كان الناقد والأكاديمي العراقي علي جواد الطاهر(1996م) قد أوفد إلى الجزائر للتدريس أستاذا زائرا في جامعتي الجزائر، وقسنطينة، هذا ما ذكره على الغلاف الأخير من كتابه (المرزوقي شارح الحماسة ناقدا) الدار المتحدة للنشر والتوزيع: بيروت: 1995، من دون أن يذكر السنة التي أوفد فيها، وعدد الإيفادات، وكان قد نشر مقالة في مجلة (ألف باء) العراقيّة الصادرة في 16/ تشرين الأول/ 1977عنوانها (كنت في الجزائر) أعاد نشرها في كتابه المقالي (كلمات) الصادر عن دار الشؤون الثقافيّة بطبعته الأولى في بغداد 1997.
يقول الطاهر بعد استهلال المقالة (أنا فرح بأني كنت هناك، سعيدٌ، مبتهجٌ، لما رأيت ـ في الأقل ـ من دلائل الوفاء، وأقول: الوفاء لأنّي لم أجد الكلمة التي تؤدي ما أريد أن أقول، وقد التقيت بطلبة لي هناك فإذا هم حبٌّ وكرمٌ ولطفٌ ومنافسةٌ في الضيافة، والمسألة أكثر من وفاء ؛ لأنّ الوفاء يعني أنّي قمتُ إزاءهم بخدمة خاصّة من قبل، أو أنّي عاملتهم معاملة خاصّة، ولم يحدث أيّ شيء من هذا، فلنبحث ـ إذا ـ عن كلمة واحدة تعني الناس الذين يلزمون أنفسهم بواجب لا يلزمهم ؛لأنّه ليس من واجبهم، وهم ينطلقون من ذلك طواعية، وطيبة ،ونقاء ،وكأنّهم مدينون، وكأنّ عليهم واجب الوفاء ـ ولم يكن عليهم واجب الوفاء ـ ولم يكن عليهم شيء من ذلك، ولكنّهم الدليل الفطري على طيبة الإنسان ،وإنسانيّته الحقيقيّة، وما أجمل أن يكون على الأرض طيبون).
وتحدّث (الطاهر)عن الطلبة الجزائريين الذي درّسهم في جامعة بغداد: إنّهم أحبوا العراق ـ ومن لا يحب العراق في الجزائر؟ ـ وليس في ذلك عجب ،إنّما العجب كما رآه الطاهر في محبّة المثقفين الذين لم يعيشوا في العراق ساعة، وهم يعرفون الكثير عنه، وعن ثقافة أهله، في الماضي والحاضر، وذكر (الطاهر) أن التصفيق الذي جوبه به في قاعة المحاضرات لحظة أن ذُكر فيها اسم بغداد كان دليل فرح مازجه إحساسه بالتقصير، فقد رأى بأمّ عينيه وفاء نادرا لشعب كبير، ووجد (الطاهر) في تلك البلاد المجلات العراقيّة متوفرة للقرّاء جميعا، فضلا عن الكتب الصادرة حديثا في بغداد، وهذا ما جعله سعيدا أمام الجزائريين.
وتحدّث الناقد (علي جواد الطاهر) في المقالة عن النشر في الجزائر فوجده متنوعا بين الفكر والفلسفة، والاجتماع ،والقانون، والأدب، والنقد ،والمعجمات، وقد وقف عند معركة الجزائر التي عدّها من المعارك الكبرى: معركة التعريب، فوجدها على خير ما يكون الجدّ والعمل، ثمّ دعا إلى مساندة الجزائر بشتى المعارف، والعلوم ،والفنون، فضلا عن أنه دعا إلى أن يكون الكتاب الجزائريّ بين يدي القارئ العراقي، ثم ختم (الطاهر) المقالة بقوله :(آه يا صديقي كأنك لا تعلم مفعول الحرف في شدّ الأواصر، وتقريب البعيد، وتحويل الأوطان الكثيرة على الخارطة إلى وطن واحد في الفكر، والروح ،والعلم ،والمعرفة ،والألفة، والود… ولقد كُتب لي أن أرى ذلك رأي العين، وتمنيت لو كان معي مسؤولون عن الكتاب العراقي…أجل كنت في الجزائر).
بهذا الشكل الثقافي كتب (الطاهر) عن الجزائر، وعن جمال أهلها وثقافتها، ولعلّ الدراسات الثقافيّة التي تهيمن الآن على جزء مهمّ من الخطاب النقدي المعاصر يمكنها أن تنفتح في رؤاها على المقالة بحكم طبيعة خطابها الثقافي، فهي حسب رأي (الطاهر) إلى الحديث، والسمر أقرب منها إلى التعليم والتلقين، ووجب أن يكون أسلوبها عذبا سلسا دفّاقا، وبهذا الشرط الذي خرج إلى عدد من الاقتراحات توّج (الطاهر) شاعريّة المقالة التي يجب أن تبتعد عن الروح المدرسيّة الملزمة؛ بمعنى أن تتّصل اتّصالا إنسانيّا مع القارئ بمعيار الانفتاح من دون حواجز، أو تعال مكانيّ، فضلا عن عذوبة أسلوبها: أي قبوله كما يقبل الماء العذب النقي المتدفق، وهذا ما لمسته في متن مقالة (الطاهر) التي أعدّها مقالة ثقافيّة بامتياز.
وتحدّث الناقد (علي جواد الطاهر) في المقالة عن النشر في الجزائر فوجده متنوعا بين الفكر والفلسفة، والاجتماع ،والقانون، والأدب، والنقد ،والمعجمات، وقد وقف عند معركة الجزائر التي عدّها من المعارك الكبرى: معركة التعريب، فوجدها على خير ما يكون الجدّ والعمل.
وذكر(الطاهر)الجزائر مرتين في رسائله التي كان يرسلها إلى زوجته السيدة(فائقة) ـ رحمها الله ـ التي نشرت فيما بعد في كتاب (سَغْبُ العواطف) جمع، وتقديم، وتحرير لقاء موسى الساعدي الذي صدر عن دار الرافدين بيروت: 2020 فقد ذكر في الرسالة الأولى المؤرخة في يوم الأحد 30/10/1977 أنه وصل العاصمة الجزائريّة على جناح طائرة الخطوط الجويّة الجزائريّة القادمة من القاهرة، في الساعة الخامسة والنصف عصرا، وكان باستقباله في المطار (أبو العيد دودو(2004م) تلميذه في دار المعلمين العالية ببغداد، وهو أستاذ جامعي، وأديب معروف، أخذه بسيارته إلى الفندق الذي كان مزدحما بسبب انعقاد المؤتمر الخاص بالمجالس الشعبية في الجزائر، كان الفندق ـ الذي لم يذكر اسمه ـ قريبا من الميناء، وقد وصف العاصمة الجزائرية بالفخامة، وهي عنده أشبه بباريس التي عاش فيها في الاربعينيّات من القرن المنصرم طالب دكتوراه، وتنتهي الرسالة عند هذا الحد.
أما الرسالة الثانية فقد بعثها إلى زوجته أيضا بتاريخ 2/12/1978 من جامعة (قسنطينة) معهد الآداب والثقافة العربيّة، وفيها أخبر زوجته أنه وصل المدينة قبل يوم من لقائه بمدير المعهد الذي لم يذكر اسمه، وقد اتفق معه على وضع جدول الحصص، والمقررات التي شرع بتدريسها، في المراحل العليا بما مجموعة عشر ساعات في الأسبوع.
كان (الطاهر) قد وصل قسنطينة بالطائرة قادما من العاصمة، وكان الثلج يغطي المطار، وقد وصف قسنطينة بأنها أبرد من العاصمة لكنّ بردها ليس خارقا، والشمس فيها مشرقة، وهي مدينة جبليّة معقّدة الجغرافية حسب وصفه على شكل لم ير له مثيلا، ووصف الناس فيها بأنهم طيبون، وكان لطلبته القدماء الذين درّسهم في بغداد أثر في جعل الأمور طبيعية معه، وقد أخبر الزوجة أن عودته من قسنطينة إلى العراق ستكون في كانون الثاني 1979، وهو يسكن في فندق (سيرتا) الاسم القديم للمدينة كما ذكر، ودلالته بالبونيقية المدينة، وقسنطينة محصّنة بمواقع استراتيجية، ولا سيّما بصخرتها الشهيرة، واسوارها، فهي تأخذ شكل قلعة لا شبيهة لها في العالم، تقع على هضبة بشكل مربع منحرف تنخفض من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.
هذه خلاصة لمضمون الرسالتين الموجزتين، وفيهما أتاح الطاهر لعائلته التواصل معه، ومعرفة شؤون حياته، وماذا كان يعمل، والرسائل، ولا سيّما تلك التي يكتبها الأدباء نوع أدبيّ ذو طبيعة ثقافيّة لما تملك من شعريّة لها شكل الاتصال مع الآخر، فنصوصها تعطي فكرة عن زمن ارسالها، ومكانه، وما فيها من محتوى يحيل على طبيعة ثقافيّة يتقصّدها المرسل كما في رسالتي الطاهر اللتين انفتحتا على رحلة كان الطاهر بطلها….،ورسالتا(الطاهر) يمكن أن نعدّهما خطابا متحوّلا من المعاينة إلى التدوين يتقارب مكانيّا من أنواع أدبيّة أخرى مثل: السيرة، واليوميّات، والمذكّرات، فضلا عن سرديتها، واحتوائها على يوميّات كان الطاهر قد عاشها هناك، وهذا ما يشجع على دراستها دراسة ثقافية تمدّ أذرعها نحو الظواهر الاجتماعيّة، والحياتيّة ،فالدراسات الثقافيّة نشاطٌ خاص معنيٌّ بتقصّي الثقافة في تشكيلاتها، وطرائق اتّصالها بالنصوص، والتشكيلات المختلفة، وهي من نتائج تحوّلات ما بعد الحداثة التي ضربت المركزيّات في عقر دارها، وأدارت الرؤوس نحو هوامش كانت مقصيّة عن التناول والدرس، وهو ما وجدته في الرسالتين، وغيرهما من رسائل الطاهر.
أكاديمي وناقد من العراق
وكيف لايحب الجزائري العراق ومصر وسوريا. في العراق تعلمنا هويتنا وانتماىنا ففيها مولد ابراهيم عليه السلام فيها مركز خلافة سيدنا علي فيها البصرة والكوفة هواها نسيم رئتنا فيها عمالقة اللغة العربية سبويه وغيره من عمالقة اللغة فيها الخلافة العباسية التي انارت الدنيا بالعلوم والفنون وكل المشرق حبنا وهوانا والخاتمة حين سقط العراق سقطنا
العراق فى النفس الجزائرية وجدان لا يمكن وصفه فالناس فى الجزائر يرون الحب والتقدير والاكبار
لكل ما فى العراق منها انتشر العلم فى مختلف الفنون من الشريعة الى الفلسفة الى التصوف حتى ان الجاج
كانوا يزورون بغداد مقام الشخ عبد القادر ومنه جاءت القادرية التى مازالت الى اليوم ان السنوات الاولى للاستقلال
ساهم اهل العراق ومصر بالخصوص بايفاد الاساتذة للتدريس فى الجزائر واستقبلوا الطلبة الى بغداد والقاهرة ودمشق
وقد كان لى الكثير من الاتصالات مع الاساتذة مصريين وعراقيين كان لهم الفضل الكبير فى نشر العلوم والمعرفة والتعليم الازهرى
الذى نحن ممن نهر منه جزاهم الله عنا خير الجزاء ورحمهم الله
هذه حقيقة لا اختلاغ حولها بين الشعب الجزائري و العراقي محبة فطرية و مشاعر نبيلة و صادقة جدا دون اي تكلف .
كنت بصدد الكتابة عن مشاعر كل الأخوة و الأخوات الجزائريين الذين عرفتهم شخصياً او التقيت بهم عابراً او قرأت لهم تجاه العراق و العراقيين ، فوجدت في التعليقات الثلاثة الأولى ما اغناني و كفاني مؤونة الاسترسال لأنها اثبتت المثبت و وضحت الواضح عندي من زمان ليس بالقريب!
كل تعليق منها جاء مطابقاً لما وددت التعبير عنه بل فاقه و جعلني أشعر بالاعتزاز و بمزيد من المحبة لكل جزائري و للجزائر التي استمتع دوماً ان اطلق عليها لقب العملاقة.
مع كل الاعتزاز و المحبة لكل الأخوة في وطننا العربي من الماء إلى الماء، لكن رغم التباعد الجغرافي الشاسع، الا أنني بمنتهى الثقة اقول ان التقارب بين الشخصيتين العراقية و الجزائرية امر مذهل تماماً.
…
معلومة على الهامش:تعرفت لفترة قصيرة على المهندس “لبيد” نجل الدكتور الطاهر رحمه الله في منتصف الثمانينات و كان مثالاً لسمو الأخلاق و الأدب الجم و العلم الغزير، مجسداً نوع التربية التي تلقاها من لدن والده و والدته، وهي قيمة مضافة لسمات و صفات الدكتور جواد وعقيلته رحمهما الله.
زرت الجزائر اكثر من مرة وتأكد لي بالدليل القاطع ان المحبة بين الجزائريين والعراقيين اكبر من ان يصفها مقال.