الجيش الإسرائيلي… بين هجوم “كوروني” واستعداد لعدو محتمل

حجم الخط
0

خبراء الصحة العامة في إسرائيل وصفوا عنقي زجاجة رئيسيين في محاربة فيروس كورونا. العنق الأول يتعلق بنقص الفحوصات اليومية التي تجرى لمصابين محتملين؛ الثاني، صعوبة تشخيص والعثور على وعزل أشخاص كانوا في محيط من اكتُشفوا لاحقاً بأنهم مرضى. من الواضح أن عدداً كبيراً من الإسرائيليين يصغون إلى تقارير وسائل الإعلام، لكن مراقبة بسيطة نسبياً لأداء حركة أوراق الاعتماد ومراقبة الهواتف المحمولة قد تساعد في التحذير بسرعة لكل من وجد في المكان في الوقت الذي تبين فيه أنهم خطيرون، لإجبارهم على العزل، وبذلك يمكن إبطاء انتشار الفيروس بمستوى معين.

هذه تقنية يمكن تطبيقها، وهي تعمل الآن لأغراض أخرى مثل محاربة الإرهاب أو حل لغز الجرائم. عملياً، إن الاختراقات العالمية والمعلومات ذات الصلة من أجل تشكيل صورة استخبارية واسعة والعمل بسرعة وفقاً لذلك، تم تحقيقها في إسرائيل في بداية سنوات الألفين. وقد حدث ذلك بعمل مشترك بين الأجهزة الأمنية كجزء من الحرب ضد المنتحرين في الانتفاضة الثانية. وبعد ذلك تم استخدام هذه الوسائل من قبل الأمريكيين، وبعد ذلك تحولت إلى أمور أساسية لأنظمة وأجهزة أمن في العالم.

ولكنها خطوات مقرونة بمس شديد واستثنائي بخصوصية المواطنين، في الظروف التي لا يوجد فيها شك حول تنفيذ جريمة أو مس بأمن الدولة. وليس غريباً أن هذين الجسمين الأكثر تدريباً على استخدامها: الشاباك والجيش الإسرائيلي، لا يسارعان إلى التطوع لهذه المهمة. يبدو أن أفراد الشاباك يخافون من المس بمكانته الرسمية والمس المحتمل بالديمقراطية، إذا تم استخدامه لمهمات كهذه. أما الجيش الإسرائيلي فيحذر من استخدام “جيش الشعب”، الذي يعتمد على جنود في الخدمة النظامية لمهمات مشابهة.

على فرض أن الفيروس سيواصل الانتشار وأن الحكومة ستتخذ خطوات استثنائية جداً، يبدو أن الأمر سيحتاج إلى مرافقة قضائية ملاصقة ووثيقة. الجيش الإسرائيلي والشاباك سيفضلان أن تعالج الشرطة ذلك، حتى لو احتاجت إلى استعارة وسائل وحتى أشخاص. الوحدة 8200 لن تنبش في البيانات الموجودة في الهواتف المحمولة لفحص من جلس في مقهى في تل أبيب وفي أي وقت. من خدموا في هذه الوحدة والذين سينهون عملهم؟ ربما نعم. إذا لم يعثروا حتى ذلك الحين على حل بديل.

ربما يكون هذا النقاش آخذاً في التفاخر. الفهم الآخذ في التبلور في أوساط الخبراء هو أن العدد الرسمي للمصابين بالفيروس (110 أشخاص حتى أمس) لا يعكس العدد الحقيقي، وأن مرضى كثيرين، المئات إذا لم يكن الآلاف، لم يتم فحصهم ولم يتم اكتشافهم حتى الآن. في هذه الظروف يمكن أن تتم مناقشة خطوات بعيدة المدى، مثل التي تبنتها كوريا الجنوبية وتايوان في إطار محاربة الفيروس. وحسب تقارير من شرق آسيا، فقد أعاقت بشكل كبير انتشار الفيروس.

إذا كان هناك قرار لإغلاق الحركة في أجزاء واسعة من الدولة وحتى فرض حظر التجول، فإن الجهة الوحيدة التي يمكنها مساعدة الشرطة والسلطات المحلية، سواء في تطبيق هذا القرار أو في توفير الغذاء والدواء للسكان، هي الجيش الإسرائيلي. لذلك، سيحتاج الأمر إلى تجنيد دراماتيكي لجنود الاحتياط وتشغيل كبير لقيادة الجبهة الداخلية. وزير الدفاع نفتالي بينيت وضباط كبار في الجيش يجب عليهم من الآن الاستعداد لذلك، على الأقل لهذه الاحتمالية. وإلا سيتبين أن إسرائيل متخلفة كثيراً خلف الفيروس المتفشي.

في هذه الأثناء، ينشغل الجيش بنفسه؛ فهو يحاول تقليص ميزانية انتشار الفيروس فيه والاستعداد لضمان أداء الوحدات الحساسة، مثل أسراب الطائرات القتالية والغواصات، حتى في حالة إصابة عدد كبير من السكان بالفيروس. وفي عدد من الوحدات بادروا وأرسلوا جنوداً إلى إجازات، مع نية إبقائهم لفترة طويلة في القواعد لاحقاً. ولكن هذا ليس السؤال الكبير الموجود على المستوى الوطني. والتأخير في تشغيل الجبهة الداخلية يستدعي ذكريات غير لطيفة من أحداث صيف 2006. في حينه، في حرب لبنان الثانية، تأخر المستوى السياسي والشخصيات الكبيرة في الجيش الإسرائيلي في إدراك الحاجة الملحة لتوظيف قيادة الجبهة الداخلية لمساعدة المدنيين. هذا الفشل تم توثيقه بشكل موسع في تقرير فتاك صاغه مراقب الدولة بعد سنة.

ومؤخراً يبدو أن الأجهزة المختلفة غير متزامنة كلياً. “الاكتظاظ” في قراءة نتائج فحوصات الكورونا، المتعلق كما يبدو أيضاً بساعات العمل المحددة للمختبرات في هذا الأسبوع، هو مثال واحد فقط.

ليس بجعة، بل ماموث ضخم

مواطن أو جندي احتياط، يزور في الوقت الحالي مكاتب ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي وغرف العمليات أو الوحدات الحساسة، مطلوب منه التوقيع على نموذج عند دخوله. وعليه التعهد بأنه لم يرجع من الخارج قبل أسبوعين، ولم يعان من ارتفاع درجة الحرارة ولم يمكث قرب مرضى. وأجهزة الأمن أصبحت تدرك بأن كورونا هو سيناريو كلاسيكي لـ “البجعة السوداء” التي جاءت من مكان ما وتفترس معظم الأوراق. “هذه ليست بجعة سوداء، بل ماموث ضخم”، قال ضابط كبير، يوافق على أن تأثيرات كورونا قد يتبين بأنها كبيرة وبعيدة المدى، حتى أكثر من الهجوم الإرهابي في 11 أيلول.

هذه التطورات يكمن فيها خطر آخر للجيش الإسرائيلي، فالخطة الطموحة متعددة السنوات التي بلورها رئيس الأركان افيف كوخافي تواجه عائقاً كبيراً غير متوقع؛ فانطلاق الخطة متعددة السنوات تأخر في السابق بسبب ثلاث جولات انتخابية والعجز الكبير في ميزانية الدولة، الذي قدر بعشرين مليار شيكل على الأقل. الجيش الإسرائيلي نجح في تطبيق جزء من المشروع بإضافة مبلغ 2 مليار شيكل لمرة واحدة، صادقت عليها الحكومة الانتقالية. ولكن الآن، حيث ثمن الإهمال المنهجي لجهاز الصحة ونقص الأسرة يمكن أن يظهر بكامل الخطورة، وحيث الاقتصاد يخاف من الركود، فإن الجيش يقف أمام منافسة أصعب بكثير على الموارد.

هذا ما حدث لبني غانتس كرئيس للأركان في بداية العقد السابق. تغيير سلم الأولويات المؤقت بعد الاحتجاج الاجتماعي في صيف 2011 صعب على الجيش وعلى خطتين متعددة السنوات تم دفنها دون ترك أي أثر. حتى الآن، ادعاء الجيش الإسرائيلي سيسمع في الأشهر القادمة بتحمس. حتى لو أنه لا يوجد للسياسيين الآن الوقت أو الاهتمام بقرارات بعيدة المدى، فإن هيئة الاأكان العامة ستعرض خطة “تنوفا” (زخم) كبوليصة التأمين المطلوبة للدفاع عن الأمن القومي لإسرائيل، وسيقولون إن هناك تقدماً بارزاً حدث في العقد الأخير في القدرة العملياتية لحرس الثورة الإيراني وحزب الله، وبدرجة أقل، التنظيمات الفلسطينية في قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، فإن انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي زاد الحاجة إلى الاستعداد لحدوث تصادم إقليمي يشمل إيران.

دون تحسن كبير في قدرة الجيش الإسرائيلي، سيكون من الصعب الحفاظ على فجوة نوعية بين إسرائيل والعدو. وحسب الجيش، فإن نتيجة اندلاع حربما ستزيد مدة القتال إلى بضعة أسابيع، وسيجد صعوبة في ضمان انتصار حاسم، وستدفع إسرائيل ثمناً باهظاً أكثر بكثير في الأرواح والأضرار الاقتصادية.

“الكابنت” لم يتفرغ بعد لمناقشة الخطة متعددة السنوات. وفي نقاشات أولية مع المستوى السياسي، عرض كوخافي شكلاً يصف تقليص فجوات القدرة بين الجيش الإسرائيلي وخصومه. وقد كرر التعبير الذي نقشه إيهود باراك في حينه عندما وصف إسرائيل بأنها فيلا في الغابة. رئيس الأركان قال إن الدولة في طابقها العلوي يبدو مكشوفاً وقابلاً للإصابة من دون المصادقة على الخطة متعددة السنوات. الرد على هذا الوضع، حسب الجيش، يشمل شراء سلاح هجومي دقيق وصواريخ لاعتراض القذائف (مثل القبة الحديدية وحيتس 3)، إلى جانب تسلح كثيف بالوسائل والتكنولوجيا الحديثة، مع التركيز على السايبر. إزاء الوضع السياسي، لم يدخل النقاش بعد إلى التفاصيل. ولكن ليس مستبعداً أن يحاول الجيش الإقناع بالحاجة إلى زيادة مؤقتة في العجز من أجل تطبيق الخطة – الفكرة التي يعارضها قسم الميزانيات في وزارة المالية بصورة قاطعة. في هذه الأثناء، يبدو أن الميزان يميل بصورة حاسمة لصالح المالية ولغير صالح رئيس الأركان.

بقلم: عاموس هرئيل

هآرتس 13/3/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية