الدراما العراقية المريضة: أسباب تقدم نظيراتها السورية والمصرية والخليجية وتراجعها

علاء الخطيب
حجم الخط
0

تشغل الدراما العراقية كثيرا من رواد مواقع التواصل الاجتماعي، وقد كتب عنها المختصون وغير المختصين كذلك.
فرمضان هو موسم المنافسة الفنية والحكم على الأعمال الدرامية، وهو الذي كشف عورات الدراما العراقية في هذا العام، الذي كنا نتأمل أن يحمل الفن همومنا ومشاكلنا وينقلنا الى مساحة للأمل والمتعة والتعليم والتثقيف الحقيقي، فالفن رسالة قبل كل شيء، والمتعة والاضحاك لا تعنيان السخرية، والجد ونقل المعاناة لا يعنيان اليأس من الحياة.

النقد والتجريح

لقد انزعج رهط من الفنانين من النقد والتجريح أحيانا، لكنهم لم يلتفتوا الى نقطة مهمة وصحية ومفرحة، وهي أن الاهتمام بالدراما العراقية من قبل الجمهور هو عملية حرص العراقيين على فنهم ورموزه، كما يعكس ذائقة فنية راقية لدى المشاهد، ويدلل على المتابعة للأعمال الفنية العراقية، ما يعطي زخما جديدا للفنانين أن يطوروا من أعمالهم وإبداعاتهم.
لقد قارن العراقيون بين أعمالهم والدراما المصرية والسورية والخليجية والتركية وغيرها، فكان الفارق كبيراً، ليس من ناحية الأداء، بل من ناحية الثيمات المتناولة من قبل الكتاب، والقولبة والتحنيط، الذي اتسمت به الدراما العراقية منذ الثمانينيات في القرن المنصرم الى يومنا هذا، حتى الأسماء تتكرر، فدائما نسمع اسم دريد وفرج ورجب ونظيرة ووداد الخ، رغم أن هناك كما هائلا من النساء يحملن أسماء رائعة، مثل زهراء وزينب وعائشة وغيرها! كما نشاهد السخرية من المواطن الريفي الجنوبي ومن لهجته وسلوكه، ويا ليتهم قلدوا المصريين في تناول موضوع الصعيدي، الذي يظهر أنه صاحب نخوة وشهامة والذي لا يساوم على الحق وهو ابن البلد الذي يحترم كلمته.
الدراما السورية والمصرية والخليجية تسعى لتثبيت نفسها وتكريس الذاكرة الوطنية والاجتماعية من خلال تناول ثيمات واقعية شكلاً ومضموناً، فعلى سبيل المثال تناولت الدراما السورية عام 1992 الحياة السورية والعادات والتقاليد في بداية القرن العشرين من خلال مسلسل كتبه أكرم شريم وأخرجه بسام الملا، وهو مسلسل «أيام شامية»، وهو أول عمل درامي يتناول التاريخ الحديث، ومن ثم جاءت «ليالي الصالحية» و«الأيام الخوالي» و«باب الحارة» و«خاتون» وغيرها من الروائع.
بينما الدراما العراقية كانت سباقة في تناول هذه الثيمة التاريخية الجميلة من خلال مسلسل «الذئب وعيون المدينة» عام 1980 وتبعه «النسر وعيون المدينة» عام 1983، تأليف عادل كاظم. وإخراج إبراهيم عبد الجليل.

تكريس الذاكرة العراقية

وقد حققا نجاحاً باهراً، لكن للأسف توقفت التجربة وأسدل الستار على تكريس الذاكرة العراقية، ما عدا بعض الأعمال المتفرقة، وبعضها جاء ركيكاً مثل المسلسل، الذي تناول حياة الدكتورعلي الوردي، الذي أنتجته قناة «البغدادية»، وكتبه عباس علي وأخرجه عبد الباري أبو الخير، فلم يتقن الممثلون اللهجة البغدادية ولم يتطرق كاتب السيناريو الى تفاصيل الحياة البغدادية ومفرداتها اليومية.
لم تتناول الدراما العراقية وللأسف موضوعات تمس حياة الناس بشكل حقيقي كوضع المرأة والشباب والعلاقات العاطفية بين الجنسين والتظاهرات وجريمة سبايكر، والموصل إبان احتلال داعش، ومعاناة المثقفين وشارع المتنبي ومقاهي بغداد القديمة، وما فيها من حكايات، البتاوين وبلاويها المقام العراقي وتاريخه، أو سير الشخصيات العراقية المؤثرة كـ«عمو بابا» و«حقي الشبلي» و«زها حديد» و«محمد مكية» و«الجواهري» و«عبد المحسن الكاظمي»، و«يوسف عمر»، والملحن ناظم نعيم، والشاعر جبوري النجار، والشاعر سيف الدين ولائي، وغيرهم الكثير من الرموز.
يتساءل البعض عن الأسباب، التي تعرقل تطور الدراما العراقية، هل هي النصوص أم الكتَّاب أو التمويل، أم الممثلون أو أشياء أخرى؟
بالتأكيد النص هو المشكلة الأولى، ولعل الفنان مناضل داوود اختصر الجواب في اعتذاره عن أدائه وأرجع ذلك للنص، لكن هناك نصوصا مهمة وعظيمة مركونة على الرفوف تتناول مواضيع لها مساس في حياة الناس والمجتمع، وهناك كتاب مهمون غابوا عن الساحة، تماماً كصباح عطوان وعادل كاظم، كما أن هناك أعمالا عراقية ترجمت الى لغات عالمية، وحصدت جوائز كبيرة، مثل «إمبراطورية الثعابين» لأحمد الجنديل و»فرنكشتاين في بغداد» لأحمد سعداوي وغيرها، لم تر النور في عالم الدراما.
لم تستطع الدراما العراقية أن تنتج نجوما جددا، فكل الوجوه مكررة وهرمة، رغم الكم الهائل من المكياج الذي يستخدمه الماكير لإعادة النضارة لهم. كما أن الوجوه الجديدة على قلتها ليست بالمستوى المطلوب ثقافياً أو فنياً .
وللأسف أصبح هم بعض الفنانين هو الحصول على المال، وليس العمل الفني وقيمته، فبعضهم لم يطٌّلع إلا على دوره في المسلسل، وهذا ما شاهدته في بعض اللقاءات التلفزيونية، حينما يسأل الممثل عن المسلسل يتبين أنه لم يقرأ النص!
كما أن غياب مؤسسة معنية بالإعمال الدرامية يشكل عقبة كأداء أمام تطور العمل في هذا المجال، إن وجدت وحدة الأعمال الدرامية في شبكة الإعلام العراقي، إلا أنها غير فاعلة بسبب التمويل تارة وبسبب التقاطعات الحزبية والسياسية تارة أخرى.
فبالإضافة الى عدم قدرة الدراما العراقية على التخلص من المحلية والخروج الى العربية، كما حدث للدراما الخليجية. بسبب ربما عدم قدرتها على الحضور محلياً أصلاً.
الجميع يعترف أن الدراما العراقية تعاني من مشاكل كبيرة، ومسلسل «يسكن قلبي» خير مثال على معاناة الدراما إذ أنه أنتج منذ سنتين ولم يعرض بسبب رفض «العراقية» شراءه، ولكن تم الاتفاق مع البنك التجاري العراقي أخيراً ليعرض برعايته، تحت لافته تظهر في العرض بعنوان «لجنة دعم الدراما العراقية».
تبقى المسؤولية على عاتق الفنانين والكتاب في معالجة أمراض الدراما العراقية، فهناك الكثير من مقومات النهوض، لكن يجب أن «نعطي الخبز لخبازته». وقبل كل شيء علينا الاعتراف أن الدراما العراقية اليوم مريضة حقا.

٭ كاتب من العراق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية