الجزائر ومسلسل «الماتش يتعاود»!

حجم الخط
35

أمس الأول، الأحد، نشر الموقع الإخباري «كل شيء عن الجزائر» تقريرا لاذعا يهاجم فيه من اعتبرهم مسؤولين عن الخيبة التي مُنيت بها الجزائر في «ملحمة» الكاميرون والحكم الغامبي باكاري غساما.
بالخيبة أقصد الفشل في إقناع الفيفا والمتابعين الأجانب بصوابية الطعن الجزائري والمطالبة بإعادة مباراة التأهل لمونديال قطر. وأقصد تحوّل الموضوع إلى مسلسل يتندر به العقلاء من الجزائريين وغيرهم.
محتوى تقرير الموقع أن الهستيريا التي عاشتها الجزائر منذ المباراة يوم 29 آذار (مارس) الماضي إلى اليوم أساءت لها ولم تنفعها، وكذلك فعل مَن سماهم الانتهازيين الذين قادوا حملات التأثير في الرأي العام وإلهائه بموضوع «كانوا يدركون منذ البداية أنه حُسم».
من عجائب الموقف أن «كل شيء عن الجزائر» ذاته، الذي اكتسب جدية وثقة بين جمهوره، خاض مع الخائضين منذ ليلة إقصاء الفريق الجزائري وكان أحد الذين خصصوا متابعة يومية لـ«الملحمة» مراعيا المزاج الشعبي وأهواء محركي وهم «الماتش يتعاود».
هل يجوز اعتبار هذا التحول بداية توبة من هذا المسلسل غير المشرّف؟
لست متفائلا، لكن بعد هذا الانهيار غير المسبوق الذي وصلنا إليه، أتمنى ذلك صادقا.
المُحزن في الأمر أن البلاد احتاجت إلى قرابة شهر ونصف الشهر، وإلى تهريج كبير أخشى أنه مسَّ بسمعتها ومكانتها، حتى نقرأ مثل تقرير «كل شيء عن الجزائر» وتصل البلاد إلى ما كان واضحا منذ اليوم الأول لا يحتاج إلى أيّ جهد أو عبقرية: الإقصاء من المونديال لا رجعة فيه، وادعاء عكس ذلك مجرد ضحك على ذقون الناس.
لو امتلكت الصحافة الجزائرية جرأة قول الحقيقة وحكمة التحرر من الغوغائية، ولو تركت لصوت العقل والعقلاء مساحة ولو صغيرة، لكُنّا اليوم بالتأكيد في وضع أفضل وسخرية الآخرين منا أقل. كان حالنا سيكون أفضل اليوم لو أن وُجدت في البلاد نُخب على قدر من المسؤولية والعقل يمكّنها من تخفيف الأضرار.

لو امتلكت الصحافة الجزائرية جرأة قول الحقيقة وحكمة التحرر من الغوغائية، ولو تركت لصوت العقل والعقلاء مساحة ولو صغيرة، لكُنّا اليوم بالتأكيد في وضع أفضل وسخرية الآخرين منا أقل

يوم الثلاثاء 5 نيسان (إبريل) الماضي كتبت عن الموضوع في هذه المساحة. نبّهت إلى خطورة التوظيف السياسي للكرة، وإلى خطورة عواقب تحريض الناس على رفض الهزيمة لأغراض بعيدة عن الرياضة تُنمّي فيهم العداوات وكراهية الآخر لأنه انتصر عليهم.
مما قلت أن الجزائر أرادت من فريق كرة القدم ومدربه جمال بلماضي أن يحققا لها ما عجز عنه الحكام والسياسيون، وأن السياسيين انتظروا من بلماضي وفريقه أن يحققا للجزائر ما عجزوا هم عن تحقيقه.
وقلت غير مازح أن المطلوب، بعد الهستيريا الخطيرة التي أصابت البلاد عقب الإقصاء من مونديال قطر، إصدار أمر قضائي أو رئاسي يمنع الحديث علنا في مباراة الجزائر والكاميرون، مثلما تفعل إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالمهمات الأمنية السرية التي ينفذها جيشها وأجهزتها الأمنية.
لسوء الحظ، كانت الهستيريا توحي بالاتجاه نحو نوع من الهدوء عندما خرج بلماضي، بعد أربعة أسابيع من الصمت، ليخوض في نقاش يدرك قبل غيره ألَّا عقل فيه وبالكاد بدأ يهدأ.
بكلامه في قناة اتحاد الكرة الجزائري، أعاد بلماضي النفخ في نار الفتنة، وأحيا وهمًا بدأت تلوح فيه بعض إشارات النهاية.
أما الأخطر من كل هذا، أن بلماضي أصاب بالضربة القاضية رصيده الشخصي والمهني. أساء لسجله كمدرب منضبط ومسؤول وصارم عندما اختار الخوض في موضوع الحكم الغامبي بعد مرور كل ذلك الوقت، وبطريقة «شفته (الحكم) في صالة كبار الزوار بالمطار مسترخيا يشرب اسبريسو وياكل ميلفوي، فقلت له وقال لي» و«أنا لا أدعو إلى قتله، لكن لن نقبل بأن تمر الإساءة لنا مرور الكرام».. إلخ.
مؤسف أن يصدر هذا الكلام من بلماضي بالذات. كان أمامه أحد حلّين بعد الإخفاق في التأهل للمونديال: أن يعتذر من الجزائريين ويستقبل بكرامة، أو يعتذر من الجزائريين ويقرر الاستمرار في مهامه مع خارطة طريق واضحة بأهداف أوضح. وفي كلا الحلّين ما يحفظ كرامته ومكانته. لكنه اختار الالتحاق بجوقة الهستيريا ودغدغة وهم «الماتش يتعاود».
بكلامه هذا لم يقترب بلماضي من المتاعب الإدارية مع الفيفا والهيئات الرياضية الدولية فقط، وإنما وضع نفسه في تماس مع القانون الجنائي بحديثه عن القتل ولو في تلك الصيغة غير الصريحة.
لماذا قال بلماضي ذلك الكلام الخطير بعد كل ذلك الوقت سيبقى لغزا إلى أن يقرر هو كشفه ومصارحة الجزائريين به. النتيجة الأكيدة أن ذلك الكلام كانت له تبعات أبرزها عودة النقاش العقيم للواجهة كأن المباراة لُعبت أمس. ومنها المظاهرة الغوغائية لبعض الجزائريين أمام مقر الفيفا في سويسرا للضغط (زعما) باتجاه «الماتش يتعاود». ومن ثمار ذلك الكلام أيضا كان اشتعال منصات التواصل الاجتماعي وانقضاض مَن يُسمون أنفسهم «مؤثرين» و«صنّاع محتوى» على الفرصة مثل انقضاض النسور الجائعة على فرائسها لكسب مزيد من المشاهدات ومضاعفة المداخيل.
المشكلة في ظاهرها كرة ومونديال، لكنها في الحقيقة أعمق وأخطر. اليوم انتقلت الجزائر إلى مرحلة خسائر ما بعد خسارة التأهل للمونديال.. السمعة والمكانة ومراكمة العنصرية والأحقاد تجاه الكاميرون وإفريقيا وغامبيا والحكم غساما (أصبح واحدا من العائلة!) وثقة الأوساط الرياضية والكروية القارية والعالمية. على مَن اقتادوا الجزائر إلى هذا الشقاء الجمعي أن يتحملوا مسؤولية إنقاذها منه. أقول هذا وكلي ثقة أن السياسة غير بريئة من هذا ويدها حاضرة.

كاتب صحافي جزائري

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن الوليد. ألمانيا. ( تويتر: ibn_al_walid_1@ ):

    أما زالون يتكلمون عن الماتشش

  2. يقول غزاوي:

    مجرد تساؤل.
    لماذا وجدت هيئة تحكيم على مستوى ألفيفا !!!؟؟؟
    وجدت للفصل في النزاعات والتظلمات، وليس كل يرفع نزاعه وتظلمه لهيئة قضائية يربحه. وكثير من الدول لجأت للفيفا، منها مصر والبرازيل خلال نفس التصفيات.
    فلو لم تشكي الجزائر للفيفا لخرج إلينا من قال سكتت الجزائر عن حق الجزائريين.
    دليلي في ذلك، ما جاء في المقال نفسه. حيث “اتهم” الجزائر بعدم القدرة على إقناع ألفيفا بما نصه:
    “بالخيبة أقصد الفشل في إقناع ألفيفا والمتابعين الأجانب بصوابية الطعن الجزائري” انتهى الاقتباس.
    ثم ناقض نفسه ورأى أن اللجوء للفيفا كان “عبثي” بما نصه:
    “كانوا (الجزائريون) يدركون منذ البداية أنه حُسم” انتهى الاقتباس.

  3. يقول Hamid france:

    الماتش یتعاوذ لكن فی العیون !

  4. يقول كريم:

    ما جاء في المقال من إلهاء الشعب الجزائري بموضوع إعادة المباراة ، هو نفس الشيء الذي تقوم به سلطات هذا البلد مع المغرب باتهامه مرة بأن له يد في إقصاء فريقهم ومرة أخرى بإشعال حرائق القبائل ودعم الحراك وحركة الماك وحركة رشاد و… كل ذلك لشغل تفكير الجزائريين بأمور مصطنعة للتغطية على الأوضاع الداخلية.

  5. يقول عبد الرحيم المغربي .:

    ذكرت معلقة محترمة أن الجزائر هي التي جعلت العرب يعرفون الكرة…ولا أدري من أين أتت بهذه المعلومة الفريدة… لأن مصر شاركت في المونديال سنة 1934 وشارك المغرب في مونديال 1970 …ومنذ أواخر الثلاثينات والى بداية الخمسينات ..كان أشهر لاعب كرة قدم في العالم…هو المغربي الحاج العربي بن مبارك الملقب بالجوهرة السوداء وايقونة فريق مرسيليا واتلتيكو مدريد…وقال فيه بليه …لو كانت التلفزة حاضرة في عهد بن مبارك…لما قال أحد بأن بليه ملك الكرة..؛ أما عن موضوع مقابلة الجزائر والكامرون…فلم أستغرب شخصيا مما قيل ولازال يقال لأن هذا من السيناريوهات الجاهزة في حال الإقصاء لشغل الناس عن واقع الأمور..ولكنني تعجبت لانخراط بلماضي في هذه الجوقة…وهو الذي كان من المفروض أن يشرح للناس سبب القصور التقني الذي انطلق منذ مباراة بوركينافاسو. .والذي يتحمل مسؤوليته المباشرة..وكذا عن عدم تركيز لاعبيه أثناء المباراة وغيابهم في العشر ثواني الأخيرة…..خاصة وأن السيد بلماضي يتقاضى أجرة شهرية تفوق أجرة الرئيس الفرنسي بأكثر من ثلاثين مرة…

  6. يقول هيثم:

    شكل إقصاء المنتخب من مونديال قطر صدمة مريرة لدى الشعب الجزائري عموما خاصة و أن الفريق كان متأهلا قبيل دقيقة واحدة من نهاية المباراة. غابت الحكمة وتعطل العقل لأن النظام العسكري السياسي وظف لعبة الكرة للإلهاء و التضليل. رأينا و سمعنا ما لا حصر له من التصريحات البلهاء التي تكيل اتهامات التآمر للجميع : للحكم و الكاف والفيفا و اتحادية الكاميرون و المغاربة بما فيهم الفكاهي جمال الدبوز. زادت تصريحات بالماضي حول التحكيم الأفريقي الأمر سوءا و اعتبرها الأفارقة و بعض المحللين الموضوعيين عنصرية مقيتة و تهديدات خطيرة للحكام الذين يكلفون مستقبلا بإدارة المقابلات في الجزائر. كثيرون قاموا بتقديس هذا المدرب لأنه حقق بطولة أفريقيا سنة 2019 لأن الفريق يضم نخبة من اللاعبين المتميزين المهرة الذين تكونوا أساسا في أوروبا باستثناء اللاعب سليماني. هذا المدرب لن يكون أبدا من طينة غوارديولا أو أنسلوتي أو كرويف أو ديل بوسكي و عندما كان لاعبا لم يصل أبدا إلى مستوى اللاعبين الجزائريين المرموقين مثل المخلوفي و لالماس و بلومي وماجر و محرز. خسر رهان كأس أفريقيا الأخيرة و رهان التأهل. أما عن الملف الصلب و القوي لإعادة المباراة فقد كان واضحا منذ البداية أن حبل التضليل قصير مثل حبل الكذب.

  7. يقول NADJIB FRANCE:

    كل شئ موتق ومصور والجزائرين سيحتفضون بكل ما حدت في الارشيف حتي لن تعاد هده المهازل مرة اخري وتحميل مسؤلية الضلم الدي تعرض له المنتخب لي الإعلام الجزائري والكلام عن سخرية الاخرين من الجزائر ..كلام عقيم يحمل المضلوم المسؤولية بي طريقة رديئة .فقد سبق للجزائر ان تعرضت لي التأمر سنة 1982 في كأس العالم وكانت البلد الوحيد في تاريخ كرة القدم الدي يفوز بي مبارتين ويخسر مبارة وحيدة ولم يتأهل وهو يملك6 نقاط من9 نقاط ..لكن بعد سنين التاريخ انصف الجزائر ..كل الدنيا تعرف انا الجمهور الجزائري له خاصية وميزة وانا الاعب الجزائري لاعب موهوب وله حماسة ومزاج المنتصرين لي دالك ..فاز المنتخب بي كأس افريقيا وكأس العرب وسجل رقم قياسي في عدد المباريات دون هزيمة مناصفة مع البرازيل واسبانيا ولم يتفوق عليه سوي المنتخب الإيطالي . هاكذا يسجل التاريخ ..تلاتة سنوات دون هزيمة في 35 مقابة والشتاء القادم سيدهب اللمنتخب للفوز بي الكأس الافريقية بي كوت ديفوار لي قنص النجمة التالتة بي حول الله

    1. يقول لطفي:

      يا سي نجيب نحن في 2022 من القرن 21 ولسنا في 1982 من القرن 20.!! في سنة 1966 فازت انجلترا بكأس العالم أمام ألمانيا 4-2 وكان هدف الفوز بكرة لم تتجاوز خط مرمى الفريق الألماني. ولم نسمع ألمانيا قالت انذاك أن الحكم مرتشي أو أن الفكاهي الانجليزي شارلي شابلن قام بالتوسط لدى الحكم ليمنح كأس العالم للانجليز.!! فقط المدمنون على أحلام اليقظة من يرى أن العالم كله يتآمر عليهم! ومستعدون لحرب أهلية من أجل المشاركة في مونديال قطر!!

  8. يقول Ahcene Moumeni:

    اهتم العرب بالجلد المنفوخ اهتماما أكثر من قضايا هم المصيرية

  9. يقول عبد الله:

    لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

  10. يقول خسارة الرهان 1_2_3:

    العسكر تعذر عليه الانتصار في الميدان وفي الكاف وفي الفيفا فخسر ثلاث مرات الرهان

1 2 3

إشترك في قائمتنا البريدية