الرئيس اللبناني ومقولة «النظام لا يتغير بالساحات»

حجم الخط
17

قدّم الرئيس اللبناني ميشال عون ردّه على الاعتصامات والمظاهرات والاحتجاجات المتواصلة منذ 17 تشرين الأول/أكتوبر الحالي، وطرح في اللقاء القصير المسجّل معه مجموعة من الأفكار التي تستحق القراءة باعتبارها صادرة عن المسؤول الأول في لبنان، وكذلك باعتبارها مناسبة لقراءة طريقة فهم النخبة اللبنانية لأوضاع بلدها وحقيقة ما يجري فيه.
على عكس أغلب خطابات الزعماء العرب الذين ووجهوا بمظاهرات تطالب بإسقاط النظام وتصرخ مطالبة بتنحيهم ومحاسبتهم، لم يعتبر عون الأمر برمّته «مؤامرة» شخصيّة أو «كونيّة» ضده، ولم يتهم المتظاهرين بأنهم عملاء للخارج أو إرهابيون، ولم يطلب بالتالي من الجيش والقوى الأمنية المؤتمرة بأمرته استئصال أولئك «الإرهابيين العملاء» و«سحق المؤامرة»، والأغرب من ذلك أن عون زاود على المتظاهرين بالحديث عن «الطائفية التي حطمتنا والفساد الذي نخرنا وأوصل البلاد إلى الهاوية».
غير أنه بعد هذه المقدمة الزاهية بدأ بإزجاء المدائح إلى نفسه فتحدث عن التزامه بمحاربة الفساد ونشره للأمان والاستقرار واستعماله كافة الوسائل لتحقيق النهوض بلبنان، وأنه، لولا «الذهنية الطائفية» لتمكن من وضع صاحب الكفاءة في المنصب الذي يستحقه، ولم يبق عليه سوى مشكلة واحدة وهي «الأزمة الاقتصادية».
اعترف الرئيس أن اللبنانيين لم تعد لديهم ثقة بالطبقة الحاكمة اللبنانية وأنهم صاروا يتلقون الضريبة باعتبارها خوة، وأنها ستسرق عبر وسائل الهدر والفساد، ولحلّ المشكلة الاقتصادية اقترح عون «إرجاع الأموال المنهوبة»، ومن أجل ذلك فقد قدّم هو شخصيا قانونا لاستعادتها، كما كلّف لجنة بالتدقيق في كل الموازنات السابقة على عهده، وسوف يحيل الفاسدين إلى القضاء، كما سيتم نزع السرية المصرفية عن حسابات الوزراء والنواب والمسؤولين، وسيكون، هو شخصيا، «سقف الحماية» للقضاة الذين سيحاسبون أولئك الفاسدين بشرط «ألا تقوم طائفة» سارق الأموال العامة «بالدفاع عنه بشكل عمياني»، كما أن الساحات ستبقى مفتوحة للمحاسبة، وأنه سيلتقي ممثلين عن المتظاهرين لسماع مطالبهم، وكذلك ليشرح لهم مخاوف طبقته السياسية من الانهيار الاقتصادي.
ينهي الرئيس اللبناني خطبته التي خضعت، بشكل واضح، إلى الكثير من التقطيع والمونتاج، بفكرة إشكالية وهي أن «إسقاط النظام لا يتغير بالساحات ولكن عبر المؤسسات الدستورية»، وهي مقولة غريبة حقا، وتكاد تنسف كل ما قاله سابقا، فإذا كان النظام لا يتغير بالساحات فلماذا قامت الحكومة بالاستجابة للمتظاهرين وطرحت ورقة دستورية اعتبرها، هو نفسه، إنجازا للمحتجين، وكذلك لماذا ظهر هو نفسه على الشاشة ليطرح وعودا لم يطرحها سابقا؟
غير أن المفارقة الكبرى في خطاب عون هي حديثه تارة باعتباره «ضحيّة» مثل الجماهير الخارجة إلى الشوارع، وأنه حاول جاهدا منذ تولي منصب الرئاسة تحقيق تلك المطالب الجماهيرية الملحّة (وفشل بالتالي)، وكذلك اعتباره نفسه خارج نطاق المحاسبة رغم أن جزءاً كبيراً من الغضب الشعبيّ منصبّ عليه شخصيا، وعلى صهره جبران باسيل، وريثه في رئاسة «التيار الوطني»، وأحد أكثر الوزراء المؤثرين في الحكومة الحاليّة، وفي الحكومات السابقة.
يعلم عون طبعا، رغم أنه يتجاهل، أن التغيير في لبنان كان يمرّ دائماً عبر الشارع والساحات، وينطبق هذا الأمر عليه هو شخصياً، الذي جاء بقوة حراك شعبي قويّ، وكذلك رئيس الوزراء الحالي سعد الحريري، وكذلك «حزب الله»، وهؤلاء جميعا، متشاركون حالياً في محاولة إجهاض الشارع الذي ملّ من الانقسامات الطائفية التي يزعم عون مناهضتها.
خطاب عون جاء متأخرا كثيرا لشارع تجاوزه كثيرا ورفع عنه الغطاء. أعاد اللبنانيون اكتشاف أنهم شعب واحد من طرابلس إلى النبطية عبورا بجبيل وجل الديب وذوق مكايل وبيروت وصيدا وصور، وعلى الطبقة الحاكمة، وعلى رأسها عون، أن تفهم هذا الأمر وتبعد قبائلها الحزبية الصغيرة من أمام اللبنانيين.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول بلحرمة محمد:

    مقولة ان اي نظام لا يتغير بالساحات وانما عبر المؤسسات الدستورية هو كلام يجانب الصواب جملة وتفصيلا حيث ان الشعب هو من يقوم بانتخاب الرئيس وهو الحاكم الفعلي للبلاد فكلمة الشعب هي العليا لا يعلو عليها اي خطاب اخر فادا لم يستطع الرئيس او تهاون في مهمته فالشعب هو الدي يطالب بتنحيته وليست المؤسسات لانه من يضمن ان هده المؤسسات تابعة للنظام كما نرى ونتابع في كل البلدان العربية فهل راينا مثلا اي مؤسسة – برلمانية – عربية تحاسب الرئيس او المتنفدين او الدائرين في فلكه؟ هل تابعتا اي مؤسسة قضائية عربية تحاكم الرئيس بفعل الفساد او التهاون او خيانة الامانة؟ قولكم يا فخامة الرئيس ميشال عون ليس صحيحا فالشعب هو صاحب الكلمة الاولى والاخيرة.

  2. يقول محمد حاج:

    حكام يطحنون الشعوب ويستحلون الثروات ويدعون الفقر والضيق ، وعندما تنزل الشعوب الى الشارع وتشتعل المظاهرات مطالبة بالقضاء على الفساد ، تظهر فجاة الحلول عند الحكام فيعدون الشعوب بكل ما يطالبون به من إصلاحات دستورية ومالية واجتماعية ، بل بإلغاء الضرائب وإعادة تشغيل العاطلين عن العمل .
    فلماذا لا يعملون الا إذا ثار الشعب ؟ هل كانوا مطمئنين أن الشعوب نائمة ؟ أم كانوا مشغولين بالفساد ؟

  3. يقول محمد حاج:

    وما حقيفة المعلومة التي ذكرها أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الامريكية في الكويت د. جورج إيميل عيراني ، من أن ٨٠٠ مليار دولار اختفت من لبنان دون حسيب أورقيب ؟

  4. يقول ابن الاردن:

    شرعيًا وقانونيًا الرئيس عون معذور، لقد بلغه الكبر ، وبلغ من الكبر عتيا ، للسن احكام لهذا هم رشحوه وأصروا على ترشيحه ليحكموا من وراء ستار، فأصبح في قفص بين باسيل وحسن نصرالله ، يردد ما يقولانه له،. 1958 اسقط الشعب اللبناني عهد كميل شمعون ، لم يسمع بسقوط. مبارك وابن علي والقذافي والبشير وبوتفليقة !!!! لم يسمع. ،،،، اذا الشعب يوما أراد الحياة. ،،،،، فلا بد ان يستجيب القدر !!!! المعطيات الأولى ان الثورة اللبنانية مستمرة ،،، لكن هل هناك فؤاد شهاب آخر في الجيش اللبناني،،،؟؟

  5. يقول ابن الاردن:

    قبل أيام احيى الرئيس ذكرى مئات من شهداء الجيش اللبناني الذين سقطوا تحت قيادته في تصديه للاحتلال السوري !!! واليوم يسعى عرابه باسيل والمرشد الأعلى صاحب ولاية الفقيه حسن نصر للتوجه الى حاكم سوريا ؟؟؟ حقا شيء عجاب !!!! لقد رضي بالدور الخلفي لقيادة لبنان وتسليم امن لبنان وقيادته المطلقة. الى حسن نصر الله ؟؟؟ ويدعي انه يمثل لبنان القوي ؟؟؟
    العهد الحالي هو اضعف عهد في لبنان دون نقاش !!!

  6. يقول كريم إلياس/ فرنسا:

    انت مخطئ يا سيادة الرئيس…ساحات الاعتصام أسقطت كثير من الديكتاتوريات و أنظمتها القذرة العفنة…انتم تتهربون من المسؤولية التاريخية لا اكثر..انتم تقفزون على الواقع…و انت شخصيا تدرك جيدا ان حكام لبنان ..هم مجرد أمراء حرب..و قادة مليشيات ..عاثوا فسادا و قتلا و تدميرا…في وقت من الأوقات..فلا تحاول تغطية الشمس بالغربال…كما يقال..!و شكرا لقدسنا الموقرة

  7. يقول alaaa:

    سيتغير النظام بإذن الله وسنري عملآء الصهاينه في المزابل .

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية