في باريس انحنى الرئيس الفرنسي أمام موجات الاحتجاج الشعبي التي تقودها حركة السترات الصفراء منذ قرابة شهر، فخرج عن صمته ولحق برئيس وزرائه إدوار فيليب ليعلن حزمة تنازلات جديدة في محاولة لتهدئة الغضب العارم. وكان تعزيز القدرة الشرائية لذوي الدخل المتواضع وأبناء الطبقة الوسطى هو العنوان الأبرز للإجراءات المقررة، وبينها زيادة الحد الأدنى للأجور بمقدار 100 يورو شهرياً، وإلغاء الضريبة على معاشات التقاعد وساعات العمل الإضافية، بما يكلف الخزينة بين 8 إلى 10 مليارات يورو.
كذلك اجتمع ماكرون، أمس واليوم، مع ممثلين عن المصارف وكبريات الشركات وأرباب العمل، طالباً منهم «المشاركة في الجهد الجماعي» لمعالجة أزمة وضعت فرنسا في «لحظة تاريخية»، مؤكداً على ما لوح به في كلمته المتلفزة من إمكانية إجبار رؤساء الشركات الفرنسية على سداد ضرائبهم في فرنسا، واتخاذ المزيد من التدابير لمكافحة «الامتيازات غير المبررة والتهرب الضريبي». وفي هذا مسعى لتبديد صورة شائعة عن ماكرون في الأوساط الشعبية الفرنسية تفيد بأنه «رئيس الأغنياء»، وأن الكثير من سياساته ضاعفت أرباح الشركات والمؤسسات المالية العملاقة وأفقرت الطبقة الوسطى.
وإذا كان من السابق لأوانه المراهنة على نجاح هذه التنازلات في امتصاص النقمة الشعبية، فمن الواضح في المقابل أن الرئيس الفرنسي تأخر في الإنصات إلى النبض الحقيقي للشارع الشعبي وراهن من جانبه على عنصر الزمن الكفيل بإرهاق المتظاهرين والمعتصمين وترك تظاهراتهم واعتصاماتهم تتراخى تلقائياً، خاصة بعد أن أعلن رئيس الوزراء تأجيل الضرائب على الوقود ستة أشهر. فالحراك الآن يتخذ صفة السترات الصفراء من حيث الشكل فقط، ولكنه في المضمون توسع كثيراً واتخذ مسارات اجتماعية وسياسية معقدة باتت أقرب إلى سترات إنقاذ لكثير من مؤسسات النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الفرنسي الراهن، الذي يحمل اسم «الجمهورية الخامسة».
لكن الحاجة إلى سترة إنقاذ من الغرق لا تقتصر على فرنسا وحدها، لأنها تضرب بجذورها في ركائز الفلسفات الرأسمالية والليبرالية الجديدة التي تحكم معظم الديمقراطيات الغربية المعاصرة، في ظل هيمنة الأجهزة البيروقراطية للاتحاد الأوروبي حيث تفرض بروكسل حدود الإنفاق الحكومي في ميزانيات الدول الأعضاء، وتحد من برامج الضمان الاجتماعي والتنمية الإنسانية، وتضعف من فرض القطاع الحكومي في منافسة القطاع الخاص ضمن هذه الميادين. وليس غريباً في ضوء هذه المسارات أن تتنامى أكثر فأكثر قوى اليمين المتطرف والانعزال والعنصرية ضد الأجانب والمهاجرين، وأن تصعد تدريجياً إلى سدة الحكم في بلدان مثل إيطاليا وهنغاريا والنمسا.
ومن مفارقات هذه الحال أن الحكومة البريطانية، التي صوت أكثر من نصف أبنائها لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، تواجه اليوم مأزقاً مفتوحاً لا يتيح لها صيغة مقبولة للانفصال، ولا صيغة مرضية للتراجع، عدا عن الانقسامات المتزايدة داخل حزب المحافظين ذاته. فهل كانت مصادفة محضة أن كلمة ماكرون المتلفزة، تزامنت مع قرار رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تأجيل تصويت مجلس العموم على صفقة الخروج؟ أم أن مآزق الغرق الاجتماعية في فرنسا، تتوازى مع مآزق الغرق الدستورية في بريطانيا، وكلاهما يتقاطع مع مآزق أخرى تتعاظم على نحو أو آخر في معظم أرجاء القارة العجوز؟
السلام عليكم
تحية طيبة مباركة
(في باريس انحنى الرئيس الفرنسي أمام موجات الاحتجاج ) وأنا أقول(في باريس انحنى الرئيس الفرنسي أمام رغبات شعبه) وأرى ما قلت هو الصواب لأنّه لم يقابل الإحتجاجات بالعصي والهروات الكهربائية والذخيرة الحيّة كما فعل(ضم الفاء وكسر العين)بأصحاب (رابعة) ذات يوم في مصر رغم أنّهم رفعوها (سلمية سلمية) ولكن مادام كان الأمر قد دبّر بليل فلم تشفع لهم سلميتهم وقضوا نحبهم تحت عجلات الدبابات ومن سلم من الرصاص دفع به إلى شاحنة (أبو زعبل) وهو مقيد اليدين ومعصوب العينين ليقول القائد (وقع تمرد) فلحقوا بأصحابهم جثثا ومن سلم من هذه وتلك أصبح إمّا مطارد أو بين جدران السجن…هل ذا رأيناه في فرنسا مع رئيسها الشاب الذي إرتوى الديمقراطية والرأي الآخر وليس كحكأمنا إمّا معي أوأنت ضدي…وهنا من تبجح ليقول (فرنسا يلزمها رئيس ك:(س.س.) وهل فرنسا عقرت أم رأيها تلف حتى تأخذ برأي غيرها وهنا نقول :(وأين تضع رأيها؟) فرنسا ليست كدولنا رأيها تملكه ولا تبيع قدسيتها بكمشة أرز أو بطانيات أو السكوت من أجل قمع الحريات..
ولله في خلقه شؤون
وسبحان الله