ثمّة ارتياحٌ في صفوف الحزب الجمهوري، على بُعد أسبوعين من الاستحقاق الكبير. هكذا كان حالهم قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2016. فحين كانت استطلاعات الرأي تُشير إلى تفوُّق مرشحة الحزب الديموقراطي هيلاري كلينتون على المرشح الجمهوري دونالد ترامب على المستوى الوطني، كانوا هم يقرأون المشهد من خلال رصدهم مزاج الناخبين في الولايات المتأرجحة إزاء رؤية المرشحين المتنافسين من الملفات التي تهمهم، والمرتبطة أساساً بعيشهم وأمنهم، حيث كان يَصبُّ في مصلحة ترامب، وقد فاز.
اليوم يتكرَّر الأمر ثانية. الاستطلاعات على المستوى الوطني تُؤشِّر إلى فارق يصل إلى 9.2 نقاط لمصلحة المرشح الديموقراطي جو بايدن، فيما المتابعون الجمهوريون يحللون واقع كل ولاية على حدة من الولايات المتأرجحة التي تُشكِّل ساحات المعركة وستكون لها الكلمة الفصل. فولايات: نورث كارولينا، فلوريدا، أوهايو، بنسلفانيا، سكانسن، أريزونا، ميتشغان، نيفادا، مينيسوتا، أيوا، ونيوهامشير هي الولايات غير المحسومة الميول الانتخابية لصالح أي من الحزبين الرئيسيين، وتلعب الدور المؤثر في ترجيح كفة الفائز الذي عليه تأمين 270 صوتاً من أصل 538 صوتاً من الكلية الانتخابية، كون أنّ لكل ولاية عدداً من “الأصوات الانتخابية” التي تعتمد على عدد السكان فيها. وحين يفوز المرشح بنسبة 51% من التصويت الشعبي في الولاية، يحصد أصواتها الانتخابية.
فلوريدا، التي تملك 29 صوتاً انتخابياً، كانت استطلاعات الرأي فيها عام 2016 تؤشر إلى أنها ستذهب لصالح كلينتون، فجاءت النتائج معاكسة، واليوم تؤشر الاستطلاعات أنها ستصبّ لصالح بايدن، لكن توقعات المتابعين في صفوف الجمهوريين ترى غير ذلك. يقول مدير التحالف الشرق أوسطي للديموقراطية طوم حرب إن ترامب حاز في الانتخابات الماضية على نسبة 26 في المئة من أصوات الناخبين من أصل لاتيني في فلوريدا، وهي ولايته الانتخابية. اليوم يتوقع أن يفوز بنسبة توفق الأربعين في المئة من أصوات اللاتين. فبعد المناظرة التلفزيونية الأولى (الوحيدة حتى الآن) التي جرت بين ترامب وبايدن، رأى 66 في المئة في استفتاء أجرته محطة “تلموندو” اللاتينية أن أداء ترامب كان أفضل من منافسه.
يَعتبرُ حرب أن الكتلتين الناخبتين من اللاتين والسود ستعطيان أصواتهما بشكل أكبر لترامب في هذه الانتخابات من المرَّة السابقة بعدما لمستا تحوّلات كبيرة في حياتهما المعيشية، واختبرتا أن الرجل أَوْفَى بما تعهَّد به في برنامجه الانتخابي في الولاية الأولى. يروي أن رئيس شركة المنتوجات الغذائية “غويا” شَكَـرَ الرئيس لما قدَّمه للاتين، مما حدا بمناهضي ترامب إلى الدعوة لمقاطعة منتوجات “غويا”، الأمر الذي أثار حفيظة الناس الذين تهافتوا على شراء تلك المنتوجات في إشارة معبّرة عن توجهات الشارع عموماً. هذه قد تكون أحداث صغيرة لكنها مهمّة على مستوى مزاج كل ولاية التي لديها خصوصياتها، والتي لا بدَّ من مراقبتها. ونورث كارولينا، التي لديها 15 صوتاً انتخابياً، أظهرت تقدماً لمصلحة ترامب، والتوقعات أن يحصل فيها المرشح الجمهوري على هامش أكبر من الأصوات التي فاز بها في 2016.
عامل الناخبين الأمريكيين من أصل أفريقي مؤثر. مزاج السود، من وجهة نظر الجمهوريين، قد تبدَّلَ بنسبة كبيرة. هؤلاء كانوا على الدوام يُستخدمون كورقة من قبل الديموقراطيين قبيل كل انتخابات. حين حصلتْ حادثة مقتل المواطن الأسود جورج فلويد في مينابوليس على يد الشرطي الأبيض في ولاية مينيسوتا، وهي من الولايات المتأرجحة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، أدرج الجمهوريون تسليط الضوء على هذه الحادثة في خانة الاستغلال الانتخابي، بعدما شعر الديموقراطيون بتحوُّلات في توجهات السود الذين عادة ما ينحازون إلى الديموقراطيين الليبراليين، والذين خرج من صفوفهم رئيس أسود للمرة الأولى في تاريخ أمريكا.
ترامب أولى إصلاح نظام العدالة الجنائية اهتماماً كان متوقعاً أن يحصل في عهد أوباما كونه يمسُّ الأمريكيين السود بشكل رئيسي. أُحرزت خطوات متقدمة في عهد الرئيس الأبيض ترامب في ملف السجون. وعندما اتُّهم بإحداث انقسام في المجتمع الأمريكي بعد حادثة مينابوليس، خرج من باب إصلاح نظام العدالة الجنائية، وخفَّض معدلات البطالة والجريمة، ليقول “إن ما قدَّمَـتْه إدارته لمجتمع السود بأمريكا، أكثر مما قدَّمه أي رئيس آخر منذ أبراهام لينكولن”. وفي رأي الجمهوريين أن ترامب الذي حصل في 2018 على نسبة 8 في المئة من أصوات السود، سيحصل هذه المرة على قرابة 20 في المئة.
ولاية بنسلفانيا سجَّلت، وفق تحليل اتجاهات تسجيل الناخبين، زيادة ملحوظة لمصلحة الجمهوريين، فاز بها ترامب في 2016 بعكس التوقعات، ويتوقع أن يُعيدَ الكرّة ثانية، خصوصاً أن هذه الولاية تُعرب عن قلقها من توجهات نائبة المرشح الديموقراطي كامالا هاريس المعارضة بقوة لاستخراج الغاز الصخري. وحال ولاية ميشيغان، سيكون شبيهاً بحال 2016، حيث ستعطي المدن بايدن، والضواحي والأرياف ترامب.
يقول حرب إن ترامب نجح في خفض الضرائب التي استفادت منها شريحة اجتماعية من ذوي الدخل المحدود والذين زادت مداخيلهم بنسبة 30 في المئة. وقام بمشروع تطوير المناطق الشعبية الذي يُحسِّن البيئات الفقيرة، وأنجز إصلاحات فعلية في ما يعرف بـ”إصلاح السجون”، حتى إن البورصة التي تراجعت في الأشهر السابقة عادت إلى مستويات عالية، وهذه كلها عوامل يشعر بها المواطن الأمريكي العادي وتهمه وستؤثّر في الانتخابات.
شخصية ترامب لا تشبه شخصيات رؤساء الجمهورية للدولة العظمى، لكن الأمريكيين باتوا يألفون تصرفاته غير المتوقعة وكلامه الصريح. حصد تعاطفاً بعد إصابته بكوفيد – 19 وحماسته لطلب معالجته بالأدوية التجريبية. وفيما يأخذ عليه الديموقراطيون أنه لم يتعامل مع وباء كورونا بالشكل المناسب، يرى كثيرون في المقابل أنه حتى أداء الولايات التي حكّامها جمهوريون كان أفضل من الولايات التي حكّامها ديموقراطيون.
الأمريكيون يصوتون لمن يُوفِّر لهم حياة أكثر رفاهية وأكثر أمناً. الاقتصاد والأمن يأتيان أولاً، والسياسة الخارجية تُساعد في تحديد الاتجاهات، كما الحروب التي لا يستهويها الرجل الساكن في “البيت الأبيض” اليوم. استطلاعات الرأي أخفقت في 2016، وقد تُخفق ثانية في تحديد مَن سيكون الرئيس المقبل لأمريكا. وتبقى الكلمة الفصل للصناديق.