الدورة التاسعة والسبعون للجمعية العامة: غزة مركز الدائرة

عبد الحميد صيام
حجم الخط
0

الأمم المتحدة ـ «القدس العربي»: انطلقت صباح الثلاثاء الماضي أعمال الدورة التاسعة والسبعين للجمعية العامة بحضور ممثلين عن 194 دولة، بما فيها فلسطين. من بين المشاركين 76 رئيس دولة، وأربعة نواب رئيس و42 رئيس حكومة، و9 نواب رؤساء وزراء، و 54 وزير خارجية، ونائب واحد لوزير خارجية و4 وفود على مستوى سفير. ومن بين المتحدثين 19 سيدة منهن 5 رئيسات ونائبة رئيس واحدة و4 رئيسات حكومة و9 وزيرات.
وسبقت الدورة اجتماعات «قمة المستقبل» التي استغرقت يومين. والقمة عبارة عن محاولة طموحة من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لوضع نوع من الضغط الأخلاقي والمعنوي على الدول الكبرى والغنية لتصحيح العطب الكبير الذي ميّز أعمال المنظومة الدولية منذ إنشائها عام 1945 وخاصة مجلس الأمن والنظام المالي المتمثل في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ومن ناحية أخرى الاستعداد لمواجهة المخاطر الجديدة مثل التغير المناخي والفروقات الرقمية والذكاء الاصطناعي وعسكرة الفضاء وسباق التسلح وخاصة النووي. تنتهي الدورة رفيعة المستوى يوم الإثنين 30 أيلول/سبتمبر ليبدأ عمل اللجان الست التي تتقاسم جدول أعمال الدورة.

القضايا الرئيسية الثلاث

وبعد متابعة غالبية الخطابات نستطيع أن نقول إن هناك مواضيع ثلاثة طغت على غيرها من القضايا وتكررت تقريبا في كلمات معظم الوفود وهي:
– الحروب المشتعلة حاليا وعلى رأسها حرب الإبادة في غزة وامتداداتها أولا للضفة الغربية وثانيا إلى الجبهة اللبنانية. يلي ذلك الحرب الروسية الأوكرانية ثم السودان واليمن وميانمار. أضف إلى ذلك تلك النزاعات المسلحة والأزمات المستعصية الأخرى مثل سوريا وليبيا والعراق وأفغانستان والصومال ومالي والكونغو وهايتي.
– إصلاح منظومة الأمم المتحدة وخاصة مجلس الأمن الدولي. معظم المتحدثين، وخاصة الدول الأفريقية والبرازيل والهند وغيرها تطرق لموضوع الخلل البنيوي في تركيبة مجلس الأمن الدولي الذي يمثل العالم كما كان بعد الحرب الكونية الثانية لا كما هو اليوم. كل الأعضاء طالب بإصلاح مجلس الأمن بما فيها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا. لكن لا أحد يعرف كيف وما هي الدول التي تستحق الانضمام للمقاعد الدائمة أو غير الدائمة.
– التحديات الكونية التي لا تقف عن حدود أو ثقافات أو أعراق بل تشكل أخطارا على مستقبل البشرية جمعاء وتحتاج إلى جهود جماعية مركزة للتصدي لها مثل التغيرات المناخية والأوبئة الفتاكة والجريمة المنظمة والإرهاب والاختراقات السيبريانية والذكاء الاصطناعي وغيرها.

ملاحظات خارج السياق

بينما تناولت بعض كلمات الرؤساء مأساة غزة بتفاصيلها تعامى حلفاء الكيان الصهيوني كليا عن المأساة وكأنها لم تحدث. فبعض المتصهينين الجدد آثروا أن يعطونا محاضرة طويلة عن إنجازاتهم الاقتصادية موجهين الخطاب للناس في بلادهم دون إعطاء الصراعات المسلحة أي اعتبار ومن بينهم الرئيس الأرجنتيني خافيير جيراردو مايلي. بعض دول أوروبا الشرقية والبلطيق ركزت كلماتها على حرب أوكرانيا فقط مثل رئيس أستونيا.
الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ألقى كلمة مباشرة بعد كلمة الرئيس الأمريكي جو بايدن، يستحق جائزة أفضل خطاب عن غزة بلا منازع. فقد تميز بالشمولية والشجاعة والتفاصيل ومزج المعلومات الدقيقة عن حالات معينة بلغة عاطفية صادقة. فالخطاب محاججة قانونية وسياسية وإنسانية عن مأساة الشعب الفلسطيني منذ 76 سنة. وبدأه بالترحيب بجلوس الوفد الفلسطيني بين وفود الدول وليس على مقاعد المراقبين.
الشجاعة ظهرت، في موقفين أساسيين: الدفاع عن حركات المقاومة الفلسطينية ونفي تهمة الإرهاب عنها وما حدث يوم 7 أكتوبر يندرج ضمن مقاومة الاحتلال وما دام الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال فمن حقه أن يقاوم.
والنقطة الثانية هو تشبيه نتنياهو بهتلر. ولا أعتقد أن زعيما عربيا أو إسلاميا يستطيع ذكر اسم هتلر إلا اردوغان. قال: «كما أوقف تحالف الإنسانية هتلر قبل 79 عاما، فلابد أن يوقف تحالف الإنسانية نتنياهو وشبكة القتل التابعة له. ونعتقد أن سلطة الجمعية العامة في تقديم توصيات بشأن استخدام القوة، كما هو موجود في قرار الاتحاد من أجل السلام لعام 1950 يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار بالتأكيد في هذه العملية». واتهم الدول الغربية والفاعلة التي تؤيد إسرائيل وتدعمها في ارتكاب المذبحة، قد سقطت أخلاقيا بعد هذا العدد الكبير وغير المسبوق من الضحايا المدنيين من أطفال ونساء وصحافيين وعمال إغاثة ومتضامين دوليين مثل الشهيدة التركية عائشة نور.
خطاب الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أيضا كان في غالبيته يتعلق بغزة ومأساة الشعب الفلسطيني ودور قطر في الوساطة. وأكثر ما لفت انتباهي عندما رد على من يتهم بالإرهاب شخصية مهمة كانت تفاوض حول وقف إطلاق النار مثل إسماعيل هنية. وقال إن ما يجري في غزة إنما هو «عدوان سافر هو الأشد همجية وبشاعة والأكثر انتهاكا للقيم الإنسانية والمواثيق والأعراف الدولية. إنها ليست حربا بمفهوم الحرب المعروف والمتداول في العلاقات الدولية، بل هي جريمة إبادة بأحدث الأسلحة لشعب محاصر في معسكر اعتقال لا مهرب فيه».
الملك عبد الله الثاني أثار مسألة شرعية الأمم المتحدة كمنظمة دولية من المفروض أن تصون السلم والأمن الدوليين لكنها تعجز عن حماية موظفيها ومؤسساتها ومدارسها، حيث تضرب هذه الأزمة في صميم شرعيتها، وتهدد بانهيار الثقة العالمية والسلطة الأخلاقية للمنظمة. وقال: «تتعرض الأمم المتحدة للهجوم، بشكل فعلي ومعنوي أيضا منذ قرابة العام، وعلم الأمم المتحدة الأزرق المرفوع فوق الملاجئ والمدارس في غزة يعجز عن حماية المدنيين الأبرياء من القصف العسكري الإسرائيلي». وما لفت نظري أيضا في خطابه قوله إن من يقدم السلاح لإسرائيل لتتابع حرب الإبادة إنما هو شريك في تلك الحرب.
رئيس جنوب أفريقيا سيريل راموفوزا خصص جزءا أساسيا من كلمته للدفاع عن الشعب الفلسطيني وتوضيح السبب الذي دعا بلاده أن تذهب إلى محكمة العدل الدولية تطلب رأيا قانونيا في ما يجري في غزة وما إذا كان «إبادة جماعية». وقال إن عذاب شعب غزة ما زال مستمرا بلا هوادة. ونسمع كلامه الرصين: «نحن الجنوب أفريقيين نعرف كيف يبدو الفصل العنصري. لقد عشنا الفصل العنصري. عانينا ومتنا تحت نظام الفصل العنصري. لن نلتزم الصمت ونشاهد الفصل العنصري يُرتكب ضد الآخرين». ودعا إلى ضرورة إنهاء المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون من خلال الأمم المتحدة والأدوات التي بحوزتها. وقال «القانون الدولي لا يمكن تطبيقه بشكل انتقائي، ولا توجد دولة أكثر مساواة من أي دولة أخرى».
الرئيس الفلسطيني محمود عباس: قال «أوقفوا هذه الجريمة. أوقفوها الآن. أوقفوا قتل الأطفال والنساء. أوقفوا حرب الإبادة. أوقفوا إرسال السلاح لإسرائيل. لا يمكن لهذا الجنون أن يستمر. إن العالم بأسره يتحمل المسؤولية إزاء ما يجري ضد شعبنا في غزة، وكذلك في الضفة الغربية التي تتعرض لعدوان إسرائيلي يومي متواصل وحملة استيطان شرسة». ودعا إلى توفير الحماية لشعبنا على أرضه في دولة فلسطين.
خطاب نتنياهو- خطاب الكذب والعنجهية والوقاحة. لقد كان هناك استفتاء دولي على شعبية نتنياهو، فقد ألقى كلمته في قاعة الجمعية العامة شبه الفارغة بعد أن قررت غالبية الوفود العربية والإسلامية والصديقة مقاطعة الجلسة. وعندما اعتلى المنصة بدأ الصراخ والاحتجاجات على وجوده متزامنا مع مزيد من الانسحابات حيث انتشر في القاعة نوع من الفوضى لعدة دقائق بشكل عطل بداية الكلمة واضطر رئيس الجلسة إن يدعو عدة مرات لعودة النظام إلى القاعة مستخدما مطرقته مرة وراء مرة. وقد أحضرت البعثة الإسرائيلية مئات المدعوين ووزعتهم على جوانب القاعة والطابقين الثالث والرابع للتصفيق لنتنياهو. بل وجلس بعضهم على مقاعد الوفود الفارغة ليوهموا أنفسهم أولا أن هناك دولا لم تقاطع.
الكذب وصل منتهاه في أنه لا يستهدف المدنيين. ولا توجد مجاعة في غزة. والغرور بأنه سينتصر ويهزم ست جبهات مفتوحة عليه، وأنه سيحرر الرهائن، والوهم الأعمى بأن الحل هو استسلام المقاومة وتسليم سلاحها وخروج قياداتها وتسليم أنفسهم للكيان.
وخطاب الوقاحة في عرض خرائطه الوهمية والتي يلغي فيها وجود فلسطين تماما ويضم إليها الجولان ويحلم يوما بالتمدد في كل الشرق الأوسط وأسماها خريطة الأمل أو البركة أو النعمة.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية