الحوار الذي يدعو إليه الرئيس الجزائري المؤقت، عبد القادر بن صالح، محكوم عليه بالفشل. والانتخابات الرئاسية التي يصر عليها هو وقائد أركان الجيش، الفريق أحمد قايد صالح، ستحافظ على النظام بكل مساوئه وكوارثه على الجزائر والجزائريين. ما يعني أنها ستكون فشلا ذريعا من وجهة نظر الجزائريين الثائرين.
الحوار مآله الفشل لأن الغرض منه، كما يبدو، الالتفاف على الحراك وتعطيله. وعلى الأغلب سيتم الأمر، إن كُتب له أن يتم، من خلال تنظيم كرنفال سياسي يجمع مئات أو آلاف الأشخاص تحت سقف واحد ليومين أو ثلاثة، يستحيل أن يتفقوا خلالها على شيء. ومآله الفشل لأن الداعي له بن صالح. بن صالح ذاته، بأذرعه السياسية والإعلامية، سيقف وراءه أيضا ويرعاه. لكن الجزائريين يذكرون أن لهذا الرجل تاريخا طويلا مع الفشل.
منذ 1992، كان بن صالح طرفا في كل جولات الحوار التي دعا إليها النظام كلما وجد نفسه في مأزق. ويذكر الجزائريون أن تلك الجولات لم تكن بحثا صادقا عن مخرج، بل مناورة لشراء الوقت والالتفاف على آمالهم وطموحاتهم. هل بعد هذا نثق في بن صالح؟
أما الانتخابات الرئاسية التي يقال إنها الطريق الوحيد للحل فليست أكثر من طريق نحو تعميق الأزمة السياسية ووسيلة للنظام لتجديد نفسه بعد أن انتهت صلاحيته. بينما المطلوب دفن هذا النظام عملا بالقول المأثور: إكرام الميت دفنه.
في الظروف الحالية، تستطيع الجزائر أن تنظم انتخابات، لكنها ستكون اقتراعا من النوع الذي ألفته في العشرين سنة الأخيرة وأكثر. تزوير سياسي وإداري، مقاطعة شعبية، مرشحون أرانب في مواجهة مرشح النظام… إلخ. لكن يستحيل أن تنظم انتخابات جادة وذات مصداقية تخرجها من المأزق الذي قادها إليه النظام الحاكم.
سياسيا يصعب تنفيذ الانتخابات لأن الطبقة السياسية، رغم ضحالتها واختلافاتها، رافضة لها، وستميل إلى مقاطعتها. قد يكون هناك بعض «المنشقين» الذين يستطيع النظام شراء ولائهم كالعادة، لكن ذلك لن يغيّر شيئا كثيرا من واقع الحال.
الانتخابات الرئاسية التي يقال إنها الطريق الوحيد للحل ليست أكثر من طريق نحو تعميق الأزمة السياسية ووسيلة للنظام لتجديد نفسه
لوجيستيا، يصر عشرات، بل مئات، رؤساء البلديات والمنتخبين على مقاطعة تنظيم الانتخابات وتوفير متطلباتها اللوجيستية والإدارية. لن تستطيع الحكومة إجبارهم على العكس، أو جلب من يحل محلهم ويتولى المهمة في بلدياتهم. ولا شيء يضمن أن القضاة لن يحذوا حذو رؤساء البلديات.
موعد الانتخابات مشكلة أخرى. لم يجرؤ بن صالح وقايد صالح على تحديد موعد لها، لأنهما لا يملكان خارطة طريق واضحة، ولأنهما لا يثقان كلية في ضمان تنظيمها ونجاحها. المشكلة أن تنظيم الانتخابات بعد ثلاثة أشهر، مثلا، لن يختلف عن تنظيمها الآن، لأن ثلاثة أشهر لا تكفي للتحضير اللوجستي والسياسي الكافي لنجاحها في بلد يفتقد للجدية السياسية ومفلس من حيث تقاليد الحوار السياسي.
أما أخذُ متسع من الوقت وتنظيمها بعد 6 أشهر، أو حتى سنة، فيعني بقاء بن صالح رئيسا، وخروجا غير محبذ عن الدستور بينما يدّعي بن صالح وقايد صالح أن هدفهما الأسمى البقاء ضمن الإطار الدستوري. علاوة على أن ذلك سيكون عبارة عن مرحلة انتقالية هي ذاتها التي يطالب بها الحراك، مع فرق أن بن صالح هو مَن يقودها رغم الرفض الشعبي الكاسح له.
هناك رقم في المعادلة أهم من كل شيء.. هؤلاء الملايين الذين يخرجون كل جمعة لرفع أصواتهم برفض الانتخابات. هؤلاء حتما سيقاطعونها، فهل ستلجأ أجهزة النظام إلى الترهيب والترغيب وشراء الذمم؟ غير مستبعد. وإذا فعلت، فكيف ستضمن ردة فعل الشارع عليها، وأي مصداقية ستبقى للانتخابات والفائز بها؟
عامل آخر يجعل الجزائريين يتوجسون من خطة بن صالح ـ قايد صالح التي تتضمن الانتخابات، هو أنها تلقى دعم أحزاب «التحالف الرئاسي» السابق (جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، وتجمع أمل الجزائر، والحركة الشعبية). هذه المجموعة ظلت، إلى ما بعد انطلاق الحراك، تسبّح بحمد بوتفليقة وتصر، نفاقًا، على أنه المرشح الأفضل للجزائر. وبعد أن سقط بوتفليقة سارعت إلى إعلان براءتها منه لتركب موجة الحاكم الجديد، الفريق أحمد قايد صالح. هذا وحده يكفي، ليس فقط للابتعاد عن هذه الخطة، بل لرفضها وإفشالها بكل الطرق السلمية. ليس من الظلم لأحد القول إنه لا يشرِّف أيّ جزائري مخلص أن يجد نفسه في القارب السياسي نفسه مع هذه الأحزاب وقادتها.
الخلاف، إذاً، ليس حول جدوى الانتخابات من عدمها، بل حول نوايا هذا الطرف وذاك: الشارع يريد التغيير الحقيقي، بينما يسعى الثنائي بن صالح وقايد صالح إلى ترقيع سطحي يحافظ على النظام. وهذا ما سيحصل إذا جرت الانتخابات قريبا، فتبرز قوافل الانتهازيين والطفيليين الجدد حول العهد الجديد القديم ويؤمنون بأن زمنهم قد حلَّ.
كاتب صحافي جزائري
يا ريث هذا النظام المرفوض شعبيا مات ميتة طبيعية فواراه الشعب الثرى وارتاح وأراح, لكن الإشكالية يا أستاذ توفيق تكمن في كون النظام هو اليوم يعيش حالة غيبوبة (COMA) بعدما تلقى الرأس (مؤسسة الرئاسة) لصدمة عنيفة وتعرض الجهاز العصبي (قادة الجيش) للتورم, النظام فقد التواصل مع العالم الخاجي وفقد معها الوعي (فهو لا يقوى على استيعاب الرسائل الموجهة له من الجميع حوله) لكنه لم يصل مرحلة الموت البيولوجي مادامت بعض الوظائف الحيوية تشتغل مثل الدورة الدموية والتنفس (أحزاب المولاة والدعم من جهات أجنبية).
الناس حوله مابين من ينتظر وفاته الطبيعية بمواصلة الإحتجاج السلمي حتى يودع النظام الروح لخالقه وبين من يفضل نزع وسائل التنفس الإصطناعي لوضع حد لآلام المصاب مادامت احتمالات شفاءه وخروجه من الغيبوبة مستحيلة (الإصرار على مرحلة انتقالية تٌقصر عمر هذا النظام المنبوذ). على أي خيار سيستقر الأمر؟ المستقبل وحده سيكشف لنا مصير النظام الحاكم.
النظام لم يلفظ أنفاسه كما يعتقد البعض بل هو في مرحلة تربص يتحين فرصة بدأ حوار مع ممثلي الحراك كي يبدأ الإشتغال على اختلاف الرؤى بين صفوفه, تصور التيار الحداثي الذي ينبني مشروعه على علمانية الدولة وتناقضه مع مطلب التيار المحافظ الذي يتشبث بالموروث الحضاري للشعب الجزائري, حين تبدأ ملامح تضارب الأطروحات الصادرة عن الحراك الشعبي تخرج للعلن سيشرع النظام في تنزيل أسلوبه في التعامل مع الاحداث الجارية وفق مبدأ: “فرق تسد”. فلا ينبغي أن تحجب عنا الحماسة والتفاؤل المبالغ فيه حقيقة وعمق خلافات مكونات الحراك الشعبي.
كلنا يقين بأن الحراك الجماهيري في الجزائر سيكتب له بإذن الله التوفيق في بلوغ مراميه المشروعة بالضغط السلمي المتواصل, يحذونا الأمل أن النجاح سيكون رهين بمدى استفادتنا من تجارب وأخطاء الإنتفاضات الشعبية إبان الربيع العربي, لكن نتناسى أن النظام أيضا يصبو إلى الإلتفاف على المطالب الشعبية بالإستفادة من دهاء الثورة المضادة ونجاحها في مصر وتونس في إعادة إنتاج نفسها والرجوع بقوة للهيمنة على مواقع القرار بوجوه جديدة. هو صراع لم تتحدد معالمه حتى اليوم.
الحراك يستمد قوته من الإجماع الشعبي على التخلص من النظام المنهار لكن نقطة ضعفه هي عفويته, في المقابل بقايا النظام نقطة ضعفه تتمثل في فقدانه للمشروعية على المستوى الداخلي وللمصداقية على المستوى الخارجي بيد أن قوته تكمن في أذرعه وكوادره وقدرته على التخطيط والمناورة واختراق الصفوف واختلاق الأزمات. هل سيتمكن الحراك الجماهيري من استغلال نقاط ضعف بقايا النظام قبل أن يحصل عكس الأمر لحسم الموقف؟ في كل الأحوال عامل الزمن ليس في مصلحة الحراك, فلربما حان الوقت للتصعيد السلمي بالتهديد بعصيان مدني محدود لإرباك قادة العسكر.
أعتقد أن الحوار مع بنصالح هو مضيعة للوقت، وطلب ذهابه هو وبدوي هو أيضا مضعية للوقت؛ فمن يجب التحاور معه هو العسكر ومن يجب طلب ذهابه هو حكم العسكر. فبدل أن يضيع الحراك جهده ووقته في طلب أشياء غامضة وهلامية مثل ذهاب رموز النظام القديم أو حتى استقالة بنصالح وبدوي، كان من الأجدى مطالبة العسكر بتسليم السلطة للمدنيين كما هو طلب المحتجين بالسودان. وأنا أعتقد أنه لو ركز الحراك الجزائري على هذا المطلب لكان ذهب إلى بيت القصيد وعندها ستظهر النية الحقيقية للعسكر هل يريد تسليم السلطة للمدنيين أم يريد الإبقاء على الوضع كما كان عليه منذ 1962 أي حكم عسكري من خلال رئيس صوري.طبعا، أخشى ما أخشاه أنه إذا أصر الحراك على طلبه على تسليم السلطة للمدنيين فقد نرى الوجه الحقيفي للعسكر وعندها قد يعود للإيغال في دم الشعب كما فعل في بداية تسعينيات القرن الماضي عندما تم ذبح ما يناهز نصف مليون جزائري.
الشعب الجزائري مخ+ وذكي يا سي عبد المجيد ..إنه لم يطلب من العسكر تسليم السلطة للمدنيين.. بالعكس صرفه و حيده يذكاء مفرط عن المواجهة (لقد استغل الشعب الجيش) .. لن يستطيع الجيش فعل أي شئ مما يفعل الجنجويد في شعب السودان الشقيق.. أفهمت..؟
مفترق طرق يصعب التكهن بمآلاته .
لكن الرقم الاصعب في المعادلة كما تفضلت استاذ توفيق رباحي ، هو الشعب الجزائري . لاتوجد أي دلالة تدل على انكسارارادته او يأسه او قنوطه .لايزال متوهجا واعيا مدركا لحساسية الظرف وخطورة الرجوع للوراء ولو بربع خطوة .
تشبت صالح والقايد صالح بالدستور ليس بريئا فهما ومن ورائهما العصابة يحاولون كسب الوقت حتى يتسلل الملل الى المتظاهرين ويفقد الحراك حيويته انذاك سينقضون على الاعداد القليلة التى ستخرج للشارع ويخرج النظام من تحت الرماد ليكمل ما تبقى من الخطة والويل للشعب من العصابة لو تمكنت.