الديمقراطية المشهدية إذ ينغص الخوارج أفراحها

عندما وضعت زوجة الأمير ويليام مولودها قامت دنيا الإعلام الغربي ولم تقعد. جيش من الصحافيين والمصورين يحاصر العيادة الطبية في انتظار الخبر السعيد، وسيل تلفزيوني لا يتوقف من ‘وننتقل الآن إلى مراسلنا’، وأكوام من بطاقات التهنئة وأكاليل الورود من إهداء جمهور عاشق متيّم. إذاعات وتلفزيونات جادة تخفض درجة أهمية أخبار الحروب والأزمات والتقتيل والتشريد لتستهل نشراتها بخبر ولادة الأمير. وجرائد رصينة ترصد صحافيين ومصورين وتفرد حيزا بارزا على صدر الصفحات الأول لتغطية النبأ.
حالة استنفار إعلامي قصوى، عرفت مجلة ‘برايفيت آي’ الساخرة كيف تنفذ إلى مدلولها النهائي عندما نشرت على غلافها عنوانا يقول: ‘امرأة تضع مولودا’ !!! إذ ليس في المسألة حقا أكثر من هذا: ولادة أخرى ضمن آلاف الولادات التي تحدث في بريطانيا، ومئات الآلاف التي تحدث في العالم، كل يوم. ومع ذلك، فإن للإعلام ولقطاع واسع من الجمهور ولعا بالغا بالعائلة المالكة البريطانية يتسقطون أخبارها شاردها وواردها ويتتبعون أبناءها وبناتها حيثما ذهبوا.
وليس من سر في هذا. فالجمهور في كثير من البلدان الغربية محب لهذه العائلات، مهتم بجميع المشاهير. وقد تمثلت إعادة الإنتاج الإعلامية لهذا الواقع في تأبيد اشتراطات الديمقراطية المشهدية التي يمليها ‘مجتمع الفرجة’ (كما تحدث عنه غي ديبور).
ولكن اللافت في الملكيات الديمقراطية أن الساسة لا يجرؤون على وضع هذا الولاء الشعبي للعائلات المالكة أو الشغف بها موضع السؤال، بل إنهم يسلّمون به معطى اجتماعيا قائما. وليس هذا من فرط العجز عن التفكير النقدي أو عن تصور مجتمع لا حاجة به إلى الوله بأخبار سلالات الدم الأزرق. وإنما السبب هو إيثار السلامة الانتخابية طالما أن ‘الجمهور عاوز كده’.
ولهذا فقد أثبت نائب حزب العمال البريطاني في مجلس السلطة المحلية لمدينة لندن توم كوبلي جسارة نادرة عندما قرّع زملاءه من النواب قبل أسبوعين على تسابقهم في إرسال بطاقات التهاني والتبريكات بمولد الأمير جورج. وقال لهم: كيف وجدتم الوقت ‘لتهنئة أرستقراطيين ثريين غاية الثراء على[مجرد] أنهما أنجبا’ ولدا.
وكتب كوبلي على مدونته: ‘بين حين وآخر يفرض علينا مشهد يصيب بالمغص يتمثل في وقوف نواب البرلمان في طوابير أي تنافسهم لتقديم التحية أو التهنئة للعائلة المالكة لهذه المناسبة أو تلك. وكنت آمل لو أن مجلس مدينة لندن بلغ من الحداثة درجة تجعله يترفع عن مثل هذه الاستعراضات في فن التملق والتمسح بالأعتاب، ويتركها للخبراء أسفل النهر’ أي لمحترفي النفاق).
فبماذا أجاب النواب؟ قال قائلهم: إن كوبلي هذا من ‘الخوارج’ على موقف الجمهور. يريد أن ينغص علينا فرحتنا ويسفه أحلامنا، إنه لفي ضلال بعيد. أفلا يعلم أنه قد بيّن لنا، بهذه الكآبة و’النكدية’، سبب خيبة مسعى أصحاب الدعوة الجمهورية في المملكة المتحدة؟!
كلام تبريري قد يكون له عذر في ما لاحظه قدماء الرومان: بالخبز والسرك تحكم الشعوب.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية