ارتبطت مفردة (الجنس) في اللغة العربية وعلومها بالمنطق والفلسفة، وقبل ذلك بالنحو والفقه وعلوم الأصول والعقائد والحديث.
ولا تُطلق هذه المفردة؛ إلا على الشيء الذي له أمارات الاستقلال وصفات بها تتحدد سمات التصنيف، التي تجعله منتميا وجوديا إلى شيء مثله يضاهيه وينضوي في زمرته ويندرج في خاناته ليكون موصوفا به ظاهرا وباطنا.
وسواء استعملنا (ال) التعريف أو لم نستعملها يظل الجنس وصفًا لكل اسم معروف بانتمائه إلى شيء هو من جنسه موصوف به، ومحدد الشكل واللون والصورة والمقاس، غير أن إضافة التعريف إليه ستخصصه وتجعله مستقلا عن الشيء الذي ينتمي إليه، فتزول عنه عند ذاك عموميته، ويصير محددا وليس مجهولا، فعندما نقول (شجرة) فإننا نعني هذا الشيء الذي يكون مثلها بجذر وساق وفروع، هي أغصان وأوراق وثمار، لكننا إذا قلنا (رشجة او رجشة أو جرشة أو شرجة) لزال عنها تعريفها، وصارت شيئا مبهما لا جنس لها يضاهيها. وهذا يعني أن الشيء يكون مبهما، إذا لم يكن له مثيل هو جنس منه موجود دال عليه ومتجانس معه، يحاكيه ويشابهه منتميا إليه. وقد اتفق ابن فارس وابن منظور على أنّ الجنس هو الضرب من كل شيء. والضرب نمط أو نسق، وهو غير النوع الذي هو محصور، بعكس الجنس الذي هو عائم بعموم ما في اللغة من مفردات، تتولد كأنواع تنتمي إلى أجناس، فيها التشابه وارد وممكن بقدر ماهية الأشياء المتولدة عنها. وعادة ما يكون التعارض والتغاير فيها أقل من المشابهة والمماثلة، إذ مهما تكن الأنواع من الكثرة والاختلاف؛ فإن الأجناس تظل هي الأكثر.
ونحويا أضيفت الى كلمة الجنس حمولة دلالية جديدة تتعلق بلا النافية للجنس، التي تعمل عمل إنَّ وأنَّ في دلالة التوكيد للمبتدأ والخبر، حتى إذا دخلت لا النافية للجنس على الاسم المبتدأ اثبتت انتماءه إلى جنس يشابهه ونفت عنه انتماءه إلى غيره، هو خبرها الذي سيكون من جنس آخر، كما في قولنا (لا طالب في الصف)، فالطالب جنس والصف جنس آخر، ودلالة النفي تخصصت في الاول دون الثاني، ليكون بائن الشيئية وقد تأكدت جنسيته وتحددت هويته، فلا يشترك معه ما لا يماثله من الأسماء والأجناس الأخرى. وهذا الحال سيان مع الأسماء جميعا مفردة أو مثناة أو مجموعة. والمتحصل أن العرب لم تستعمل لفظة الجنس خارج هذا الإطار الدال والمؤكد لماهية الشيء نكرة كان أو معرفة.
أما دلالة اللفظة على التمييز الجنوسي للأحياء ما بين ذكور وإناث، وكذلك التوصيفات الاشتقاقية مثل (الجنسية، الجنسي، الجنوسي) التي تدلل على معاني التكاثر والتناسل، فإن العرب استعملت مفردات أكثر مجازية مثل النكاح والسفود والمواقعة والدخول. ولم ترد في اللغة العربية كلمة الجنس بالدلالات الحسية التي لها صلة بالجسد البشري وأيروتيكية تمييز الذكور عن الإناث، إلا في العصر الحديث مع كشوفات التحليل النفسي الفرويدي، ومدارسه السايكولوجية التي فيها لمفردة الجنس دلالة عضوية، بوصفها ممارسة جسدية ذات ارتباطات سلوكية وتداعيات شعورية ولا شعورية، تترك أثرا أو آثارا على الإنسان منذ طفولته وتساهم في تشكيل شخصيته، سواء كانت هذه الشخصية سوية أم غير السوية.
عالم الأدب عالم كبير يشتمل على الكتابة الإبداعية الشعرية والنثرية، التي فيها الكاتب حر وقد فُتح أمامه فيض من المتاحات الجمالية والمديات الفنية، بها يتمكن من الإنشاء والتعبير، مطوعا اللغة تطويعا أسلوبيا يخدم توجهاته ويحقق له مبتغياته.
أما التدليل المفهوماتي للفظ الجنس بالتوصيف الاصطلاحي، الذي يصب في باب نظريات الأدب وعالم الإبداع، فيتمثل في عدِّ (الجنس) صيغة معرفية، فيها تُختصر كل أشكال النصوص الإبداعية والأدبية بصيغها المتنوعة وأنماطها المتغايرة، حتى إذا وُصف به نص ما، كان وصفه مدللا على معطيات التقولب والتصنيف والتجانس والتوزيع والتفريق والفصل والاستقلال، تأكيدا لنوعية النص الكتابية التي لا تتعدى كونه أي النص جنسا ينضوي مع نصوص أخرى تتمشكل معه، مندرجا في خانة من خانات الأجناس الأدبية. ولعل التدليل الذي وضعه لويس بالاديه للجنس، وحدده كالآتي «الجنس نوع من نموذج أولي من تخطيط أو من ماهية يمثل كل عمل تجسده حالة إعرابية خاصة تحقيقا مفردا» هو المنطلق المفهوماتي الذي منه أخذت مفردة الجنس مؤداها الاصطلاحي، الذي به نتعامل نقديا في حدود النظرية الأدبية المعاصرة.
والمهم قوله هنا إن التداول اللساني للفظة الجنس، هو أبعد ما يكون أصلا وفصلا عن التداول النقدي الذي شاع عند المنظرين الذين يرون (الجنس) مفهومًا مفخخًا بالتدليل واللاتدليل، حتى لا مجال لوضع تعريف محدد له، نظرًا لصعوبة الوقوف على أرضية صلبة (للجنس). هذه الأرضية التي لا مناص لأي اصطلاح من تدشينها والتأسيس عليها، فضلًا عن مشقة بلوغ تشييد خاص للأجناس عموما، ولكل جنس على حدة، إلا بعد أن يكون حصيلة مخاض نظري، فُرغ منه وصار نهائيا، وقد تأطرت أركانه وصارت معلومة بسياقات مضبوطة، ليُؤسس له من ثم بتعريفات دقيقة وأسماء دالة ومميزة.
وعموما تطلق مفردة (الجنس) على أي نص كتابي هو في الأساس أدبي، لتعلن عن قالب بنائه، وقد تستعمل كتوصيف كتابي يُبنى على معايير معينة، كأن تكون المعايير شعرية فتوصف الكتابة عندها بأنها (قصيدة) أو تكون نثرية فتوصف الكتابة بأنها (سرد)، وقد تطلق لفظة الجنس للتمثيل على نوع أو أنواع انبثقت عنه وانضوت فيه أدبيا من ناحيتي البنية والموضوع، مثل قولنا: شعر عمودي وقصيدة تفعيلة ورواية واقعية ومسرحية كلاسيكية وسيرة ذاتية. ولا وجود في النظرية الأدبية لتوحيد اصطلاحي لمسميات (الأدب، الشعر، النثر، السرد) يمكننا به أن نوضح العملية الإبداعية، متعاملين مع هذه المسميات بوصفها فنونًا أو أنواعًا أو أجناسًا أو هي أكبر من أن توصف بكل ذلك معًا. ومن تبعات هذا اللاتحديد في مسمى إبداعي ما، أن يصبح التجنيس والتنويع واحدًا، ولا يعود هناك فارق بين نوع هو فرع من جنس، أو جنس هو بذاته مفرِّع إلى أنواع وأشكال. وهو ما لا يستطيعه النوع الذي هو عقيم إزاء مسألة التنويع ومعدوم القدرة في القابلية على التفريع. والأدب فن من الفنون الجميلة لا قالبا يؤسس له كي ينضوي فيه؛ بل هو «مجموعة من الأساليب التي عن طريقها يربط الناس أنفسهم بالكتابة» وهدفه الجمال ووسائله اللغة والخيال. ولأنه كذلك يغدو مصدرًا غنيًا (لبناء الهوية بما يوفره من صنوف التركيب بين معطيات الفطرة والمعايير الاجتماعية والانتماء الإثني والطائفي أو الطبقي، والتوق إلى تجاوز حدود الذات).
لا شك في أن عالم الأدب عالم كبير يشتمل على الكتابة الإبداعية الشعرية والنثرية، التي فيها الكاتب حر وقد فُتح أمامه فيض من المتاحات الجمالية والمديات الفنية، بها يتمكن من الإنشاء والتعبير، مطوعا اللغة تطويعا أسلوبيا يخدم توجهاته ويحقق له مبتغياته. والشّعر والسّرد في أصول النظرية الأدبية ليسا جنسين أيضا، لأن كل واحد منهما فن أدبي تنضوي فيه الأجناس والأنواع. وللشعر مثلما للنثر أنواع، لكن مساحة التنويع في النثر أوسع منها في الشعر، لرحابة الكتابة النثرية ومحدداتها غير الصارمة نوعا ما، ولاسيما ذلك الفن النثري الذي يتخذ من المخيلة أداة لتجسيد الواقع المعيش وأعني به السَّرد.
٭ كاتبة عراقية