نواكشوط- “القدس العربي”:
أثار اجتماع أنهاه فجر اليوم الخميس الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز مع القيادة السياسية لحزبه “الاتحاد من أجل الجمهورية” التي تضم وزراء في حكومة الرئيس غزواني، جدلا واسعا متواصلا في المشهد السياسي الموريتاني.
فقد أكد هذا الاجتماع الذي وضع البلد في مفترق طرق، أن الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز الذي حكم عشرية يصفها معارضوه بـ”عشرية اللهب”، ما زال يطمح للعودة للحكم أو على الأقل للسيطرة على نظام رفيق دربه الرئيس محمد الشيخ الغزواني بواسطة الأغلبية النيابية التابعة لحزبه وعبر عشرات كبار المسؤولين الذين احتفظوا بمواقعهم في الحكومة التي تلت الانتخابات.
وأكد بيان صدر فجر الخميس عن اجتماع الرئيس السابق مع قيادة حزب الاتحاد “أن المشاركين في الجلسة ناقشوا واقع الحزب وآفاقه ومشروع الحزب ومستقبله”.
وبخصوص واقع الحزب، أكد البيان “أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية الذي تم تأسيسه 2009 شكل مشروعا مجتمعيا واكب العشرية الأخيرة والتي تميزت، حسب البيان، بإنجازات مشهودة في مختلف مناحي الحياة “.
فك الارتباط
“وقد طالب الرئيس المؤسس (محمد ولد عبد العزيز)، يضيف البيان، من الحاضرين المضي قدما في تحقيق الأهداف التي على أساسها تم تأسيس الحزب والتي تتجاوز كونه مجرد حزب سياسي، إلى مشروع مجتمعي يواكب تطلعات المجتمع، كما يشكل أساسا لترسيخ الديمقراطية في البلاد دون أن يكون مرتبطا بالأشخاص أو بالسلطة، كما يطمح أن يكون مشروعا وطنيا جامعا لكل الموريتانيين بمختلف ثقافاتهم وجهاتهم وألوانهم وأطيافهم الثقافية والسياسية”.
وأضاف البيان “أن هذا الطموح لموريتانيا هو الذي أملى علينا أن نقف بقوة خلف برنامج “تعهداتي” لفخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني حيث كان برنامجه تعبيرا جليا عن رؤيتنا ومشروعنا لموريتانيا وتحقيقه ضمان لعبور موريتانيا نحو أفق واعد من التنمية والنهوض والبناء”.
مؤتمر وخطة إعلامية
وأشار البيان إلى “أن الرئيس المؤسس حث قيادة الحزب على التحضير الجيد لاستئناف أشغال المؤتمر الثاني في أفق النصف الأول من شهر فبراير 2020، كما طالب بإرساء قواعد إستراتيجية إعلامية للحزب تواكب نشاطاته وتمكن من التواصل مع الجمهور بشكل سريع وفعال”.
المنشقون ينسقون
وبالتوازي مع اجتماع الرئيس السابق بقيادة حزبه، عقد المنشقون عن حزب الاتحاد المطالبون بوضعه تحت مظلة الرئيس الغزواني وبجعل الرئيس الغزواني مرجعيته بدل الرئيس السابق، اجتماعا تنسيقيا برئاسة الخليل ولد الطيب وهو نائب سابق في البرلمان وأحد داعمي انقلاب الجنرال عزيز عام 2008.
الغزواني لا غير
وكتب الدكتور عبد الله ولد النم وهو رئيس اللجنة السياسية لحزب الاتحاد وعضو اللجنة المؤقتة لتسيير الحزب وأحد الداعمين للرئيس غزواني، مقالا بعنوان “حتى يظل الحزب رافعة”، أكد فيه “أن الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني يملك نظرة استشرافية للفعل السياسي، وأن على الحزب الاعتماد الصريح على المنهاج السياسي الذي رسمه محمد ولد الشيخ الغزواني بما يجعله رافعة للبرنامج الطموح لفخامة الرئيس بعيدا عن ذلك الطموح الهلامي الذي لا سند سياسيا ولا قانونيا له في ظل نظام رئاسي يتركز العمل فيه تحت توجيهات رئيس الجمهورية”.
المدونون يحللون
ولم يكد ينفض اجتماع ولد عبد العزيز مع أنصاره، حتى صب المدونون ومعظمهم من معارضي الرئيس السابق، سيل تعليقاتهم المنتقدة لعودة الرئيس السابق للمشهد السياسي ولمحاولته نفخ الروح في حزب الاتحاد مع الضغط على الرئيس الغزواني ليخرج عن تردده ويمسك بزمام الأمور.
أنصار غزواني مستاؤون والبلد أمام مفترق طرق
وكانت قراءة المدون البارز محمد الأمين الفاضل وهو محلل سياسي متمكن، لاجتماع الرئيس السابق بجماعته “أن موريتانيا دخلت مرحلة جديدة لن تكون سهلة”، حسب رأيه.
وأضاف “لقد قرر الرئيس السابق أن يخاطر من جديد وأن يغامر، وهو الذي تعود على المخاطرة، والمخاطر إما أن يكسب كل شيء أو يخسر كل شيء، فهل ستكون هذه هي آخر مخاطرة سياسية للرئيس السابق؟”.
عزيز: أنا المرجعية
“لقد أبرق الرئيس السابق من خلال اجتماع البارحة، يضيف الفاضل، ببرقية واضحة وصريحة جدا تقول بلسان الحال: أنا هو مرجعية الحزب، ولذا فقد ترأست لجنة تسييره رغم عدم عضويتي فيها، وعلى من يرفض مرجعيتي للحزب أن يخرج من باب الحزب أو من نافذته، وإلى غير رجعة”.
وتوقف المدون أمام فقرة وردت في البيان الصادر عن الاجتماع أكد فيها مسؤولوه “أن الحزب غير مرتبط بالأشخاص ولا بالسلطة، مبرزا “أن هذه العبارة تعني سياسيا بأنه غير مرتبط بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني الذي يمثل السلطة، أما ارتباط الحزب بالأشخاص، أو بصفة أدق بشخص محدد، فهو أمر معلوم، وقد أكده اجتماع البارحة الذي ترأسه شخص ليس عضوا في لجنة تسييره”.
المخاطرة والمعركة
وقال “لقد قرر الرئيس السابق أن يخاطر وأن يدخل في معركة مفتوحة مع جهات عدة، فهل سينجح في هذه المخاطرة أم أنها ستكون آخر مخاطرة؟، مضيفا وله “من المؤكد بأنه لا يمكن لأي بلد أن يقاد برأسين، ولقد قرر الرئيس السابق أن يطل برأسه إلى السلطة من خلال اجتماع البارحة، فهل ستنجح تلك الإطلالة أم أن الرأس سيقطع هذه المرة؟”
وللإجابة على هذه الأسئلة، أكد المدون “أنه لم يعد بإمكان الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني أن يستمر في تجاهل ما يحدث داخل حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، فتجاهل ما حدث البارحة، سيعزز من حجة أولئك الذين يقولون بأن الرئيس السابق هو من يتحكم في الأمور، وعندما يقتنع بذلك فسيتحول الأمر إلى حقيقة وإلى أمر واقع، حتى وإن لم يكن كذلك في الأصل”.
الخصوم والضربة القاضية
وأضاف الفاضل “هناك خصوم كثر للرئيس السابق، فهناك المعارضة، وهناك داعمو الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني من خارج حزب الاتحاد من أجل الجمهورية، وهناك داعموه من داخل الحزب، وهناك ضحايا الرئيس السابق، فهل سيتمكن الرئيس السابق من الانتصار على كل هؤلاء وهو يحارب بسلة مملوءة بالبيض، ويمكن لبيضها أن ينكسر بكامله عند أبسط حركة”.
وخلص الفاضل في تحليله إلى طرح السؤال الكبير وهو هل سيكون بإمكان خصوم ولد عبد العزيز السياسيين أن ينسقوا فيما بينهم لتوجيه الضربة القاضية سياسيا على الرئيس السابق؟.
إعادة إنتاج الذوات
وتحت عنوان “من يحكم من”، كتب المحلل السياسي البارز إسماعيل يعقوب
معلقا على الجدل المثار بقوله “ستكون بالتأكيد معادلة صعبة إن حافظ حزب الاتحاد من أجل الجمهورية على وجوده وهو خارج السلطة مهما ترأس الرئيس السابق اجتماعاته، وستكون أيام صعبة على أنصار الرئيس الجديد ولد الشيخ الغزواني إن ظلوا متفرجين على هذا المشهد الذي يُحاول فيه بارونات حزب الاتحاد من أجل الجمهورية حتى لا أقول (الحزب الحاكم) إعادة إنتاج أنفسهم”.
وقال “نحن أمام معركة سياسية قادمة داخل القصر الرئاسي، أو حالة من التشارك في القيادة غير مسبوقة في المشهد السياسي الموريتاني”.