لم يقل القيادي في جماعة الإخوان المسلمين، د. حلمي الجزار، إن جماعته تؤيد المرشح الرئاسي المحتمل أحمد الطنطاوي، لكن الأبواق الإعلامية في القاهرة، قولته ما لم يقل، بغية استخدام ما نسبوه إليه للنيل من المرشح المحتمل وشيطنته!
القيادة الجديدة للإخوان مقلة في الظهور الإعلامي، وفي أي ظهور من أي نوع، فلم نشاهدهم حتى في أي مناسبة، ولو في تشييع متوف إلى مثواه الأخير، وهي تؤمن أن الكلام إذا كان من فضة فإن السكوت من ذهب، وقد وسطت إخوانيا لمقابلة مع صلاح عبد الحق، القائم الجديد بأعمال المرشد، لا لكي أساله في الحاضر، فلدي أسئلة في الماضي تحتاج إلى إجابات، لاسيما في ما يختص بملف الأستاذ سيد قطب، وقد تبين أن الرجل من معاصريه، ومن الذين كانوا معه في سجنه، لكن الوسيط مع إخوانيته عاد إلى «قفاه يقمر عيش»، فالرجل الصامت منذ محنة 1965، لن يبذل مجهوداً في أن يمارس الصمت للنهاية، كما صمت غيره!
في بداية التسعينيات أجريت مقابلات مع قيادات عاصرت هذه المرحلة، مثل مصطفى مشهور، لكنه لم يجب على شيء، يقولون إن صمته كان نافعاً له في تحقيقات النيابة، فكان مزعجاً لهذه الصفة لأجهزة التحقيق، ويبدو أنه تعامل معي على هذا الأساس، فلم يميز بين وكيل نيابة وصحافي، يوشك جانباً كبيراً من تاريخ الجماعة أن يتم تجاوزه كلية، لوفاة الشهود، ولهذا فإن آخرين أنصفوا الجماعة أكثر مما أنصفتها قياداتها المتدربة على الصمت، وليس هذا هو الموضوع! فالموضوع هو هذا الحوار الذي أجراه د. أحمد عطوان مع الجزار، وبثته قناة «الشرق» ، واستغل القوم في القاهرة، أن مشاهديهم قد لا يكونوا طالعوه، ومن ثم تم تزوير كلامه، والتأكيد على أنه أفصح فيه عن أن الجماعة تقف خلف أحمد الطنطاوي، ولم يكن هذا صحيحاً، والصحيح أن الإخوان محظوظون بخصومهم، الذين يحرصون على الترويج أن الجماعة لا تزال قوية، ومن هنا وجب التحذير منها، ولأن الطنطاوي، ليس مرشحاً صورياً، فلا بد من طعنه في مقتل، بالإيعاز أنه مرشح الإخوان، بما يمثلوه من خطر داهم على مصر والمنطقة والمناطق المجاورة، ليستمروا رقماً صحيحاً في المعادلة السياسية المصرية، مع هذا التغييب القسري، ومع هذه القيادات الصامتة، التي تذكرنا بمصطلح «الحوزة الصامتة»، الذي أطلقته المرجعية الإيرانية في «قم» على «حوزة النجف» في عهد صدام حسين، لكن هذه الحوزة نطقت باحتلال العراق، ورأينا لأول المرة السيستاني وقد ذاع صتيه وانفكت عقدة لسانه. وكأننا بحاجة إلى قارعة لتنطق «حوزة الإخوان»!
يقولون: «أول الغيث قطرة ثم ينهمر»، وقد تكون مقابلة عطوان، هي البداية، للتخلي عن الحذر، والنقش على الحجر، والوقوف على أن تاريخك، إن لم تذكره كتبه خصمك، وإن أخطاء التاريخ يُعتذر عنها، لا أن يتم تجاهلها وكأنها لم تحدث، ألم يعيد الخصوم ويزيدوا في أن الإمام البنا صناعة بريطانية، وأن دعماً قدم من هيئة قناة السويس تحت إدارة المحتل له؟ ولم أعثر عن دفاع من الجماعة لهذا الاتهام الشنيع، وعندما سألت أحدهما لا أدري إن كان المرشد العام وقتئذ الشيخ حامد أبو النصر، أو مصطفى مشهور، كانت الإجابة يحال لإجابة السؤال السابق، ولم يكن في إجابته أي إشارة لذلك، لكن في مذكرات «عثمان أحمد عثمان» تفسير لهذه الرواية المستقرة في كتب الخصوم ودراسات الباحثين، ولن نستطرد في هذا طويلاً حتى لا نخرج عن الاختصاص الوظيفي لهذه الزاوية!
شيخوخة قبل الأوان للنظام
لقد أقامت الأبواق الإعلامية في القاهرة الدنيا وأقعدتها، بدعوى أن حديث «الجزار» لـ «عطوان»، أكد أن الجماعة تقف خلف المرشح الشاب الطنطاوي بـ «الباع والذراع»، فعشر سنوات من السجن، والتنكيل، والتهجير، لم تكف لأن يتجاوز الحكم العسكري «عقدة الإخوان»!
وإذ أجرت قناة «دي أم سي» مقابلة مع المرشح الرئاسي المحتمل فريد زهران، فقد كشفت أجواء الحوار عن شيخوخة حكم، شاخ قبل الأوان، وعندما أطلق محمد حسنين هيكل مقولته «أزمة حكم شاخ في موقعه» في خطابه الذي توجه به للجمعية العمومية لنقابة الصحافيين المنعقدة ضد قانون تكميم الصحافة، كان هذا بعد أربعة عشر عاماً من حكم مبارك (1981- 1995)، وقد سبقتها مقولة «لا أعرف من يحكم مصر الآن»؟!
فبعد إجراء الحوار مع زهران، تم الإعلان عن أنه لن يذاع، ثم قيل إنه سيراجع عبر الشركة المتحدة المالكة للقناة، ولمعظم القنوات التلفزيونية، وهذا يجعلنا أمام واحدة من الإشكاليات التي تواجه مصر الآن، فإذا طالبت الهيئة العليا للانتخابات وسائل الإعلام بالحياد بين المرشحين، فإن قرارها ينصب على المؤسسات الإعلامية المملوكة للدولة (ماسبيرو)، أو المؤسسات الصحافية القومية، لكنه لن ينطبق على ترسانة القنوات، والصحف، والمواقع الإلكترونية، والمحطات الإذاعية، المملوكة للشركة المتحدة، لأنها على الورق شركات مملوكة للأشخاص الطبيعيين والاعتباريين، في حين أنها مملوكة واقعياً للأجهزة الأمنية!
في أجواء طبيعية فإن القول إن المقابلة لن تذاع إلا بعد مراجعة الشركة المتحدة لها، يمثل فضيحة مدوية، لكن لا شيء في قاهرة المعز يثير الدهشة، أو يدعو للاستغراب، فالمقابلة لم تكن على الهواء، ولم تذع في اليوم التالي، وإنما تركت للمراجعة الدقيقة، وقد شاهدت عبر إحدى المنصات جانباً منها ولا أعرف إن كانت قد أذيعت فعلاً على الشاشة، أم أن ما أذيع هو تسريبات لها؟
ومهما يكن الأمر، فقد وجدت المذيع العائد للشاشة حديثاً يتقمص دور ضابط المباحث، فهو يقاطع قبل اكتمال الفكرة، ويسأل قبل انتهاء الإجابة، ويعلق قبل أن تصبح الجملة صحيحة، مع رجاء فريد زهران أن يتركه يُكمل جملته، ويستسمحه في دقائق لينتهي من الإجابة، وكان من بين الأسئلة موقفه من الإخوان؟!
يا إلهي، لا يزال الإخوان يمثلون شوكة في زور النظام بعد أن استتب له الحكم بعشر سنوات، وبعد ثماني سنوات من التوقف التام عن الفعل، منذ أن صدر قرار التنظيم بفض اعتصام المطرية في عام 2015، وإذا كان أولو الأمر منهم في القاهرة قد وضعوا شروطاً للأتراك قبل المصالحة، وعليه تم وقف بعض البرامج في قناتي «الشرق» و»مكملين»، تم الاحتجاج عليها، وغادرت القناة الأخيرة الى مدينة الضباب، فإن اعتراضاً واحداً على قناة الإخوان «وطن» لم يصدر، فلم يتم الاحتجاج، ولو على برنامج واحد، أو مذيع واحد!
ومع هذا الغياب، إلا أنهم يستدعون التنظيم فزاعة في الانتخابات الرئاسية!
بين زهران والطنطاوي
فريد زهران شيوعي قديم، من جيل السبعينيات، الذي تمرد على حكم السادات، وهو ابن سعد زهران، أحد أعيان اليسار في مصر، وقد انتهت معظم شعارات اليسار مع الوقت، ولم يبق عندهم سوى العداء للرجعية الدينية، وقد حصروها في جماعة الإخوان، ومن ثم نفى زهران الاتهام، وأعلن استمرار العداء للجماعة، لكن طنطاوي كان مختلفاً مع ناصريته!
إلى الآن لم تستضف قناة تلفزيونية مصرية واحدة أحمد الطنطاوي، لكنهم استضافوا عبد السند يمامة، رئيس حزب الوفد على الرحب والسعة، وعمرو أديب استضافه على الهواء مباشرة، ومعلوم للكافة أنه يقوم بدور حمدين صباحي في انتخابات 2014، وموسى مصطفى موسى في انتخابات 2018، والرجل صريح مع نفسه، فهو يخوض الانتخابات مؤيداً للسيسي، وليس منافسا له، وقد قبل أن يكون أداة لاستكمال الشكل!
ورغم المراجعة والمقاطعة، فربما رأى أهل الحكم أن فريد زهران أقل خطراً، فلم يمكنهم حتى التمثيل باستضافة الطنطاوي، ولو على قواعد استضافة زهران؛ مقاطعة ومراجعة!
الإعلام البديل قام بالغرض، فالمنصة استضافت الطنطاوي وواجهته بالسؤال، فلم يقبل مع ناصريته ابتزازه وإعلان العداء للإخوان، وقال إنه ضد استئصال تيار بأكمله، وأن القانون يحدد المخالف له، وليس شخص الرئيس، ولا توجد قاعدة بيانات بأسماء الإخوان، وأنه لا يمكن أن يساير أجهزة الأمن، لأن المحاكم لم تسايرها، وأن من المعتقلين من أنصاره، وأقاربه، تم توجيه الاتهام لهم بأنهم إخوان!
أعتقد أن من شاهدوا حوار الطنطاوي عبر المنصة أكثر ممن شاهدوا قناة «دي إم سي» في عام. تذكرون أن اسم الشهرة لها «قناة المخابرات»!
كم من الوقت يحتاج النظام الحاكم في مصر ليتوقف الحديث عن البعبع الإخواني؟!
صحافي من مصر