كل يوم يخرج علينا سياسي او زعيم عربي او كاتب ليحذرنا من الخطر المحدق على منطقتنا العربية، وطبعا هذا الخطر يذكرني بلعبة ‘اليويو’ فتارة يرتفع وتارة يهبط وتارة يختفي، فاحيانا يكون هذا الخطر الداهم هم الاخوان او ايران والهلال الشيعي، او الاتحاد السوفييتي في عصره او الفكر الغربي الهدام!
طبعا اسرائيل لا نسمع عنها كثيرا ضمن هذه الاخطار المحدقة بعالمنا العربي، والاهم في هذه الاخطار، مع تتبعنا لمطلقيها، انها تنبع إما من مصالح شخصية لدول هؤلاء الكتاب والسياسيين، او أنها أتت بتعليمات خارجية للتصدي لمشروع ربما ينهض بهذه الامة من سباتها العميق.
وكان لدول الخليج نصيب الاسد في اطلاق التحذيرات من هذه المخاطر التي تتربص بنا، نحن الشعوب المغلوبة على امرها، فنهب عندها هبة رجل واحد لدرء الخطر عن المنطقة، تلبية لدعوات زعمائنا او علمائنا، ولنذود عن منطقتــــنا المستهدفة ونضحي من اجلها بالغــــالي والرخيص، فتارة نقذف بابنائنا للجهاد في افغانستان، ثم يعتقلون ويزج بهم بالسجون لدى عودتهم، لان الخطر تغير واصبح العائد من افغانستان هو الخطر، وتارة نهب لمساعدة العراق في حربه مع ايران ونبذل الاموال والسلاح والرجال، ثم يتغير الخطر ليصبح العراق نفسه هو الخطر فنسعى جاهدين، كما تعود علينا حكامنا في تلك المواقف، لتدمير العراق ومساعدة الغازين له ونسمح لهم باستخدام اراضينا لقتل ابنائه، ثم يتغــــير الخطر ليصـــبح ايران التي عاثت فسادا في العراق وسيطرت عليه، طبعا ليس لاننا تركناه لقمة سائغة لايران، لا سمح الله، او اننا نبكي على اللبن المسكوب، ولكن لان الخطر يتغير تباعا، والبركة في الذين ينبهوننا دائما لهذا الخطر المطاط.
وتبدأ جولة جديدة طبعا للتصدي للخطر الايراني، لكن الحمد لله ان التصدي لهذا الخطر لا زال بمستوى التصريحات النارية، ولم يصل بعد لمستوى الاشتباك. ثم تقوم الثورات العربية ويصحو المارد من قمقمه ويفرح الصغير قبل الكبير باننا اخيرا سننعم بانظمة ديمقراطية ونلتفت لبناء اوطاننا ونتمتع بثروات المنطقة ونطيح بديكتاتورياتها، وتفرز صناديق الاقتراع فوزا كاسحا في دول الربيع العربي لجماعة الاخوان المسلمين لانهم التنظيم السياسي الاقوى في المنطقة.
طبعا.. يتغير الخطر وتصبح جماعة الاخوان هي الخطر، فيهب الكتاب والسياسيون لتنبيهنا من هذا الخطر الاشر علينا وعلى منطقتنا، وهذه المرة هبت جيوشنا وشرطتنا لحمايتنا من هذه الجماعة ‘المارقة’، لكنني في خضم هذه المعركة الشرسة تذكرت ان دول الخليج فتحت له الابواب على مصراعيها في ذروة حربها التي اعلنتها في فترة الثمانينات والتسعينات على الحركات اليسارية والقومية، باعتبارها الخطر الاكبر في حينها حسب التصنيف الخليجي.
وربما يفيد التذكير ايضا بانه عندما اعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر الحرب على حركة الاخوان المسلمين في الستينات وجدوا الملاذ الآمن والاحتضان في منطقة الخليج العربي والمملكة العربية السعودية خصوصا.
ومن المفارقة ان الدول الخليجية، اعترفت بالمعارضة السورية كممثل شرعي وحيد للشعب السوري، وقررت دعمها بكل المال والسلاح ضد النظام في دمشق، مع العلم ان حركة الاخوان المسلمين هي العامود الفقري لهذه المعارضة السورية.
ولا بد من التذكير ايضا ان الخطر الاسرائيلي لا يكاد يظهر، وان ظهر يكون باهتا او داعيا للسلام وليس للمواجهة كباقي الاخطار، وكل من تسول له نفسه الدعوة للمواجهة يعتبر مارقا او تعتبر تجربته هذه ‘مغامرة غير محسوبة’ او انه يريد ان يشق الصف العربي المجمع على السلام مع هذا الخطر، لان هناك اخطارا اخرى اشد تتربص بنا.
ولا بد من الاشارة الى ان اي شخص او دولة يعلن تعاطفه، رغم انه ربما يختلف مع جماعة او دولة تعتبر خطرا من الاخطار التي يتبناها قادتنا وكتابنا، يصبح محط اتهام، إما بالعمالة لتلك الدولة او انه منتم لتك الجماعة المغضوب عليها، واصبحت دعوات تحكيم العقل والتمسك بالديمقراطية او دعوات السلام بدل المواجهة مع هذا الخطر المزعوم، رجسا من عمل الشيطان.
اخيرا اعتقد ان منطقتـــــنا سئمت من هذه الاخطار المطاطية التي باتت تعبر فقط عن اهواء دول في المنطقة تسعى لتسخين جبهات معينة خدمة لمصالحها، وينتهي هذا التسخين بمواجهات لا ناقة لنا فيها ولا بعير، وطبعا لا تكل هذه الدول في سبيل تحقيق اهدافها هذه في تجنيد كتابها لاظهار هذه الاخطار لنا وكأنها ‘البعبع’ الذي سيلتهمنا ويلتهم منطقتنا، رغم انها تسعى للتهدئة مع الخطر الاعظم وهو اسرائيل، ومن الاولى ان لم ترد هذه الدول وكتابها ان تركز اهتمامها على الخطر الاسرائيلي، إما ان تلتزم الصمت او لا تخترع لنا اخطارا اخرى لتدخلنا في صراعاتها، عملا بالمثل القائل: ‘قل خيرا او فاصمت’.
‘ كاتب من أسرة القدس العربي
يا احمد في مثل يمني يقول “المال يجلب الجن مربطين” الخطرالاعظم هوا المال الكثيربيد حكام طاشين……
مع الاسف الشديد ان هذا هو وضعنا العربي المزري، كل يوم تخرج علينا دول الخليج بعدو جديد. شكرا لك استاذ احمد مقال جميل
ايران عدو ومن لا يرى ذلك عنده مشكلة في تحديد الاتجاهات