سجلت سنة 2022 الذكرى الـ40 للحدث الوطني والسياسي الفارق الأكثر مغزى في التاريخ الحديث للجولان السوري، خلال العقود التي أعقبت وقوعه تحت الاحتلال الإسرائيلي، سواء في سنة 1967 أو 1973؛ أي الإضراب الواسع الكبير الذي تداعى إليه المواطنون السوريون في الغالبية الساحقة من بلدات وقرى هضبة الجولان، والذي انطلق يوم 14/2/1982، وتواصل حتى 19/7 من ذلك العام، ويُعتبر الأطول ليس في حوليات الهضبة وحدها بل على امتداد تاريخ سوريا الحديث. وفي جوانب عديدة، حمالة دلالات استثنائية، كان الإضراب بمثابة حركة الاحتجاج الأوسع نطاقاً، والأرقى تنظيماً، والأرفع التزاماً، ضد قرار حكومة الاحتلال الإسرائيلي المؤرخ في 14/12/1981 القاضي بضم الجولان، والذي صادق عليه الكنيست لاحقاً.
وإذا كانت عشرات التفاصيل التي اقترنت بمسارات ذلك الإضراب مدعاة اعتزاز أهل الجولان، وحرصهم على استذكارها وتناقلها وتعميمها على الأجيال الشابة؛ فإن الفخار المشروع ظل يقترن بغصة كبرى، مفهومة تماماً، أو لعلها أحياناً تذهب إلى ما هو أبعد من مشاعر السخط والغضب، إزاء التخاذل الذي طبع ردود أفعال النظام السوري تجاه خطوة رأى حافظ الأسد أنها ترقى إلى مستوى إعلان الحرب، فلم يكتفِ بإبقاء خطوط الجبهة كافة في الحال المعتادة من صمت القبور، بل أشغل أجهزة النظام الأمنية ومعظم وحداته العسكرية الخاصة الموالية في تنفيذ المجازر الداخلية، ضد مدن وبلدات وقرى سوريا طولاً وعرضاً!
وليس من الإنصاف، كلما ذُكرت هذه المفارقة بين إضراب السوريين في الجولان المحتل وخضوع سوريين آخرين في الداخل لوحشية النظام، ألا تُساق الوقائع أو تلك الأشد دموية في عدادها: حين بدأ إضراب الجولان المحتل، كانت 12 يوماً قد انقضت على شروع النظام السوري في تنفيذ مجزرة حماة (30 إلى 40 ألف قتيل)؛ وقبل، ثم بعد، قرار الاحتلال الإسرائيلي بضم الجولان كان النظام قد ارتكب سلسلة مجازر أخرى (جبل الزاوية، 13ـ15/5/1980: 14 ضحية؛ سرمدا، 25/7/1980: 11 ضحية؛ سوق الأحد، حلب، 13/7/1980: 43 ضحية؛ ساحة العباسيين، دمشق، 18/8/1980: 60 ضحية؛ حي المشارقة، حلب، 11/8/1980، صبيحة عيد الفطر: 100 ضحية…). وإلى جانب هذه المجازر التي شهدتها التجمعات السكانية المختلفة، كانت السجون السورية تشهد تصفيات جماعية مباشرة (مجزرة سجن تدمر، 27/6/1980: 500 ضحية على الأقل)، أو مئات الوفيات جراء التعذيب. وأما ذروة التضاد المرير، في ناظر أهل الجولان وأهل سوريا على حد سواء، فقد تجسدت في مقادير اللاتناسب بين ممارسات سلطات الاحتلال الإسرائيلية خلال مساعي كسر الإضراب، وسلوك أجهزة النظام السوري في حصار المدن وقصفها وارتكاب الفظائع هنا وهناك.
ثمة تلك الغصة القديمة عند السوريين في الداخل، إذ لا يملكون سوى التضامن مع أشقائهم في الجولان، فضلاً عن المقارنة بين استبداد فاشية محلية سورية، وأخرى محتلة إسرائيلية؛ وعند الجولانيين، إذْ يواصلون الانتماء إلى وطن ينزف على يد الطغاة، ولكنه موئل أول، ومآل أخير
ولقد توفر إجماع لدى مراقبي تلك الحقبة، سانده المنطق السليم البسيط، بأن مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك؛ وأرييل شارون، وزير الدفاع الصقر؛ ويوسف بورغ، وزير الداخلية الممثل للأحزاب الدينية المتشددة؛ وجدوا أن الفرصة سانحة لضم الهضبة المحتلة، في هذا التوقيت تحديداً. ولم يكن السبب أنهم استغلوا انشغال جيش النظام بمعاركه ضد الشعب السوري، إذ كانت الحكومة الإسرائيلية واثقة تماماً أن الأسد الأب لن يحرك ساكناً في كل حال؛ بل لأن ضم الجولان آنذاك كان سيمر من دون حرج دبلوماسي دولي ملموس، ومن دون تعاطف صريح مع نظام يرتكب المجازر بحق أبناء سوريا وينشغل بالحفاظ على سلطة الاستبداد والفساد أكثر بكثير من أي اكتراث بخسران أرض محتلة هو عاجز أصلاً عن تحريرها، لا بالحرب ولا بالسلام. ونعرف اليوم، من المعطيات التي رُفعت عنها درجات مختلفة من السرية، أن المشاحنة بين «الليكود» و«حزب العمل» لم تتركز على ضم الجولان، فكلاهما اتفق على الخطوة، وإنما على توقيت مع المجازر داخل سوريا رأى فيه «العمل» ضربة بارعة من جانب بيغن وبورغ!
قبل قرار الضم كانت دولة الاحتلال قد عدلت قانون الجنسية الإسرائيلية، وجرى تخويل وزير الداخلية بمنح الجنسية تحت شروط متنوعة طُبق بعضها على أهل الجولان بموجب توصيف غامض فضفاض يشير إلى اعتبار الجنسية «مصلحة خاصة للدولة»؛ الأمر الذي اقترن، سريعاً، بإجراءات إسرائيلية تضغط على سكان الجولان لقبول الجنسية، مع إشاعة أن 400 شخص قبلوا بها (اتضح أن 300 من هؤلاء يحملون الجنسية الإسرائيلية أصلاً لأنهم من دروز مناطق 1948 وهاجروا إلى الجولان لأسباب عائلية أو معيشية). الخطوة الجولانية الرديفة، الوطنية بامتياز وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف حول أدوار رجال الدين في تنظيمها أو في تسخيرها أو تجييرها، كانت تحويل «الخلوة» الدينية الشهيرة، خاصة حين تنعقد في مجدل شمس، إلى ما يشبه مجلساً وطنياً للتداول حول شؤون الجولان المحتل واتخاذ القرارات والتوصيات بشأن حاضره ومستقبله.
ولعل واحدة من أنصع وثائق تلك الممارسة كانت «الوثيقة الوطنية»، أواخر آذار (مارس) 1981، التي نصت في البند 6 على أن «الأشخاص الرافضين للاحتلال من خلال مواقفهم الملموسة والذين هم من كل قطاعاتنا الاجتماعية، هم الجديرون والمؤهلون للإفصاح عما يختلج في ضمائر ونفوس أبناء مجتمعهم»؛ وفي البند 7: «كل مواطن من هضبة الجولان السورية المحتلة تسول له نفسه استبدال جنسيته بالجنسية الإسرائيلية، يسيء إلى كرامتنا العامة وإلى شرفنا الوطني وإلى انتمائنا القومي وديننا وتقاليدنا ويعتبر خائناً لبلادنا»؛ كما ذهب البند 8 إلى إجراءات ردع قصوى: «قرارنا لا رجعة فيه، وهو كل من يتجنس بالجنسية الإسرائيلية، أو يخرج عن مضمون هذه الوثيقة، يكون منبوذاً ومطروداً من ديننا، ومن نسيجنا الاجتماعي، ويُحرم التعامل معه، أو مشاركته أفراحه وأتراحه، أو التزاوج معه، إلى أن يقر بذنبه ويرجع عن خطئه، ويطلب السماح من مجتمعه ويستعيد اعتباره وجنسيته الحقيقية».
ولم تكن مصادفة عمياء أن الذكرى الثلاثين لإضراب الجولان المحتل ترافقت مع قصف وحشي تعرضت له أحياء حمص، فاستُخدمت ضد أبنائها أسلحة مدمرة تحاكي، أو تفوق أحياناً، تلك التي استخدمها الإسرائيليون ضد رام الله وغزة وقانا وبيروت… حتى إذا كان بلد المنشأ مختلفاً، بين أمريكا وروسيا. قرائن المنطق خلف المصادفتَين كانت تشير إلى أن ذلك النظام الذي دك مدينة حماة سنة 1982، عام الإضراب الجولاني المجيد؛ هو ذاته النظام الذي دك حمص، في الذكرى الثلاثين للإضراب؛ بل لعله أشد همجية أيضاً: بين الأسد الأب، الذي كان يقاتل لاجتثاث مجموعات مسلحة محدودة العدد والعدة، بغية تأديب المجتمع بأسره؛ والأسد الوريث، الذي يقاتل الغالبية الساحقة من الشعب الأعزل، بما ملك نظامه من آلة بطش أمنية وعسكرية ومالية، وبما يستعين من قاذفات روسية ومقاتلي «الحرس الثوري» الإيراني وميليشيات «حزب الله» والمفارز الأخرى المذهبية.
وبين 40 سنة على الإضراب الجولاني الكبير المشرف، وإصرار الغالبية العظمى من أبنائه على المقاومة ورفض الضم والتشبث بالهوية الوطنية؛ و52 سنة على نظام الاستبداد والفساد والتوريث الذي أقامه آل الأسد، وينتهي اليوم إلى تدمير سوريا شعباً وعمراناً وتسليمها إلى خمسة احتلالات وتشريد الملايين من أبنائها في أربع رياح الأرض؛ ثمة تلك الغصة القديمة المتأصلة: عند السوريين، في الداخل، إذ لا يملكون سوى التضامن مع أشقائهم في الجولان، فضلاً عن المقارنة بين استبداد فاشية محلية سورية، وأخرى محتلة إسرائيلية؛ وعند الجولانيين، إذ يواصلون الانتماء إلى وطن ينزف على يد الطغاة، ولكنه موئل أول، ومآل أخير.
كاتب وباحث سوري يقيم في باريس
قبل التهجم على النظام العلوي الذي بفضله وبفضل شعاراته الطنانة عن الوحدة والحرية والاشتراكية علينا ان نحلل افعاله من وجهة نظر صليبية التي مثلها العنصري ساركوزي عندما رد على ناقديه لاستقباله المجرم في ١٩٩٨ اي قبل ان يتسلم الورثة من والده المجرم الاخر عندما قال انه يحمي المسيحيين وزوجته موديرن والتي يتفانى المجرم في الحفاظ على هذه الصفة عندما سمح للمنظمات المسيحية العنصرية التي تسترت تحت العباءة الانسانية ببناء نموذج عن حاجة صوفيًا في السقيلبية فمن جهة الوحدة فهو من وقف مع النظام الفارسي ضد العرااق وهو اول من وضع على جواز السفر السوري مسموح السفر الى كل دول العالم ماعدا العراق ولم يكتب ما عدا اسرائيل وهو اول من ارسل جنود لتحارب الى جان الحلف الصليبي في حفر الباطن ضد دولة عربية وهو من دمر المقاومة الوطنية في لبنان واستبدلها بحليف الفرس حزب ايران الذي حول لبنان المتطور الى مزبلة اما الحرية فكل العالم راى الجرائم التي مارسها هذا النظام المجرم بحق الشعب السوري والتي جرت على مسمع ونظر العالم الذي يدعي انه متحضر ولم
التعليق فيه شيء من الصحة ، ولكنه مليء كعادته بالألفاظ والتعابير الطائفية المقيتة ، فمثلا عبارة “النظام المجرم” أكثر وقعا وتأثيرا ومعنى من عبارة “النظام العلوي” التي لا تثير إلا النعرات الطائفية البغيضة ، على الأقل احتراما لإخوتنا وأخواتنا العلويين الذي ليسوا مع النظام ، فالتعميم من يوم يومه هو الجهل بعينه !!؟
أتفق مع الأخت الثائرة ولا أعرف لماذا يتم استعمال هذا التعبير. ولاشك أن النظام الطائفي يريد هكذا وصف لأنه يتستر خلفه بحجة مضادة! والوصف الصحيح هو الإستبداد والإجرام والفاشية لهذا النظام. طبعًا نفس الأمر ينطبق على بقية أنظمة الإستبداد العربية رغم انتماءاتها لطوائف مختلفة !