الدعاء هو العبادة لكن المسلمين يسيئون فهمه يصبح الدعاء مجرد كلام إن لم يتم دعمه بالفعل والعمل

حجم الخط
10

ماذا يريد الله جلت قدرته أن يعلمنا من خلال الأدعية القرآنية التي هي أهم الذكر وأهم الأدعية، ومن الأدعية المأثورة وما يجري على لسان المرء من أدعية، حسبما يمر به وما تمر به الأمة من أحوال وظروف، فمثلاً يقول الله في محكم آياته: ‘وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعانِ…’ وقالَ ربُّكم أُدعوني أستجب لكم…’، فهل المقصود أن نترك أعمالنا وأسباب رزقنا ونقعد في المساجد والبيوت رافعين أكف الضراعة فحسب؟ عندما رأى الخليفة الثاني عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، رجلاً يدعوفي المسجد طول يومه، نهره قائلاً: ‘إن السماء لا تمطر ذهباً ولا فضة’. فهل كان ذلك نهيا عن الدعاء؟ قطعا لا؛ بَيْدَ أن المطلوب مع الدعاء الفعل الذي يؤدي إلى أعمال تترجم فحوى الدعاء. هذه حقيقة مهمة يجهلها كثير من المسلمين إلا من رحم الله، وقليل هم .
الدعاء هو العبادة، صحيح لأنه ذكر لله وتقرب منه سبحانه يُطمئِن القلب ‘ألا بذكر الله تطمئن القلوب’، ولأنه يمنح المرء سلاما داخليا ويخفف عنه غلواء الظروف، التي يدعو الله بها وتحسسسه بالراحة النفسية، لأنه يناجي مالك الملوك ملك الملوك مالك الملك جبار السموات والأرض، غير أن الكثيرين يسيئون فهم الدعاء، فالدعاء يصبح مجرد رغي ووسيلة تنفيس فقط إنْ لم يتم دعمه بالفعل والعمل. فنحن مثلاً ندعو منذ أكثر من 60 سنة ‘اللهم حرر المسجد الأقصى من بين براثن اليهود الصهاينة’، بينما نحن قعودٌ نرغي فقط و’اليهود الصهاينة’ تجاوزوا مرحلة ‘البراثن’ إلى التهويد المطلق والحفر تحت المسجد الأقصى وتدنيسه بأقدام صهاينتهم وتهويد القدس حاضنة الأقصى بكاملها وطرد أهلها الشرعيين واستيطانها أو اغتصابها وتغيير معالمها وملامحها، وأقدم أحد متطرفيهم على حرقه عام 1969. فهل دعمنا دعاءنا الشفهي القولي اليومي، خاصة في شهر رمضان، بالفعل العملي المؤدي إلى عمل أو أعمال تحرر المسجد الأقصى من ‘براثن اليهود الصهاينة ‘، أقصى ما عمله المسلمون للأقصى تأسيس ما يسمى ‘بمنظمة التعاون الإسلامي’ كردة فعل (وليس حتى ردة فعل) ومنذ تأسيسها لم تحرك إصبعاً في اتجاه المسجد الأقصى، وهي التي تم تأسيسها في الأصل من أجل الدفاع والمحافظة على الأقصى، ولم نرَ منها سوى كلام في كلام .
إذن لا نشك ولا نماري لحظة أن الدعاء هو العبادة، غير أنه وحده لا يعمل فنحن – ونسوق مثلاً آخر صار لنا مئات السنين ندعو ‘اللهم دمر أعداء الدين’، وأعداء الدين في ازدياد لأننا مع الدعاء لا نأخذ بأسباب القوة التي أمرنا الله بالأخذ بها، وهي فريضة بنص الكتاب والسنة. إنه منتهى الجهل المطبق بعبادة الدعاء .فالله يريدنا أن ندعوه فيستجيب، بمعنى مثلاً إن دعوناه سبحانه بأن ينصرنا ويثبت أقدامنا علينا أن نعمل في اتجاه ما دعوناه به ونتوكل عليه فيستجيب لنا فينصرنا ويثبت أقدامنا. كثير من المسلمين لا يفهمون الدعاء على هذا النحو. قبل أسابيع قليلة كنت في أحد المساجد الكبيرة خلال شهر رمضان المبارك، ومكث الإمام أكثر من ربع ساعة وهو يقنت، أي يدعو دعاء القنوت في صلاة التراويح ويبكي ويجهش بالبكاء، وكأنه يتوقــــــع أن الله سيرسل ملائكة تنفذ له وللمصلين من ورائه الذين أخذتهم العاطفة وجرفهم الانفعال (وهــــو عن تجربة إحساس مؤقت ينتهي مفعوله بمجرد الخروج من المسجد) وانتقلت إليهم عدوى بكاء الإمام فطفقوا يبكون وتحولت صلاتنا إلى مناحة كبرى وكأن الله سيعطيهم ما يريدون وما يدعونه به بمجرد البكاء المر على أوضاع الأمة. لقد أمرنا الله ‘وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل (طائرات دبابات مدافع إلخ ) ترهبون به عدوالله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم’، ولم يأمرنا بأن نكتــفي بالبكاء بين يديه سبحانه ضعفاء أذلاء غير قادرين على فعل أي عمل. ولذلك علمنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم، وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحيٌ يوحى) بأن ‘المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف’، أي الذي يكتفي بالرغي والبكاء ضعيفاً ذليلاً وهذا لا علاقة له بالمؤمن مطلقا.
أستاذ جامعي وكاتب قطري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فلسطيني مقهور:

    بارك الله لك نرجو من الله ان يشرح صدور آلامه الاسلاميه لفهم معنى الدعاء …. وجزاك الله عنى كل خير

  2. يقول حسام:

    ندعو الله ان يستجيب لهذا الكلام

  3. يقول A.rahman:

    ونسوق مثلاً آخر صار لنا مئات السنين ندعو ‘اللهم دمر أعداء الدين’، لقد كنا ندعوا على أنفسنا فنحن في الحقيقة أعداء هذا الدين اللدودين فبدلاُ من أن نرتقي إلى القيم الروحية السامية ونفعل الخيال والفن والأدب الإعجازي الذي جاء به القرآن ونركض خلف الحكمة ألتي ما جاء رسول هذه الأمة إلا ليعلمنا إياها وجدتنا نخرج هذا الدين عن مساره لنحوله لدولة دنيوية بكل معنى الدونية لذا علينا أن نعيد النظر في مفهوم هذه الرسالة السماوية ونطرح عنها ما علق بها من تراب الجاهلية وإلا سنضل تحت إصرنا إلا يوم يبعثون

  4. يقول جزائري:

    هَبْ انك رجل ناجح في الحياة ولك ثروة عظيمة …ولك ولدان أحدهما يكد ويجد ويشق طريقه في الحياة بحزم وعزم كبيرين …والآخر كسول متواكل لا يبذل جهداً يُذكر…ترنو عيناه فقط الى ثروة ابيه …

    اذا طلب كلاهما منك مساعدة (من اي شكل) …ايهما تجيب بتلقائية وبسرعة ؟…ولله المثل الاعلى !

    شكراً أستاذي الكريم على هذه اللفتة الى هذا القانون الرباني (سنة الله) في الدعاء والاجابة !

  5. يقول صالح:

    يا دكتور علي ، كلامك بليغ و جميل و منطقي ،،، ولكن لا أخالك تجهل أن نواصي زعماء الأمة بيد البيت الأسود في واشنطون ،، تحياتي

  6. يقول abdelhamid الجزائر:

    السلام
    اصبح الدعاء في دبر الصلوات وكانه تمثيل يبكي الامام ويبكي المصلين ثم يستقلون سياراتهم الفاخرة ويقبلون على ما لذ وما طاب من الاطعمة ويسافرون الى عواصم الدول الغربية للدعوة فكم دعوتم ولكن لا جدوى فالكفر في ازدياد حتى في ديارنا وهكذا
    الا يخجل اولئك الداعون والمؤمنزن من وراءهم من تكرار هكذا ادعية لسنين طويلة ولا اجابة لا القدس تحررت ولا تقدم العرب ولا شفي ذلك الملك او ذاك الرئيس ولم يوفقوا لخدمة شعوبهم الا يعون ان المشكل فيهم والنقص منهم فارجو ان لا يكون نفاقا ولا حولة ولا قوة الا بالله

  7. يقول حامد:

    قال الله جل جلاله : ادعونی استجیب لکم . ولکن لاستجابت الدعاء شروطا
    اولا ندعواالله مخلصین له الدبن ، ندعواالله بتضرع ، ندعوا الله و بطوننا خالی
    تماما من لقمة الحرام ، ندعوالله و لیس فی قلوبنا ذرة تکبر ، و….. حتی یستجاب
    الدعاء .

  8. يقول أبو إسلام سامي:

    جزاك الله خيراً أخي علي ( باريت قومي يعلمون )

  9. يقول عباس مراد:

    الكاتب اجاد واصاب ان اهم عمل يأتيه الانسان هو ان يعقل ويتوكل وينطلق

  10. يقول علاء:

    شكرا دكتور علي ،لكن ياليت قومي يسمعون فيفهمون و يطبقون ،فعالم عامل خير من الف عابد قاعد !! 

إشترك في قائمتنا البريدية