“الدبلوماسية البيئية” بين الإمارات وإسرائيل.. من التعاون الوثيق إلى “إعادة الضبط”

حجم الخط
0

يشكل التعاون في مجال البيئة عنصراً أساسياً في اتفاقيات إبراهيم الموقعة في عام 2020 بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة، ولكن مقارنة بالجوانب الأخرى المدرجة في الاتفاقية، فقد حظيت باهتمام ضئيل في العلاقات الثنائية بين البلدين. تقدم هذه المقالة تحليلاً لتطور الدبلوماسية البيئية بين البلدين بناءً على المقابلات والتقارير الإعلامية والمراقبة المشاركة في المؤتمرات مثل مؤتمر المناخ في دبي (COP28) . نقارن التعاون الذي سبق الهجوم في 7 أكتوبر 2023 بالتعاون الذي أعقب الهجوم وأثناء الحرب التي اندلعت في أعقابه.

ويؤكد التحليل على إمكانات التعاون البيئي التي كانت قائمة قبل السابع من أكتوبر، ليس فقط بسبب الفوائد الرمزية والاقتصادية وفوائد الاستدامة لكلا البلدين، ولكن أيضاً بسبب التكامل الإقليمي الذي جلبه معه. وتُظهر المقارنة مع الفترة التي تلت السابع من أكتوبر كيف عملت الدبلوماسية البيئية كمنصة لإخفاء الاتصالات الدبلوماسية ومواصلة التعاون، وإن كان بدرجة محدودة.

كما ندرس العوامل التي أثرت على فرص الدبلوماسية البيئية منذ بداية الحرب وقد تستمر في التأثير، بما في ذلك اتهامات “الإبادة البيئية” و”التطبيع البيئي”. وأخيراً، نناقش مسألة كيف يمكن للتعاون البيئي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة والفلسطينيين ودول عربية أخرى أن يلعب دورًا حاسمًا في إعادة الإعمار بعد الحرب والاستقرار الإقليمي. ونستخدم إطار بناء السلام البيئي لتحليل تأثير مثل هذا التعاون على العلاقات بين البلدين والمنطقة بشكل عام.

لقد رأى الكثيرون أن إضفاء الطابع الرسمي على العلاقات بين إسرائيل والإمارات، من خلال اتفاقيات إبراهيم الموقعة في سبتمبر/أيلول 2020، كان بمثابة لحظة حاسمة في المشهد الجيوسياسي في الشرق الأوسط، والتي أعادت تشكيل الديناميكية القائمة منذ فترة طويلة بين إسرائيل والعالم العربي. دخلت الإمارات وإسرائيل في هذه الاتفاقيات لعدد من الأسباب الاستراتيجية، وأهمها الرغبة في بناء إطار أمني إقليمي قوي ضد التهديدات المشتركة المتصورة، وخاصة من إيران ووكلائها الإقليميين. وبعيدًا عن الأمن، رأت الإمارات العربية المتحدة هنا فرصة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة، وخاصة في وقت بدا فيه أن النفوذ الأمريكي في المنطقة آخذ في الارتفاع. ومن خلال توطيد العلاقات مع إسرائيل، ضمنت الإمارات مكانتها كحليف مركزي لواشنطن، مع إمكانية الاستفادة أيضاً من المزايا الدبلوماسية والأمنية لمثل هذه الشراكة. اقتصاديًا، فتحت الاتفاقيات آفاقًا جديدة للتعاون وسمحت للإمارات العربية المتحدة بالاتصال بقطاعات التكنولوجيا والابتكار المتقدمة في إسرائيل، والتي تعد ضرورية لخططها الطموحة لتنويع اقتصادها والحد من اعتمادها على النفط (فاكيل وآخرون، 2023).

منذ توقيع الاتفاقيات، تم إيلاء الكثير من الاهتمام لتداعياتها السياسية والاقتصادية والأمنية، ولكن تم إهمال جانب الدبلوماسية البيئية بين البلدين. تم ذكر التعاون في المبادرات البيئية والمناخية على وجه التحديد كهدف في اتفاقيات إبراهيم. وفقًا لنا، لعب التركيز الاستراتيجي الممنوح للمشاريع البيئية المشتركة دورًا حاسمًا في عملية التطبيع وفي تعزيز المصالح المشتركة الإضافية للبلدين.

باستخدام المقابلات مع الخبراء والملاحظة المشاركة في العديد من المؤتمرات والفعاليات، بما في ذلك مؤتمر المناخ COP28 في دبي، بحثت المقالة في آثار التعاون البيئي على العلاقات بين البلدين قبل وبعد 7 أكتوبر 2023. تم فحص النبرة واللغة المحيطة بالتعاون من خلال المقابلات وتحليل التقارير الإعلامية والبيانات الصحافية. ومنذ توقيع الاتفاقيات، تم إنشاء مشاريع وتوقيع العديد من الاتفاقيات البيئية، بدءًا من مذكرات التفاهم بين المسؤولين إلى مبادرات المجتمع المدني التي تشمل الأكاديميين ومعاهد البحث. كما تم الترويج للعديد من أشكال التعاون في القطاع الخاص، بين الشركات الناشئة الإسرائيلية في مجال التكنولوجيا الخضراء (التكنولوجيا الخضراء) والشركات من الإمارات. ومن خلال مقارنة التعاون البيئي بين البلدين قبل وبعد 7 أكتوبر وتحليل ردود فعل المجتمع الدولي والإقليمي، نستخلص استنتاجات مهمة حول قوة وإمكانات التعاون البيئي بين إسرائيل والإمارات والمنطقة بشكل عام.

الملخص والاستنتاجات:

تطور العلاقات البيئية بين إسرائيل والإمارات بشكل كبير منذ توقيع اتفاقيات إبراهيم، وكانت هناك تغييرات كبيرة في أعقاب أحداث 7 أكتوبر 2023.

قبل 7 أكتوبر: فترة من التعاون الواعد

قبل اندلاع الحرب الحالية، كان التعاون البيئي أداة رئيسية لبناء الثقة بين إسرائيل والإمارات، مع تعزيز العلاقات الدبلوماسية من خلال الأهداف البيئية والاقتصادية والسياسية المشتركة. استفادت الدولتان من خبرتهما التكنولوجية وقوتهما الاقتصادية لمعالجة قضايا مثل ندرة المياه والزراعة المستدامة والطاقة المتجددة. لم يتم استخدام التعاون كوسيلة للتعامل مع التحديات البيئية فحسب، بل أيضاً كوسيلة لتوثيق العلاقات الجيوسياسية. وشملت التطورات الرئيسية:

– التآزر التكنولوجي: تعاونت إسرائيل والإمارات في مجال التقنيات المتقدمة للطاقة المتجددة وإدارة المياه، بهدف وضع نفسيهما كقادة إقليميين في مجال المناخ.

   – المشاركة البارزة: أكدت الاجتماعات الثنائية والمنتديات المتعددة الأطراف، مثل منتدى النقب ومبادرة I2U2، على التزام الطرفين بالتعاون الدولي بشأن القضايا البيئية والمناخية. وأظهرت مشاريع مثل اتفاقية الطاقة والمياه الثلاثية مع الأردن إمكانية تعزيز التكامل الإقليمي والاستدامة.

 – أدوات بناء الثقة: أوضحت المبادرات البيئية القدرة على بناء الثقة بين البلدين وسمحت لهما بالتعاون حول المصالح المشتركة. وفي الوقت نفسه، مهدت الطريق لعلاقات دبلوماسية واقتصادية أعمق.

  – الدعم الواسع: تلقت الشراكات دعمًا واسع النطاق من الحكومات وقادة القطاع الخاص والمجتمع المدني، مع تعزيز سرد القيادة المشتركة في الابتكار البيئي.

بعد السابع من أكتوبر: إعادة ضبط الاستراتيجية والحذر الدبلوماسي

لقد غير هجوم حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر بشكل كبير ديناميكيات العلاقات البيئية بين إسرائيل والإمارات. وعلى خلفية التوترات السياسية والعسكرية المتصاعدة، أعادت الدولتان تقييم نهجهما في الدبلوماسية البيئية:

  – خفض الاهتمام العام: على الرغم من استمرار بعض المشاريع البيئية، فإن وضوح المبادرات انخفض بشكل كبير. على سبيل المثال، تم تقليص المشاركة الإسرائيلية في مؤتمر المناخ في دبي نظرًا للحساسية المحيطة بالحرب.

  –    الدبلوماسية البيئية كقناة دبلوماسية: سمحت منصات مثل مؤتمر المناخ في دبي لإسرائيل والإمارات بالحفاظ على المشاركة الدبلوماسية من خلال التعاون البيئي، وهي قناة أقل إثارة للجدل حتى في أوقات التوتر السياسي. ومع ذلك، أصبحت الاتصالات حذرة وأقل علنية، بينما تحاول الدولتان شق طريقهما عبر العاصفة السياسية في المنطقة

تظل الدبلوماسية البيئية أداة قيمة، لكنها تنطوي أيضاً على مخاطر تتعلق بالسمعة، وخاصة بالنسبة للإمارات. إن الانتقادات المتزايدة لدور إسرائيل في القضايا البيئية الإقليمية، إلى جانب اتهامات “الاستعمار الأخضر” و”التطبيع البيئي”، قد تردع الإمارات عن التعامل علناً مع إسرائيل بشأن القضايا البيئية. ويزعم المنتقدون أن المبادرات البيئية الإسرائيلية تتجاهل في بعض الأحيان الظلم الواقع على الفلسطينيين، بل وتزيد من تفاقمه.

الطريق إلى الأمام: الموثوقية والشمول

إن الموقع الفريد الذي تتمتع به الإمارات كجهة فاعلة ووسيطة إقليمية يمنحها القدرة على الاستفادة من الدبلوماسية البيئية لتعزيز التعاون الإقليمي، وربما حتى بناء السلام البيئي. ومع ذلك، لكي تكون هذه المبادرات فعالة، يجب أن تكون شاملة وتعالج الاحتياجات الواسعة، بما في ذلك احتياجات الفلسطينيين وغيرهم من أصحاب المصلحة الإقليميين.

من وجهة نظر إسرائيل، فإن مصداقية دبلوماسيتها البيئية، إلى الحد الذي تظل فيه أولوية وطنية، تعتمد على الاعتراف بالأضرار البيئية الناجمة عن سياساتها، وخاصة في غزة، وتوفير استجابة لهذه المشاكل. ورغم أن إسرائيل ليست مسؤولة وحدها عن التآكل الإقليمي في مجال البيئة، فلا مفر من قبول المسؤولية عن دورها في المشكلة، إذا كانت ترغب في الحفاظ على سمعتها كقائدة في مجال التكنولوجيا الخضراء ومبادرات المناخ. وقبول مثل هذه المسؤولية، إلى جانب ضمان المساواة في الوصول إلى الموارد مثل المياه والطاقة، ليس مسألة ذات أهمية استراتيجية فحسب، بل هو أيضاً موقف أخلاقي واضح. وإذا لم تفعل إسرائيل هذا، فمن المرجح أن تخاطر بتقويض شراكاتها الطويلة الأجل، بما في ذلك أجزاء رئيسية من الشراكة مع الإمارات، فضلاً عن الإضرار بمكانتها في الساحة المناخية.

يتطلب التقدم الحقيقي مبادرات ليست استراتيجية جيوسياسياً فحسب، بل متجذرة أيضاً في قيم العدالة والإدماج. إن معالجة هذه القضايا المقلقة أمر ضروري للحفاظ على التعاون البيئي وضمان أن يسهم التعاون بدلاً من تفاقم التوترات في بناء السلام.

من الصعب المبالغة في أهمية الفترة التي سبقت السابع من أكتوبر في إظهار الإمكانات الهائلة للتعاون البيئي بين إسرائيل والإمارات ودول المنطقة. ومن خلال دمج الشراكات الشاملة في المبادرات المستقبلية، سيكون البلدان قادرين على الاستفادة من الدبلوماسية البيئية كأداة قوية لتعزيز التنمية والاستقرار الإقليمي.

الخلاصة:

دور إسرائيل في التنافس بين الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية على قيادة المناخ والاستدامة.

امتد التنافس بين السعودية والإمارات على القيادة الإقليمية إلى مجال الاستدامة البيئية أيضاً. حيث تتسابق الدولتان على وضع نفسيهما كقائدين في هذا المجال، باستخدام المبادرات البارزة والشراكات العالمية لزيادة نفوذهما. على سبيل المثال، استضافت الإمارات منتدى حوار المناخ بمشاركة جون كيري وكبار الشخصيات العربية، وأطلقت السعودية المبادرة الخضراء السعودية. وقد أوضح حدوث الأحداث في وقت واحد الجهود المتنافسة للبلدين لقيادة أجندة المناخ في المنطقة (Zumbraegel، 2022) بالتعاون مع إسرائيل، وخاصة في مجال البيئة.

 إن الخبرة المعترف بها لإسرائيل في التكنولوجيا الخضراء تجعلها شريكًا قيمًا للإمارات وتعزز ميزتها التنافسية ضد السعودية. بفضل العمل المشترك مع إسرائيل، تعمل الإمارات على تحسين صورتها كقائد مبتكر في مجال الاستدامة وتكتسب القدرة على الوصول إلى أسواق جديدة ودعم من الحلفاء الغربيين (Sommer & Fassbender, 2024).

ومن الأمثلة الواضحة على هذه الديناميكية، اتفاقية المياه مقابل الكهرباء لعام 2021 بين إسرائيل والأردن والإمارات. وفي هذا الإطار، من المفترض أن تزود إسرائيل الأردن بالمياه المحلاة مقابل الطاقة الشمسية التي ستنتجها محطة تبنى في الأردن بتمويل إماراتي. وقد اعتُبر هذا المشروع علامة فارقة لكنه قوبل بمعارضة من السعودية، التي سعت إلى منع مشاركة الإمارات من أجل الحفاظ على موقعها القيادي، كما ورد في صحيفة تايمز أوف إسرائيل (TOI Staff, 2021) وأكدته مصادر شاركت في المفاوضات.

فرانشيسكا فاسبندر وأودي زومر

تحديث استراتيجي / معهد بحوث الأمن القومي 5/12/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية