أتخيل الديمقراطية امرأة صارمة معروفة بالعدل والمساواة والإنصاف، تعيش منشرحة متهللة الوجه نشيطة الحركة، منتعشة القلب حين تلغي من يخضع لأوامرها ويبتعد عن محاذيرها، لكنها تعيش مضطربة غضوبة حين تعيش بين قوم سمتهم الخدعة والكذب والرياء، والادعاء والإغواء والانسياق للأهواء. في هذه الأيام تجد الديمقراطية اسما فقد مسماه، يتحدثون عن جمالها وفضائلها وعدلها، وحين تقول ما ينبغي، يختلف وقعها على صدور الناس، فمن وافقت هواه جاهر بالتمسك بها ومدحها بأجمل القصائد، ومن خالفت هواه يتجَهَّم، ويثور فيتهجَّمُها و يتهمها ويصفها بالوسواس الخناس الذي يضر بمصالح الناس، لذا يتجاهل نداءاتها وأوامرها فيُشهر في وجهها السلاح، وفي ذات الوقت يقول للناس أنه المحصن لمبادئها والساعي إلى غرسها كي تنمو فتصدَّ الظلم والظلمات كي يسود العدل والنور وتندحر الأنانيات؛ فالكل يركب أنانيته، ويسعى لإرضائها بأي ثمن بعيدا عن الديمقراطية وأخواتها من المسميات، الكل يخفي خبثه وراء مسميات إلى حين. في الميادين ترى الديمقراطية وقد فقدت أسنانها وأصابعها وجل وجهها، تراها تتقاذفها الأقدام في كل ميدان.. فإذا ما احتجَّتْ هرع الأقوى المسلح لتكميم فمها وتقييد أطرافها للتحدث باسمها وتقويلها ما لم تقل، ويبلغ عنها ما لم ولن تفعل مهما كانت الأحوال. تحل الديمقراطية بالميدان عازمة على الإنقاذ ونصرة العباد من قهر الأوغاد، لكنها بعد هنيهة، تراها وقد غادرت شائهة القوام، متشحة بالحزن والغيظ والآلام، وفي ذات الوقت تراها ساخرة من اللاعبين باسمها وصفاتها، لأنها ستكون الغالبة في يوم ما، فالحق والحقيقة شمس، والغرابيل مهما تعددت لن تقدر على حجب النور عن عشاق النور . لحسن ملواني – المغرب