صدرت مؤخرا رواية الكاتبة اللبنانية كاتيا الطويل بعنوان «الجنة أجمل من بعيد» وهي الرواية الثانية للطويل عن دار هاشيت – أنطوان من بعد «السماء تهرب كل يوم» (2015).
تقول الطويل عن عملها، إنه لعبة سردية عبثية تنقلب فيها الأدوار، فالكاتبة التي هي عموماً خالق كلي العلم والمعرفة، تتحول إلى قارئة لا تكتب ولا تتدخل بالسرد، بينما الشخصية التي يجب أن تتبع النص تتحول إلى كاتبة تعمل على ابتكار فضاء سردي ملائم لرواية. وبينما يظن القارئ أنه خارج هذا الصراع الروائي يتحول هو الآخر إلى شخصية داخل النص، لا بد من أن يقدم آراء واقتراحات لتتطور الأحداث.
وتعتمد الطويل في نصها الشخصية الواحدة المتحدثة بصيغة المتكلم «أنا» لكن الرواية تمتلك بدايات متعددة في إطارات زمانية ومكانية مختلفة، فتنتقل الأحداث من بيروت إلى باريس فموسكو، تنتقل من القرن العشرين إلى القرن الحادي والعشرين، ثم تعود فجأة إلى عصر الكاتب الروسي الرائع نيكولاي غوغول في ست بدايات فاشلة، تمثل برمزية إيحائية أيام الخلق الست. ولا تخشى الطويل الدخول في متاهات الأدب العريق، فنراها تستحضر في نصها شخصيات معروفة من روايات أخرى لتساعدها في وضع رواية، كمثل «أنا كارنينا» و»فاوست» وجولييت شكسبير وشهرزاد العرب وغيرهم. وتختار الطويل أن تبدأ عملها ببيت شعر ينتمي إلى أدب الحكمة، ويمثل حال شخصيات الروايات والإنسان بشكل عام، فهذا البيت الذي نظمه أحمد بن فارس يقول: «مشيناها خُطًى كُتِبت علينا/ ومن كُتِبَت عليه خطًى مشاها» بإشارة من الطويل إلى النزعة التسييرية أو الحتمية في الوجود، واتباع الإنسان لما هو مكتوب عليه منذ الأزل.
وبين كاتبة مهزومة مستقيلة من عملها، وشخصية محتارة لا تتقن الكتابة والتأليف، تقدم كاتيا الطويل روايتها الثانية بأسلوب كتابة سريع، لا تتخطى فيه الجملة الكلمات المعدودة، ليعكس هذا النمط الكتابي أسلوب ألبير كامو المعروف باسم «تقنية الكتابة البيضاء».
ومن المكتوب على الصفحة الأخيرة من الرواية:
«نعتذر منكم سلفاً وقبل أن تبدأوا قراءة هذه الرواية. نعتذر لأن هذه الرواية البائسة ليست رواية عموماً. الكاتبة هنا مزاجية، قررت ألا تُنهي عملها وتركت شخصيتها في منتصف السرد، أو ربما نسيتها، لا ندري.
الكاتبة مهملة، للأسف، والشخصية محتارة.. لا تعلم ما تفعل بنفسها.. وأنتم أيها القراء المغضوب عليهم، صرتم العنصر المكمل لهذا الثالوث المفلس، ولا حول لكم ولا قوة».