الخصاونة وهو «يلكز»… من ينتج «السوداوية والإحباط» أكثر في الأردن: المواطن أم الحكومة أم «أقلية النفوذ»؟

بسام البدارين
حجم الخط
0

عمان- «القدس العربي» : «الإجابة على القلة القليلة من مشيعي الإحباط بالمنجزات وليس الكلام».
تلك كانت تقريباً الرسالة اليتيمة التي تصدر علناً عن رئيس وزراء الأردن، الدكتور بشر الخصاونة، بعد رصد سلسلة محاولات للحفر تحت أقدام الحكومة تحت انطباع لا أحد يعرف مصدره بصورة محددة بعد، بأن الطاقم الوزاري العامل مع الخصاونة دخل في استحقاق التعديل أو الرحيل.
تقصّد الخصاونة أن يشير وهو يفتتح توسعة لمشروع مركز متخصص برعاية القطاع الخاص وبالتعاون مع وزارة الصحة لمعالجة مرضى السرطان التحدث عن تشجيع الإيجابية وعن اهتمام الحكومة برفع المعنويات التي لا ينبغي لها أن تتكسر أمام مشيعي السوداوية.
رسائل بسيطة ومختصرة يمكن القول إنها ملغزة سياسياً، لكن رئيس الوزراء، وهو «يلكز السوداويين»، لم يحدد هوية تلك الفئة التي وصفها بالقلة القليلة من مشيعي الإحباط، وأغلب التقدير أن تصريحاته في السياق ترد على مشاغلات ومشاغبات أو حتى على استطلاعات هنا أو هناك بدون إنتاج الحكومة، متضامنة على الأقل وفي ظل تركيبة مجلسها الحالية لأدوات قياس تخفف من حدة وتأثير وتغلغل من يشيعون السوداوية وهم خارج نطاق التعبير البيروقراطي السياسي حتى الآن.
في كل حال لا تكفي جرعات الأمل ولا المنجزات الموجودة في الميدان لإعادة إنتاج مشهد الجزء المختص بالسوداوية في المجتمع وبين النخب والنظرية المعاكسة لاتجاهات الحكومة ورئيسها اليوم هي تلك التي تقول بأن بعض القرارات لم يوفق في اتخاذها الطاقم الوزاري وتمت بالتوقيت السيئ.
أبرز تلك القرارات طبعاً رفع أسعار الديزل والكاز ضمن آلية التسعير الشهرية عشية فصل الشتاء وسط «غيبوبة إعلامية»، الأمر الذي عزز من حصة وحضور من ينثرون السوداوية بكل أصنافهم في المساحة الإعلامية مع أن قرارات أخرى لا تتميز بالشعبوية يمكن إضافتها إلى جعبة الحكومة التي تنتج الإحباط في المقابل.
وهي جعبة استثمر فيها استطلاع مثير للجدل الأسبوع الماضي تحدث عن معدلات تأييد ورضا عام متدنية للحكومة ولرئيسها وطرح أسئلة في الاستبيان من طراز حمال أوجه.
أغلب التقدير أن تعليق الخصاونة المقتضب على هامش زيارته لمستشفى البشير الحكومي أمس، يمكن أن يصنف، ولو من باب التحليل والقراءة باعتباره رداً دبلوماسياً ناعماً يضع الاستطلاع المثير ومنظميه على نحو أو آخر ضمن شريحة القلة القليلة من مشيعي الإحباط.
يواجه الخصاونة وطاقمه أزمة إعلامية مهنية حقيقية عنوانها ندرة الدفاع في الوسط الإعلامي والسياسي عن الحقائق والوقائع وقلة التعبير في المقابل والتوازي عن منجزات الحكومة على الأرض، وهي أزمة شعرت حتى «القدس العربي» عندما تناقشت مع الخصاونة عدة مرات بصعوبة نفيها وباعتبارها جزءاً من تعثر الحالة الوطنية عموماً.
لا يمكن، وحسب مرجع أمني خبير تحدث لـ«القدس العربي» مرتين مؤخراً، إرضاء الشارع من جهة أي حكومة فهو متطلب ومتعدد الاحتياجات ولا يمكن الاستقرار بنسبة معقولة في شعوره بالرضا، لكن الأجواء المعيشية عموماً محبطة والمواطن المشتكي أو المتذمر لا يجد إلا حائط الحكومة لقصفه بالحجارة وأحياناً بالهتافات ودعوات الإسقاط والرحيل.
لكن تلك ليست مشكلة وزارة الخصاونة حصراً، وثمة من يرى من المحللين أن قلة قليلة أيضاً أو قد لا تكون قليلة من النخب العاملة في مؤسسات الدولة، تقدم مادة دسمة لتغذية شريحة القلة القليلة الأصلية التي يتهمها الخصاونة علناً بإشاعة الإحباط والسوداوية حتى تتجنب الحكومة توجيه اتهام مباشر لشركاء مفترضين لها في دوائر القرار.
ثمة من يجتهد بالنص والقرار بكثرة خلف ستائر الدولة ومؤسساتها الرسمية تحت عنوان «آن رحيل الحكومة الحالية».
لكن ما لا يعرفه أو يتوقعه كثيرون هو أن هذه المقولة لا تزعج إطلاقاً رئيس الوزراء اليوم ولا يحفل بها، لا بل في محطة ما من النقاشات العميقة يتفق الرجل مع المنطق القائل بأن رحيل الحكومة من عدمه قرار يتخذه ويعرفه الدستور وبين يدي السلطة المرجعية خلافاً لأنه في بعض الجوانب يتفق أيضاً مع المنطق القائل بأن النسخة الحالية من وزارة الخصاونة قامت بالواجبات الموكولة إليها.
وبالتالي قد يكون الآوان آن فعلاً لرحيل هذه النسخة ضمن وجهة نظر انطباعية وشخصية فقط لا تلزم صاحب القرار في القصر الملكي طبعاً.
يتفق عضو البرلمان النشط خير أبو صعليك مع المنطق القائل بأن الحاجة قد تبرز لتفويض جديد يتم توقيته على أساس رؤية التحديث السياسي والتمكين الاقتصادي.
لكن رئيس الوزراء الحالي مستعد للرحيل أمس في السيكولوجيا السياسية ولا يتمسك بالبقاء عبثاً وأحياناً ثمة من يشير من المقربين منه إلى قناعته بأن حكومته الحالية بموجب خطاب التكليف الملكي أنهت جدول أعمالها.
في المقابل، سياسيون بارزون يصرون على أن نصوص الدستور لا تتضمن صيغة «حكومة أنهت أعمالها» لأن الاحتكام للبيان الوزاري الذي نالت الحكومة ثقة البرلمان على أساسه في الجزئية الدستورية وليس لخطاب التكليف الملكي لأي حكومة. تلك تبقى وجهة نظر يرددها خبراء العمل الدستوري السياسي في الأردن هنا أو هناك، لكن وزارة الخصاونة بقيت في كل حال قليلة الكلام، وهذا سلاح ذو حدين في العرف السياسي.
والإنجازات عملياً لا يمكن إنكارها ابتداء من نقل البلاد حقاً لا قولاً إلى حالة التعافي من «فيروس» كورونا، ثم تجنب منزلق تهديد البقاء على الحياة، كما صرح قبل يومين وزير المالية الدكتور محمد العسعس خلافاً لصناعة تراكم من التجربة في مجال الاشتباك مع «فيروس» كورونا وغيره وفقاً للعبارة التي استعملها مرتين أمام «القدس العربي» وزير الصحة الدكتور فراس الهواري.
العسعس، طوال الوقت، يصر على أن السياسات المالية والاقتصادية التي قررتها الحكومة حدت كثيراً من الخسائر الكبيرة ونقلت البلاد كما فهمت «القدس العربي» إلى مستوى شاطئ الأمان بحثاً عن خطة طموحة الآن لتنشيط النمو الاقتصادي.
وتلك منجزات بصرف النظر عن الغياب الإعلامي لخطاب الحكومة لكنها بدون تسويق وترويج منتج وسط الناس بعد ويبدو أنها لا تكفي لإقناع بعض مراكز القوى المتنافسة بحكم العادة والطقوس وليس بحكم المنطق لترك الحكومة تعمل وبهدوء. بكل حال، تراكم المنجزات إيجابي، لكن شرحها بلسان طاقم الحكومة منتج أكثر. وبعد ذلك قد يجد طاقم الحكومة الوزاري نفسه مضطراً لتعريف منطقي متوازن وواضح لهوية من يشيع الإحباط وينتجون السوداوية حتى لا يبقى الكلام مجرد تهمة قابلة للزيادة والنقصان بدون أساس صلب لها.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية