عندما يداهم شخصاً ما «كابوس»في نومه، قد يفعل أمرا من اثنين: إما أن يستسلم لسير الأحداث حتى يستيقظ، بعد أن يكون قد تجرع الفزع والهلع؛ أو يجاهد بأقصى ما أوتي من قوة حتى يوقظ نفسه، ليضع حداً لتلك الرحلة الرهيبة، وإذا كان ذلك يحدث من مجرد كابوس، فالحال أسوأ عند وضع المرء قسرياً في سجن انفرادي لمدة طويلة.
من المعلوم أن أقصى عقوبة قد يتلقاها سجين هي وضعه في الحبس الانفرادي. وكلما زادت فترة الحبس، فإن الحالة النفسية للسجين تسوء لدرجة الاكتئاب، ويصير سلوكه المتوقع، إما الإقبال الشديد على الخروج؛ ويظهر ذلك في شكل هياج واضطراب، أو على النقيض ـ محاولة مستميتة أن يفعل أي شئ يؤمر به، حتى لو كان سخيفاً، خشية أن يطاله الحبس مرة أخرى. ومن ناحية أخرى، قد تكون النتيجة الإحساس بانكسار شديد، تلازمه رغبة عارمة في الموت؛ للشعور بالقهر. وللأسف، يستخدم القائمون على ترويض الحيوانات الأسلوب نفسه، خاصة مع الكلاب، عندما يرغب صاحبها في تحويلها من حيوانات أليفة لأخرى شرسة.
أما في السجون فيتم تعديل السلوك النفسي والأخلاقي للنزلاء، من خلال بث مواد إعلامية من شأنها إعادة برمجة عقولهم، وتهذيب سلوكهم؛ حتى يندمجوا في المجتمع بالطريقة المناسبة، كما يراها القائمون على دور السجون. ومشاهدة تلك المواد الإعلامية مضمونة بنسبة تفوق 85٪ تقريباً، لأنها – حتى لو كانت رديئة ـ الوسيلة المتاحة للترفيه، وتمضية الوقت في مكان كئيب.. أما من يعرض عنها، ويظهر عدم الرغبة في تعديل سلوكه، فيكون غالباً عرضة أكثر للعقاب بالحبس الانفرادي لمرات متكررة؛ لكسر شوكته، ومن ثم تعديل سلوكه بالطريقة المطلوبة. وما يحدث للسجناء هو عبارة عن وقوعهم تحت طائلة عملية هيمنة نفسية، تتم من خلال توجيه رسائل ضمنية Subliminal Messages لتدخل الجزء الأسفل من عتبة الدماغ؛ لتستقر في العقل الباطن، وبذلك تستطيع التلاعب بنفسية السجين، ليفعل ما يؤمر به بدون وعي، وكأنه منوم مغناطيسياً.
وبالتفكر قليلاً في ما يحدث حالياًعلى الساحة العالمية، بعد تفشي فيروس كورونا، نجد أن حالة الحرب المستعرة، التي ظهر أخيرا على السطح نعتها بـ»حرب اقتصادية»، كان سلاحها ظهور حرب بيولوجية في شكل جائحة، حولت شعوب العالم أجمعين إلى نزلاء سجن انفرادي؛ لأن المناشدة بالتباعد الاجتماعي سجنت كل فرد في زنزانة من المخاوف، وجعلته غير مقبل على الاقتراب من الآخرين، حتى أقرب الأقربين، فصار كل فرد سجين الذات المرتعدة. أما المواد الإعلامية، التي يتم بثها على نزلاء هذا السجن العالمي، فهي أخبار الموت، وشبح الجوع، والتراجع الاقتصادي، والفقر، والبطالة، وفشل الأنظمة الديمقراطية في حماية مواطنيها، وبيان أن جميع الأنظمة الديمقراطية واهية، ولا تهتم بالمواطن؛ وخدمات القطاع الصحي فيها غير فعال.
إذا تم الانزلاق في ما يروج له حالياً، ستكون الصين المهيمن على جميع الصناعات، والأنظمة الرقمية، وشبكات الطرق في العالم. وما تبقى للدول الأخرى هو الحياة الزراعية البدائية.
أما المادة الإعلامية الترفيهية التي تعرض عالمياً حالياً، فهي مسلسلات ذات مغازٍ سياسية، ومنها مسلسل «بيت الورق» أو تعرف بالاسم المعرب «لا كازا دي بابل» La Casa de Papel، الذي تلح فكرته الأساسية على سخط أفراد الشعب على المنظومة الحاكمة والقوانين. علماً بأن مشاهدة المسلسل مضمونة؛ لأنها مادة ترفيهية مختلفة ومثيرة للجدل. وكانت المفارقة الكبرى هي تحويل أسماء أبطال العمل إلى أسماء دول، وقد شملت تقريباً أسماء دول العالم المختلفة، كما لو كانت جائحة من نوع آخر. أما البطل الشرير المحبوب لدى الجميع فهو «برلين»، عاصمة ألمانيا الشرقية قديماً، التي كانت حتى التسعينيات تابعة للنظام الشيوعي. وعند تناول العمل بالتحليل، نجد أنه ينطوي على فكرة حق الشعب في الثورة، والثأر من حكوماته، التي لا توليه اهتماماً كافياً، وعمل نظام جديد.
ومن المنتظر بعد الجائحة خروج شعوب مشحونة نفسياً، تحاول أن تنقذ ما تبقى لها من رخاء بأي وسيلة؛ حتى لا يهددها شبح الجوع والبطالة. وأكبر مثال على ذلك، خروج الشعب الأمريكي ثائراً منادياً بإعادة الحياة الطبيعية في الولايات، الأقل تضرراً من تأثير كورونا؛ فالإنسان يؤثرالسعي وراء كسب قوته، على الموت جوعاً وهو في راحة. والسيناريو الذي حدث في الولايات المتحدة، لو تفاقم في قارة أوروبا فسيكون شرساً، نظراً لأن القارة تمرّ بظروف اقتصادية سيئة. والترويج لتلك الفكرة بشكل مبطن قد صار مؤخراً من قبل الأنظمة الشمولية، التي صارت لا تترك فرصة إلا وتندد بالأنظمة الديمقراطية، وفشلها في احتواء الأزمة؛ بالترويج أنها لا تستطع فرض قوانين تلزم المواطن باتباع إرشادات ضرورية. كذلك، أن شعوب العالم نأت عن الموت، عندما فرض عليها حكامها زمرة من التدابير، أضف إلى ذلك، يتواتر التأكيد على أن منظومة العولمة انهارت تماماً، وأثبتت عدم جدواها، وأنه من المتوقع أن تنهار أيضاً جميع الاتحادات، كالاتحاد الأوروبي، والاتفاقات العالمية، مثل اتفاقية التجارة العالمية، لتتحول لاتفاقات ثنائية أو محدودة الأطراف. فعالم ما بعد كورونا سيكون مرحلة انتقالية لنظام عالمي جديد، ولن يستقر العالم في شكله الجديد، إلا بعد مرور خمس سنوات، على الأقل.
والمتابع للأخبار، قد يلاحظ أن نبرة التعاون والتراحم المتمثلة في إرسال الدول الشمولية معدات وفرقا طبية لدول العالم الأكثر تضرراً، تبث في الوقت ذاته رسائل ضمنية، تؤكد على نجاح أنظمتها في احتواء فيروس كورونا، على عكس المنظومات الديمقراطية، وكذلك تهيئ الصين لأن تصير القوة العظمى الجديدة على الساحة الدولية.
وفي هذا السياق، انتشر مؤخراً نعت الصين بمصنع العالم الذي لا بديل له، وأن أنظمتها التي تفرض ساعات عمل طويلة، هي ما يجعلها تحتل الصدارة. وعلى الجانب الآخر، باتت الأنظمة الشمولية تكرر لدول العالم المختلفة رسالة أن مستقبلها الحقيقي يكمن في التركيز على الزراعة والصناعات القائمة على المحاصيل الزراعية، لتقي نفسها خطر المجاعة. في حين تظل الصين المصنع الذي يمد العالم بأجمعه بما يحتاجه من صناعات، خاصة الإلكترونية منها، التي تحول لها العالم كلياً في زمن الكورونا. ويجب ملاحظة أن الصين تصارع حتى تكون ممول العالم بشبكات الإنترنت الـ«فايف جي» 5G، من ناحية، وإقامة مشروع «الحزام والطريق»، من ناحية أخرى. ومن ثم، يسهل عليها اختراق جميع أنظمة العالم، وشل حركته بضغـطة زر واحدة، وقتما شاءت.
ومن ناحية أخرى، يتيح «مشروع الحزام والطريق» للصين الانتشار في جميع دول العالم ونشر قوات صينية، بدون أدنى اعتراض. وإذا تم الانزلاق في ما يروج له حالياً، ستكون الصين المهيمن على جميع الصناعات، والأنظمة الرقمية، وشبكات الطرق في العالم. وما تبقى للدول الأخرى هو الحياة الزراعية البدائية.
المستقبل لم تتحدد معالمه بعد، لكن، كل الشواهد تدل على أن الجائحة، مهما كانت طبيعتها، نذير بتغيير قسري وشيك لخريطة النفوذ في العالم.
٭ كاتبة من مصر
سيتم حصار الصين إقتصادياً, وسيتم إستبدالها بأندونيسيا بالنسبة لأمريكا! وتركيا بالنسبة لاوروبا! ولا حول ولا قوة الا بالله