«الديمقراطيات» المجرمة!

كان وصول أدولف هتلر لمنصب المستشارية في المانيا، ديمقراطيا حسب التوصيف الغربي فقد فاز حزبه، العمال الالماني الاشتراكي الوطني بالانتخابات البرلمانية عام 1932 بنسبة 32 في المئة، وهي أعلى نسبة يحققها حزب وحده حينها.
ولم يصل بينيتو موسوليني للسلطة في إيطاليا بواسطة إنقلاب عسكري، بل بقوة الضغط الشعبوي الذي أجبر الملك على تكليفه بمهمة تشكيل الحكومة الفاشية.
أما فرانسيسكو فرانكو ديكتاتور إسبانيا والانقلابي الذي تعاون مع النازيين والفاشيين فقد استطاع الاحتفاظ بنظام حكمه اللاديمقراطي حتى وفاته عام 1975، بفضل تخادمه مع أمريكا الديمقراطية، ودخوله حضيرة حلف الناتو الديمقراطي جدا!

سوق غربية

تبدو للوهلة الأولى أنها سوق حرة بين البائع والشاري فيها يفتح الله، نظريا الانتخابات هي يوم الاختيار، والمشاركون يصوتون، ويحدد الفائز بالاكثرية، وفعلا يحصل هذا، وبكل نزاهة، لكن القضية ليست في الممارسة نفسها وإنما في المنظومة ككل، لأن الديمقراطية ليست مجرد انتخابات حرة ونزيهة، إنها عدالة في نظام الدخل، والضرائب، والرعاية التمويلية، والدفاع عن مصالح الأكثرية. انها إنصاف دون تمييز بين أبيض وأسود، مسلم أو يهودي. هي منظومة ليس فيها بيع وشراء للذمم، والنفوذ، وتوازنات لمن يملك مفاتيح السوق ومزاداته وبورصته!
يقول نعوم تشومسكي “الديمقراطية الأمريكية أداة لتحكم الأقلية بالأكثرية، وهي منظومة حكومية تسيطر فيها صفوة المجتمع المؤسسة من مجتمع المال والأعمال على الدولة بسبب سيطرتها على مجتمع القطاع الخاص في حين يتفرج سكان الدولة بما يحدث في صمت”.
ووصف تشومسكي هذا ينطبق بدرجات متفاوتة على معظم الديمقراطيات الغربية بما فيها “ديمقراطية” إسرائيل الوصيفة لديمقراطية حكم الأبارتايد البائد في جنوب افريقيا !
برغم تحول الاستعمار الأوروبي والأمريكي المباشر لبلدان الجنوب الى شكل إمبريالي غير مباشرعبر الهيمنة على شرايين الاقتصاد وعلى الأسواق وعلى المؤسسات الدولية المختصة كصندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، إلا أن أمريكا لم تتخل بعد عن سياسة التدخل العسكري المباشر، وفرض الأمر الواقع بالقوة ضاربة عرض الحائط بميثاق الأمم المتحدة، ومبادئ حقوق الإنسان، وحق تقرير المصير، التي تتعاشق مع الديمقراطية الحقة، بل تعاظم سباق تسلحها، وتغول حلفها العسكري، الناتو. وراحت أمريكا تتصرف وكأنها سيدة العالم، وبمعية حلفها الغربي، بعد حرب فيتنام وأفغانستان والعراق، أعطت لمحميتها إسرائيل الضوء الأخضر بالتوسع لإقامة إسرائيل الكبرى بعد أن ضمت الجولان السوري المحتل والقدس الشرقية، والزحف الاستيطاني لأراضي الضفة الغربية.
وبعد طوفان الأقصى كرد فعل على محاولات تصفية الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وقفت بكل ثقلها مع حرب الإبادة المعلنة على الشعب الفلسطيني، وبكل نفاق مفضوح تذرف دموع التماسيح على الضحايا المدنيين، وبنفس الوقت الذي تزود الجاني بما يحتاجه لإتمام المذبحة، وتمنع وتعرقل أي جهود محايدة لايقاف المجزرة!
سلطة الدم، وليست سلطة الشعب، فالشعوب تطالب حكامها بوقف المجزرة، لكن حكام أمريكا وذيولها يتمنعون، الأمم المتحدة ومنظماتها المتخصصة، وأغلب دول العالم تطالب بتطبيق القانون الدولي الذي تخترقه إسرائيل كل دقيقة، أمريكا وإسرائيل يهددان المحاكم الدولية التي تنظر بالواقعة بدعوى عدم الاختصاص، لأن المدعى عليه “دم – قراطي”!
في ظل هيمنة الغرب ونفوذه على العالم وخاصة بعد انتهاء الحرب الباردة تحولت الرأسمالية من الجشع الى الفحش، وذلك في انعدام المساواة، وتضاعف ثروات أغنى خمسة رجال في العالم فيما تفاقم فقر خمسة مليارات شخص في العالم.
إنها في الجوهر ديمقراطية لاستهلاك طاقة البشر وصرف انتباههم عن غياب العدل والمساواة وجعلهم يتوهمون حرية كاذبة في تقرير مصيرهم ومشاركتهم في الحكم عبر صناديق الاقتراع التي تحولت لتوابيت يموت فيها الصوت الحر قبل أن يتم احتسابه.
خصصة الديمقراطية واحدة من رذائل الديمقراطية الغربية إضافة الى رذيلة تجزئة مضمون الديمقراطية واختزالها بالتداول الانتخابي للسلطتين التشريعية والتنفيذية. أما السلطة العميقة سلطة رأس المال الذي يتحكم بالسلطة الرابعة وما بعدها وقبلها، فهو خارج نطاق التغطية الانتخابية، إفراغ الديمقراطية من مضامين العدل والمساواة وتكافؤ الفرص وفصل المال عن السياسة، يجعلها خاوية إلا من القشرة التي سرعان ما تتكسر لتدور الدوائر مجددا بأنظمة حكم شبيهة بالنازية والفاشية والصهيونية!
سبق المؤرخ الإغريقي هيرودوت ميثاق الأمم المتحدة عندما قال في القرن الخامس قبل الميلاد: إن أسمى فضائل الديمقراطية هي المساواة أمام القانون. ويقول أرسطو: إن رجل الدولة الديمقراطي حقا يجب أن يدرس كيفية إنقاذ الأغلبية من الفقر المدقع.
بهذه المقاييس النزيهة كل الساكتين عن الذي يجري في غزة هم إما طغاة أو جهلة أو شركاء. وبالتأكيد فإن أمثال بايدن وبلينكن وسوناك ليسوا بجهلة، أما أمثال نتنياهو وبن غفير وسموتريتش فهؤلاء قتلة مع سبق الإصراروالترصد، وهم دمويون عنصريون لا صلة لهم بالديمقراطية.

مجرمو الحروب

من أجرم بحق شعب هيروشيما وناغازاكي ليس ديمقراطيا، ومن قرر احتلال أفغانستان والعراق ليس سوى مجرم حرب! الديمقراطية الغربية أصبحت كالستارة الذهبية تغطي عيوبا جوهرية تناقض الصورة التي تقدم بها نفسها لنفسها، وللعالم، مع أن الديمقراطية هي في الأصل مفهوم سياسي نسبي ينطلق من تطبيقات حكم الشعب لنفسه، وبحكم لا وجود لشعب يرتضي لنفسه بان يُحكم بالحديد والنار فإنه حتما لا يقبل بحكم الشعوب الأخرى بالحديد والنار أيضا، وإنْ حصل العكس فالنظام المعمول به ليس ديمقراطيا وإن ادعى ذلك!
كاتب عراقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية