لاهاي: وافقت المحكمة الجنائية الدولية على طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال 24 يوما فقط، بينما لم تبت منذ أكثر من 5 أشهر في طلب إصدار مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت.
إسرائيل وحلفاؤها يضعون العصي في عجلات مكتب المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، لثني المحكمة عن إصدار مذكرة اعتقال بحق نتنياهو وغالانت وثلاثة من قادة حركة حماس.
وفي 20 مايو/ أيار الماضي، طلب خان إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت؛ لمسؤوليتهما عن “جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية” ارتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
كما طلب خان مرة أخرى في أغسطس/ آب الماضي من الجنائية الدولية سرعة إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.
وبدعم أمريكي، تشن إسرائيل منذ 7 أكتوبر 2023، حرب إبادة جماعية على غزة خلّفت أكثر من 144 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.
وتواصل تل أبيب الإبادة الجماعية في غزة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بوقفها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية باتخاذ تدابير لمنع وقوع أعمال إبادة جماعية، وتحسين الوضع الإنساني المزري في القطاع.
في 25 أكتوبر الجاري، أعلنت الجنائية الدولية استبدال قاضية من المكلفين باتخاذ قرار في طلب خان بحق نتنياهو وغالانت لـ”أسباب صحية”، وهو ما رجحت القناة الـ”12″ العبرية الخاصة أن يؤدي إلى تأخير إضافي في صدور القرار.
المحكمة الجنائية الدولية فشلت لسنوات في إكمال تحقيقاتها في قضية فلسطين، وتعرضت لأنشطة تجسس ومراقبة من قبل المخابرات الإسرائيلية الموساد لمدة 9 سنوات.
وفي 28 مايو الماضي، نشرت صحيفة الغارديان البريطانية، تحقيقا أكدت فيه أن الموساد تجسس على المدعية السابقة للجنائية الدولية فاتو بنسودا التي شغلت المنصب بين عامي 2012 و2021، وهددها من أجل دفعها للعمل لمصلحة إسرائيل.
وإثر طلب المدعي العام للجنائية الدولية كريم خان، إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغالانت، انتشرت بحقه مزاعم تتهمه بالتحرش بزميلة في العمل، حيث نفى صحة تلك المزاعم عبر منصة “إكس” مؤكدا أنها غير حقيقية، وقال “عملت في سياقات متنوعة لمدة 30 عاما ولم يسبق لأحد أن قدم مثل هذه الشكوى ضدي”.
وشدد على أنه سيقدم مزيدا من المعلومات للمحققين المستقلين إذا طُلب منه ذلك، لافتا إلى أن الاتهامات تأتي في وقت يتعرض فيه والمحكمة الجنائية إلى سلسلة من التهديدات.
بالإضافة إلى ذلك، أعلنت رئيسة الغرفة التمهيدية الأولى القاضية جوليا موتوك، المسؤولة عن النظر في طلب إصدار مذكرة اعتقال ضد نتنياهو، استقالتها من منصبها “لأسباب صحية وضرورة حماية حسن سير العدالة”.
وذكر قرار لرئاسة الجنائية الدولية، أن القاضية موتوك تريد الانسحاب من الغرفة الأولى لأسباب صحية في 25 أكتوبر 2024، كما أفاد بتعيين القاضي السلوفيني بيتي هوهلر، بدلاً من موتوك.
خبير القانون الدولي الدكتور أويسو أويسو، قال في منشور عبر حسابه على منصة إكس: “بينما ينتظر العالم أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بشأن فلسطين (الطلب الذي تم تقديمه قبل 5 أشهر)، فإن حقيقة انسحاب الرئيسة القاضية جوليا موتوك، التي ترأست القضية، تشير إلى أن العملية ستستغرق وقتا أطول”.
وقال مدير مكتب مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان السابق في نيويورك، كريغ مخيبر، في بيان عبر حسابه على منصة إكس: “في مواجهة حملة الضغط المستمرة من إسرائيل والغرب، اللافت أن القاضية موتوك، التي ترأست قضيتي نتنياهو/ غالانت، انسحبت فجأة لأسباب صحية غير محددة وتم استبدالها بالقاضي هوهلر”.
وذكر مخيبر أنه قبل انضمام القاضي هوهلر إلى المحكمة الجنائية الدولية، “قال إنه ينبغي محاكمة المسؤولين الإسرائيليين في المحاكم المحلية الإسرائيلية، وليس في المحكمة الجنائية الدولية، لأن إسرائيل لديها محكمة عليا تحظى باحترام عام ونظام قانوني يعمل بشكل جيد”.
وتابع مخيبر: “توقعوا مزيدا من التأخير ومزيدا من المماطلة”.
وبالنظر إلى التقدم الذي أحرزته المحكمة الجنائية الدولية في التحقيق الأوكراني وأوامر الاعتقال التي أصدرتها بحق 6 مسؤولين روس، بينهم بوتين، في 17 مارس/ آذار 2023، يبدو أن التأخير في التحقيق الإسرائيلي لا يعتبر طبيعيا.
وكذلك، ففي حين صدر قرار باعتقال معمر القذافي بليبيا في يونيو/ حزيران 2011، بعد ثلاثة أشهر فقط من طلب مجلس الأمن، يلفت الانتباه أنه على الرغم من الجرائم في غزة، لم يتم قبول أي طلب اعتقال ولم تُفتح أي دعوى قضائية ضد أي إسرائيلي منذ 2019.
ومن الواضح أن التأخير في التحقيق بأي قضية تتعلق بفلسطين، يستمر بشكل ممنهج لسنوات طويلة.
ففي 16 يناير/ كانون الثاني 2015، أعلنت المدعية العامة السابقة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، بدء تحقيق أولي للوضع في فلسطين.
ورغم إعلانها في ديسمبر/ كانون الأول 2019، استيفاء المعايير اللازمة للتحقيق، طلبت بنسودا رأي الدائرة التمهيدية لتعيين حدود الأراضي الفلسطينية وفي أي منها يمكن للمحكمة أن تنظر في الجرائم المرتكبة فيها.
ومع انخراط العديد من دول المحكمة الجنائية الدولية ومنظمات المجتمع المدني في إبداء الرأي الذي استغرق نحو عامين، اكتمل التحقيق الأولي، وأعلنت المدعية العامة رسمياً في 3 مارس/ آذار 2021، بدء التحقيق في الوضع بفلسطين.
وهناك عامل آخر يؤثر في عملية تحقيق الجنائية الدولية وهو التهديدات والضغوط المباشرة التي تمارسها الولايات المتحدة على المحكمة.
إذ حذر نواب في مجلس الشيوخ الأمريكي من فرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية إذا أصدرت مذكرة اعتقال بحق مسؤولين إسرائيليين.
وهذه التهديدات ليست الأولى في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية، إذ منعت الولايات المتحدة المدعية العامة السابقة بنسودا ونائبيها من دخول البلاد وجمدت أصولهم أثناء إجراء تحقيقات بشأن أفغانستان.
وذكرت وسائل إعلام عالمية أن يوسي كوهين، الرئيس السابق للموساد الإسرائيلي، عقد اجتماعات سرية مع المدعية العامة السابقة للجنائية الدولية قبل بدء التحقيق ضد إسرائيل وهددها بثنيها عن ذلك.
وبحسب صحيفة الغارديان البريطانية، فإن بنسودا أطلقت تحقيقا في 2021 على أساس أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الأراضي الفلسطينية.
(الأناضول)