستراتيجيات المصاهرة التي تلجأ لها على مستوى جيل الأبناء. تقوم من خلالها باختراق مكونات النخبة الحاكمة الأخرى، كذلك التحالف الذي تنجزه عن طريق المصاهرات بين بناتها وأبنائها البورجوازية التقليدية، والكثير من الفئات الحاكمة الحديثة المدنية والعسكرية من مختلف مناطق البلاد، وليس من أبناء جهتها فقط. لنكون بذلك أمام كتلة اجتماعية حاكمة، سيكون مصير الجزائر لعقود بين أيديها، لتجد هذه الفئات من يدافع عنها وعن نموذج تنميتها الذي تقترحه على الجزائريين، من مثقفين معولمين، كما هو حال أستاذ «المناجمنت» في جامعات كندا الطيب حفصي ابن سعيدة، الذي سيحاضر على رجال الأعمال والمسيرين نهاية هذا الشهر في الجزائر، للترويج للمؤسسة الخاصة التي قدم عينة منها في مؤلفاته الصادرة في الجزائر، التي كتبها بمفرده، أو أشرف عليها مع طلبته، حول أهم الشركات الخاصة في الجزائر، على شاكلة مؤسسات يسعد ربراب، أو عمر بن أعمر أو حسناوي، كعينة من كبار رجال الأعمال الجزائريين، التي تكلم فيها عن كل شيء تقريبا، من دون أن يذكر كلمة واحدة عن عمال أو نقابة في هذه المؤسسات «العصرية « التي اختفت فيها عند أبناء الليبيرالية المتوحشة مثل هذه المصطلحات غير المتكيفة مع العصر، مثل أسماء الجزائريين التقليدية. حفصي الذي يكون قد نسي وهو يروج لهذا النموذج من المؤسسات، أن المجتمع الكندي الذي يعيش فيه ويحاضر على طلبته في جامعاته الكبرى، وقد يكون حاصل على جنسيته قد حل الكثير من مطالب العمال النقابات على مرّ العقود والسنوات هي التي قد تبرر السكوت عنها وعدم الحديث عن أدوارها، عكس الجزائر التي تكاد تختفي من دون أن تنجز ما جاءت أصلا من أجل تحقيقه، وحققته فعلا في نماذج رأسمالية المركز، كما هو حال كندا، أدى إلى تواريها عن المشهد الاجتماعي والسياسي إلا نادرا وقل الاهتمام بها، فلم تعد محلا للدراسة والبحث. عكس الحرقة التي ستزيد وتيرتها خلال هذا الصيف الحار والطويل، الذي تُخادع فيه أمواج المتوسط أبناء الشعب بهدوئها الكاذب.
كاتب جزائري
الجزائر الجديدة انطلق قطارها إن شاء الله
لينة هكذا تكتب ومعناه النخلة
و ليش لا يسموها نخلة ?
والله لاننا ملة واحدة….مقال كانه كتب عن المغرب
شكرا سي ناصر