الجزائر- “القدس العربي”: لم تتمكن شخصيات معارضة تتبنى الطرح الراديكالي في مواجهة السلطة، من حضور الاحتفالات الشعبية المخلّدة لذكرى مؤتمر الصومام (تجمع لقادة الثورة الجزائرية سنة 1956)، وهي المناسبة التي تُستغل عادة في إلقاء خطب سياسية معارضة وانتقاد واقع الحقوق والحريات في البلاد.
في قرية إيفري أوزلاقن بأعالي ولاية بجاية شرقي البلاد، يتجمع كل سنة الآلاف لإحياء ذكرى مؤتمر الصومام الذي انعقد ببيت في هذه القرية، وخرج بقرارات زودت الثورة الجزائرية بجهاز سياسي وأعادت تنظيم جيش التحرير الوطني، وأكدت على قاعدتي “أولوية السياسي على العسكري” و”أولوية الداخل على الخارج”، وهي أفكار لا تزال لغاية اليوم مصدر إلهام لجزء من المعارضة الجزائرية التي تعتقد أن النظام في الجزائر حاد عن هذه المفاهيم.
لكن احتفالات هذه السنة، غاب عنها ناشطون سياسيون فاعلون، بعد تعرضهم للتوقيف في قرية إيفري على يد قوات الدرك الوطني. ومن أبرز من تم توقيفهم كريم طابو، منسق الاتحاد الديمقراطي الاجتماعي -قيد التأسيس- وفتحي غراس، منسق الحركة الديمقراطية الاجتماعية.
وبحسب شقيق كريم طابو، فإن الناشط السياسي تم توقيفه صباحا على مستوى قرية إيفري أوزلاقن واقتياده لوجهة غير معروفة لمنعه من حضور الاحتفالات. وإلى جانب فتحي غراس، قامت قوات الدرك بالتحفظ على عدد من القياديين في الحركة الديمقراطية الاجتماعية، هم مسعودة شبالا ووحيد بن حالة وحبيب بن مالحة. كما تم توقيف علي العسكري، وهو أحد القيادات السابقة لجبهة القوى الاشتراكية.
وما يجمع كل الموقوفين، نظرتهم الراديكالية للسلطة الحالية التي يرفضون الاعتراف بشرعيتها، ويؤكدون على تمسكهم بمطالب الحراك الشعبي الداعية للتغيير الجذري ورفض المشاركة في أي انتخابات تقام في ظل السلطة الحالية. كما أن جزءا منهم منخرط في تكتل البديل الديمقراطي، الذي يطرح فكرة المسار التأسيسي كمخرج للعبور نحو الطريق الديمقراطي، وهو ما سبق للسلطة رفضه في فترة الحراك، والتأكيد على التقيد بالمسار الدستوري وفق نظرتها للحل.
وفي مساء اليوم، أخلي سبيل جميع الموقوفين، وفق ما أعلن مقربون منهم على صفحاتهم. وتبين بذلك، أن التوقيف كان لمجرد المنع من حضور الاحتفالات ولا علاقة له بقضايا في العدالة. لكن ذلك لم يمنع من إبداء آراء غاضبة جدا من هذا الإجراء الذي يعد حسب البعض انتهاكا للدستور.
وقال عثمان معزوز رئيس التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، إن السلطة بمنعها النشطاء السياسيين من حضور احتفالات مؤتمر الصومام، قطعت شوطا آخر في التصعيد، مشيرا إلى أن السلطة بعد أن قامت بمصادرة التاريخ، تقوم اليوم بمصادرة الذاكرة، على حد قوله.
لكن حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي كان حاضرا بقوة في المناسبة عبر أمينه الأول يوسف أوشيش، تبنى خطابا وسطا في انتقاد السلطة، وأيضا المعارضة الراديكالية التي يصفها بالشعبوية والمغامرة. وقال أوشيش في كلمته بالمناسبة، إن البلاد تجد نفسها في وضع انسداد مميت بعد أن أصبحت رهينة بين “السلطة الأحادية والشعبويين من دون أفق سياسي”، وفي ظل ذلك يتفاقم الوضع الاجتماعي والاقتصادي الكارثي والتحديات الأمنية والإقليمية الاستراتيجية الهائلة، وفق قوله.
ودعا أقدم حزب معارض في البلاد، من جديد إلى ما يسميه بناء الإجماع الوطني الناتج عن حوار شامل ومسؤول وشفاف، يمكن أن يضمن الاستقرار السياسي والتنمية الاقتصادية والازدهار الاجتماعي، وبالتالي الأمن القومي. وأشار أوشيش إلى أن هذا المطلب محوري وهو شرط تاريخي وسياسي على حد سواء، قادر على ضمان تغيير لا رجعة فيه نحو الديمقراطية والحكم الرشيد. يمكننا بعد ذلك، أن نتخيل “جزائر جديدة” ستبنى من خلال الجزائريين وليس ضدهم.
واللافت في هذه السنة، حضور الأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني، أبو الفضل بعجي، لمنطقة الصومام من أجل المشاركة في الاحتفالات. وأدلى بعجي بخطاب في قاعة أمام مناضلي حزبه، اعتبر فيه أن مؤتمر الصومام حوّل العمل الثوري إلى عمل مؤسس ومنظم عبر إنشاء برلمان وحكومة للثورة وتقسيم المناطق العسكرية إلى ولايات. وتحدث زعيم حزب الأغلبية عن السياق السياسي الحالي، بنظرة تختلف تماما عن مفهوم الأزمة الذي تردده المعارضة، مشيرا إلى أن الجزائر تعيش تحديات، لكنها تنعم بالاستقرار السياسي في ظل حكم الرئيس عبد المجيد تبون، على حد قوله.
ولم تترك السلطة خطاب المعارضة وحيدا في هذه المناسبة، فقد وجّه الرئيس عبد المجيد تبون رسالة لا تخلو من مضامين سياسية في هذا اليوم الذي يحتفل به رسميا بالذكرى المزدوجة لهجمات الشمال القسنطيني في 20 آب/ أغسطس 1955 ومؤتمر الصومام في نفس اليوم من سنة 1956.
وقال تبون في إشارة للعهد السابق، إنه “لا مكان في الجزائر التي نبنيها معا للممارسات التي أضرّت بثقة الشعب في مؤسسات الدولة، بالمقابل فإن الأبواب مشرعة أمام كل الطموحات والتطلعات للكسب في مناخ نظيف وشفاف”. وذكر أن “الاحتفاء باليوم الوطني للمجاهد يأتي والجزائر تعيش سنة الاحتفاء بالذكرى 60 لاستعادة السيادة الوطنية في عهد تسخير المقدرات والثروات الوطنية لخدمة الشعب الجزائري”، مشيرا إلى أن “الشعب يتطلع أن يرى جزائر الشهداء قوية بمؤسساتها وهيئاتها الدستورية فخورة بأمجادها”.
كما أكد أنه “يتعين علينا السهر على صون وحماية الذاكرة الوطنية من مكر أولئك الذين لا زالوا يجرّون وراءهم حقدهم على انتصار الجزائر”، في إشارة إلى الدوائر المعادية لاستقلال الجزائر في فرنسا، وذلك قبيل أيام فقط من زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الجزائر.
وما يجمع كل الموقوفين، يساريين- علمانيين -فرنكفونيين- منطقة القبائل / رجل في السلطة و اخر في المعارضة.
فكرة الاجماع الوطني التي يختبأ وراءها الحزب التقليدي ذو التوجه الاشتراكي فكرة لا توجد الا في الخيال. فالاجماع الوطني تحقق مرة واحدة عند الزعماء الذين فجروا الثورة وبعدها اختفت الفكرة من معجم الياسة لتحل محلها التوافقات التي تعني “فن الممكن” لا أكثر.
لان مؤتمر الصومام رجح العمل السياسي على العنف العسكري و قيادة الداخل على قيادة الخارج . و بعد الاستقلال حدث العكس .