حين يستقر، يمكن التنظيم الديمقراطي للدولة وللمجتمع المواطنات والمواطنين من المشاركة في الشأن العام فيظل ضمانات للحريات ولحقوق الإنسان ولكرامته ولتكافؤ الفرص وبحث مشروع عن المبادرة الفردية.
بالقطع وبالتحرر من المقاربة المثالية للديمقراطية، تتفاوت حظوظ الناس وتؤثر الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية في درجات شعورهم بالحريات وحقوق الإنسان وممارستهم للمبادرة الفردية. إلا أن تمكين قطاعات تتسع باطراد يمثل قاعدة أساس للديمقراطية، ويقترن بها دوما التحرر من الخوف النابع إن من قمع الحكام للمحكومين أو من تراكم المظالم المجتمعية. وفي الكثير من الحالات، توفر الحريات والحقوق والكرامة الإنسانية والمبادرة الفردية والتحرر من الخوف بيئة مساعدة تدفع بالدولة والمجتمع المعنيين إلى التنمية المستدامة والتقدم.
على الرغم من ذلك، يجافي الصواب الاعتقاد بأن القبول الشعبي للتنظيم الديمقراطي للدولة وللمجتمع يستند فقط إلى ضمانات الحقوق والحريات الشخصية والعامة التي تقر دستوريا وقانونيا وتفعل سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. فبجانب ضمانات الحقوق والحريات، تدلل الخبرات التاريخية والمعاصرة للديمقراطيات على أن قبولها الشعبي يرتبط بأفضليتها مقارنة بالأنماط الأخرى للحكم ولإدارة الشأن العام فيما خص تحقيق التنمية المستدامة والتقدم والسلم الأهلي. وعد الديمقراطية هو اقتران الحقوق والحريات بتحسن الأحوال المعيشية للمواطنات وللمواطنين وارتفاع مستوى الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية والثقافية التي يحصلون عليها وتمكينهم بتمايزاتهم من المشاركة في النشاط الاقتصادي على أساس من تكافؤ الفرص والمنافسة وضمان مشاركتهم في الحياة الاجتماعية وكذلك ممارستهم للشعائر الدينية في إطار من الحرية والمساواة والأمن.
وعد الديمقراطية والتحول الديمقراطي هو اقتران الإقرار الدستوري والقانوني للحقوق والحريات بتنامي التزام الدولة ومؤسساتها وأجهزتها والتزام الكيانات الجماعية غير الحكومية بسيادة القانون والسلمية ومحاربة الفساد واستغلال المنصب العام.
أما حين تخفق الديمقراطيات والمجتمعات الساعية إلى التحول الديمقراطي في تحقيق التنمية المستدامة والتقدم والسلم الأهلي، فإن حضور ضمانات الحقوق والحريات الشخصية والعامة لا يحول بين الناس وبين الاندفاع الجماعي نحو تأييد أنماط أخرى للحكم تبني قبولها الشعبي على وعد مضاد، إن باستعادة التنمية والتقدم كما فعلت الفاشيات الأوروبية والآسيوية في النصف الأول من القرن العشرين والحكومات الفاشية والعسكرية في أمريكا اللاتينية في نصفه الثاني أو بإنقاذ السلم الأهلي وبناء الدولة القوية وتحقيق التحرر الوطني كما فعلت نخب الاستقلال (عسكرية ومدنية) في العديد من الدول العربية والإفريقية في النصف الثاني من القرن العشرين أو بخليط من كل هذا ومعه الحنين إلى الحد الأدنى من الاستقرار الذي تذهب به دوما التحولات الديمقراطية في بداياتها والتخلص من قوى سياسية تختزل الحرية في صراعات حزبية لا تنتهي وفي تأجيج غير مسؤول للاستقطاب المجتمعي كما تدلل خيرات ما بعد الربيع العربي 2011.
الخبرة التاريخية والمعاصرة لأنماط الحكم غير الديمقراطية تثبت عجزها عن تحقيق التنمية المستدامة والتقدم والسلم الأهلي والحفاظ على الاستقلال الوطني على نحو مستقر وتدلل أيضا على تواتر زجها بدولها ومجتمعاتها إلى أتون أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية لا تنتهي
وفي حالات أخرى، كالصين التي لم يتطور بها أبدا التنظيم الديمقراطي، تستجيب أغلبية مستقرة من الناس لمساومة جماعية جوهرها قضاء الدولة على الفقر وضمانها للتقدم الاقتصادي والاجتماعي وللتنمية المستدامة وتخلي المجتمع، باستثناء مجموعات صغيرة من المفكرين والكتاب والصحافيين والحقوقيين وأساتذة الجامعات، عن المطالبة بالحقوق والحريات الشخصية والسياسية.
غير أن الإشكالية الكبرى هنا هي أن الخبرة التاريخية والمعاصرة لأنماط الحكم غير الديمقراطية تثبت عجزها عن تحقيق التنمية المستدامة والتقدم والسلم الأهلي والحفاظ على الاستقلال الوطني على نحو مستقر وتدلل أيضا على تواتر زجها بدولها ومجتمعاتها إلى أتون أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية لا تنتهي. وقد يستفيق الناس، وبعد اندفاعهم لتأييد التخلي عن الديمقراطية أو استبعادها من قاموس المرغوب به جماعيا على خسارتهم لكل شيء بغياب التنمية المستدامة والتقدم وانهيار ضمانات الحقوق والحريات. هكذا انتهت الفاشيات الأوروبية والآسيوية والحكومات العسكرية في أمريكا اللاتينية، وهكذا كان السجل التاريخي للعديد من نخب الاستقلال في الدول العربية والإفريقية.
ولم يبتعد عن خبرة فشل أنماط الحكم غير الديمقراطية في تحقيق التنمية المستدامة إلا دول كالصين لها خصوصية جلية ترتبط بالتاريخ والجغرافيا والمساحة والكثافة السكانية والموارد الطبيعية الهائلة، ودول مثل سنغافورة التي تبنت نموذجا تنمويا ناجحا عماده قيادة نخبة الحكم للقضاء على الفقر ونشر التعليم ومحاربة الفساد، ودول ذات ثروات طبيعية هائلة كالدول النفطية في الخليج.
يعني هذا، وأسجله اليوم والأزمة المجتمعية والسياسية الراهنة في تونس تدلل بجلاء على فقدان الناس للثقة في الآليات والإجراءات الديمقراطية بعد أن أمعنت قوى حزبية عديدة في اختزال الحرية في مماحكات واستقطاب وأهدرت بسوء إدارة بالغ حق المواطنات والمواطنين في النجاة صحيا واقتصاديا من جائحة كورونا التي تعصف بالبلاد، يعني أن الأمل في ضمانات فعالة ومستقرة لحقوقنا وحرياتنا يظل معقودا على استعادة القبول الشعبي لبناء الديمقراطية كحل وتمكين آلياتها وإجراءاتها من إحداث مفاعيلها في المجتمع باتجاه التنمية المستدامة والتقدم والسلم الأهلي والدولة القوية العادلة دون انقطاعات.
يعني هذا أيضا ضرورة وجود نخب سياسية واقتصادية ومجتمعية قادرة على التفكير بواقعية في مسارات بناء الديمقراطية والحفاظ عليها وفي سبل حقيقية للحد من المماحكات والاستقطاب وتجنيب البلاد أخطار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، يعني هذا، أخيرا، حتمية الربط بين التحولات الديمقراطية المأمولة وبين الوعد بتحقيق التنمية المستدامة والتقدم والسلم الأهلي والربط دون استعلاء زائف بين المكتسبات الديمقراطية على أصعدة ضمانات الحقوق والحريات وبين مطالب الناس الحياتية ومحورها في بلادنا الفقيرة الخبز والدواء والأمن.
كاتب من مصر
بدول العرب منتسبوا أجهزة عسكرية وأمنية وأقرباؤهم وأصدقاؤهم يجاوز نصف السكان وبيئة الأعمال والصناعة والأغلبية الصامتة والأقليات تفضلهم على الفوضى، بالتالي لا يصل موقع مسؤولية أو يبقى فيها إلا من كان منهم أو مدعوماً منهم ويتسلحون عادةً بالعروبة والثقافة العربية الإسلامية السمحة الجامعة مع التمسك بالهوية الوطنية فتصبح معاداتهم بمثابة خيانة عظمى للوطن والأمة، بالتالي لا ينجح الإسلام السياسي بتغيير المعادلة حتى لو حصل على تأييد غربي مؤقت كما حصل لربيع تركي إيراني بأوطان العرب والذي تبخر واندثر سريعاً
لا توجد نخب علمية واقتصادية ومجتمعية قادرة على الحلول فى بلادنا العربية. بل توجد دول عربيةكبيرة في الجوار قادرة على التحكم في مصير الجوار. مثل ما حدث في مصر ويحدث الان في تونس
أزمة كورونة اصبحت مطية لامتطاء صهوة فرس الانقلاب على المسار الديموقراطي.
أزمة كورونة في تونس هي بالدرجة الأولى أزمة مفتعلة ولا اظن ان المعطيات الصحية في تونس حقيقية. اظن زيف في زيف من اجل تمرير الانقلاب.
وجود نخب سياسية واقتصادية ومجتمعية قادرة على التفكير بواقعية في مسارات بناء الديمقراطية والحفاظ عليها وفي سبل حقيقية للحد من المماحكات والاستقطاب وتجنيب البلاد أخطار الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأمنية، كلام جميل ولكنه لا يتحقق .. لماذا؟لأن الأنظمة المستبدة والمنشارية لا تقبل وجود هذه النخب، وتوظف نخبا مماثلة مقابل بعض الفتات، تمتهن الكذب والدجل والنصب والاحتيال، وتأليه الديكتاتور، وتبرير أخطائه وخطاياه، ولأيتحقق لأن الغرب الاستعماري واليهود الغزاة يعملون ليلا ونهارا لتصنيع الطغاة الذين يقومون عادة بالقضاء على العناصر التي تؤسس للمقاومة والاستقلال والحرية، ثم هناك تحالف ضمني مع حكام التخلف والتهويد والتنصير لحرمان أي شعب يفكر في رفع رأسه. لقد اختزلت النخب المصنعة على يد الطغاة المسألة في حزب إسلامي أو جماعة إسلامية، مع أن هذه وتلك تمضي أسيرة الخوف من القتل والذبح كما حدث في رابعة والنهضة والحرس واكرداسة وناهيا والقائد إبراهيم وسيدي جابر وسموحة والسويس و…. لا بد من تربية الشعب على المقاومة والعمل بمفهوم الحرية والاستقلال.