الرجل الذي ينام أربع ساعات

حجم الخط
0

تنحصر معركة حياة رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان في أنقرة. وبرغم أن جميع استطلاعات الرأي تشير الى فوز في اسطنبول لحزب العدالة والتنمية الاسلامي بقيادته اذا أراد أن يحقق حلمه في العشرين سنة الاخيرة ويصبح رئيس تركيا القادم، فانه يجب عليه أن يكون الفائز الاكبر في العاصمة ايضا.
ستُجرى في بداية الاسبوع القادم في محافظات تركيا الثلاثين انتخابات المجالس البلدية. وأصبح المرشحان البارزان في أنقرة الآن وهما رئيس البلدية المكلف ماليا غوكتشيك من الحزب الحاكم وخصمه منصور يباس من الحزب العلماني، أصبحا مشغولين بتبادل الضربات الكلامية المسمومة. فبعد أن أشاعا الوعود وشهّرا وقذف أحدهما الآخر بكلام بذيء، حذر يباس من أن المعركة على رئاسة البلدية ستنتهي الى كارثة فظيعة. وقال ‘عندنا معلومات عن أن 100 أو 150 من صانعي المشاكل المسلحين تسللوا الى المدينة وهم ينتظرون اللحظة المناسبة لتنفيذ تصفيات’. ويباس على يقين من أن الحزب الاسلامي هو الذي ارسل البلطجية، وليست عند غوكتشيك مشكلة في أن يهدده بـ ‘أنهم جاءوا لتصفيتك’.
سيعدوا الصحفيون جيئة وذهابا في يوم الاحد بين صناديق الاقتراع مثل اردوغان. ‘لا أحد يستطيع أن يحزر من سيفوز هذه المرة’، تبين الصحفية التركية تولين دالوغلو. ‘إن الواضح هو أن اردوغان لا يستريح لحظة واحدة، فهو يتصرف كأنما يجب عليه أن يحوز الصندوق كاملا. وأرى كيف يعدو من مكان الى آخر ويرتبون له مسيرات انتخابات على مدار الساعة وتأتي الحشود. أول أمس مثلا حضر مليونان الى مسيرة.
‘صحيح أنه لن يصوت له الجميع، وصحيح أنهم في المناطق السيئة الحال يأتون بالأساس كي يحصلوا على الهدايا التي يوزعها نشطاء الحزب كالأوشحة وزجاجات الشرب ورزم الغذاء والهدايا التذكارية والحلوى. لكن يجب أن ننتبه الى أن الاكثرية الكبيرة من الشعب التركي لا تطلب اليه أن يقيل الحكومة برغم جميع القضايا التي جربناها في السنة الاخيرة وقد تكون هذه اشارة الى أن اردوغان سيحرز الهدف الذي أعلنه لنفسه’.
أصبحت عند اردوغان خطة برج منظمة اذا فاز: ففي آب القريب بعد شهر رمضان فورا سيخرج بمنافسة حياته في منصب رئيس تركيا القادم. ‘لكنه اذا خسر’، يقول الاديب والمثقف التركي جنكيز كندار محذرا، ‘فقد ينتهي أمره الى المحكمة بسبب قضايا الفساد، وتلقي رشوة من جماعة رجال الاعمال، والانحياز في المناقصات وسيطرة غير قانونية على وسائل الاعلام وتصفية حسابات عنيفة مع خصومه’.

قتل عصفور وعدم استراحة
حدث شيء في تركيا في 24 شباط. ففي كل مساء كانت أيد خفية ترفع الى اليو تيوب اشرطة وأفلاما مسيئة تحت الاسم الشيفري ‘باسكلان’ وتعني بالتركية ‘اللص الكبير’. ووجه ذلك فورا الى مندوبي رجل الدين المغترب في نيويورك فتح الله غولان، في المحاكم وقيادة الشرطة، لكن ذلك لم يعق الـ 12 مليون انسان عن جعل مشاهدة هذه المشاهد متعة مثيرة لا يجوز اضاعتها.
كان هؤلاء يستطيعون أن يسمعوا صوتا يشبه صوت اردوغان يتحدث الى ابنه الشاب رجل الاعمال بلال، أو بلال وهو يهاتف صديقه وشريكه ومجموعة اخرى من كبار رجال الاعمال. وكان يمكن أن يستدل من الاحاديث المسجلة على مئات ملايين الدولارات تنقل من يد الى يد. وعلى حرف مناقصات بناء في اراض عامة وعن صحف مسيطر عليها تخضع لنزوات السلطة السياسية بل اشتروا لأنفسهم فرق كرة قدم.
يُسمع اردوغان في أحد الاشرطة يقول لبلال: ‘إهتم سريعا بأن تبعد عن البيت مليون دولار كي لا يضبطوا عندك مالا نقدا’. وتُبسط في خمسة اشرطة اخرى خطة بلال الاعمالية لشراء سلسلة جزر أبكار في بحر إيجة في مقابل 35 مليون دولار، وبيعها بربح عظيم من شركة مقاولين في امارة قطر في الخليج الفارسي تحلم بانشاء مواقع سياحية هناك. ‘وأنا اسأل كيف وقعت هذه الثروة في أيدي ابن رئيس الوزراء الشاب؟’، يقول في غضب طالب اللقب الثاني في الجامعة مصطفى رجيب من اسطنبول. ‘كيف نجح في أن يجمع عشرات ملايين الدولارات؟ ومن أين جاءت كل الاموال؟ ومن الذي أعطاه ولماذا؟’.
وانتقلت الافلام الساخنة القصيرة سريعا الى تويتر. وقد كادت الشبكة تنهار بحسب تسجيلات وزارة الاتصالات التركية حينما كان يسجل في كل يوم مليونا تغريدة ردود وتحليلات وفكاهات مسمومة على حساب رئيس الوزراء. وأنكر اردوغان وانقض في غضب على خصمه غولان، وعزل ضباط شرطة كبارا وأجرى تطهيرا في جهاز القضاء. ‘إن عدو النظام يسعى الى أن ينشيء عندنا دولة ظلال ولن أدعه يفعل ذلك’.قال اردوغان عن غولان في غضب في جمع انتخابي.
بعد نشر الافلام القصيرة الاولى جمع كمال كيلوك رئيس حزب المعارضة الكبير اعضاء حزبه في مبنى البرلمان وجاء بشاشة عرض كبيرة ودعا وسائل الاعلام وسارع الى عرض ‘الشهادات الدامغة’. وقال رئيس المعارضة متحديا: ‘إن الذي يعلم ابنه اخفاء ملايين لا يستحق أن يكون رئيس الوزراء’. وتحولت الافلام الى شيء متلقف ساخن بل انهم عرضوها في سفن السياح التي تبحر في مضيق البوسفور وفي الخروج من محطة الميترو.
وفي خلال ذلك تلقت قنوات التلفاز الرسمية التي يملكها اردوغان والمقربون منه أمرا بالتجاهل واختار المحررون ألا يجادوا. وكانت التي لم تخف من التهديدات بدعاوى قضائية اربع قنوات خاصة أصرت على بث الافلام مع كل ذلك وحظيت بنسبة مشاهدة ضخمة. وأشار رئيس الوزراء في جمع انتخابات الى من يتحملون وزر الازمة: ‘يو تيوب وتويتر سيدمران دولتنا. ليعلموا أنني لا يهمني أحد. وحتى لو كان العالم كله ضدنا فانني أنوي أن اتخذ خطوات شديدة وأن احبط هجمات على دولتنا. وأنا أنوي الفوز في الانتخابات برغم كل ما يحاولون فعله لي’.
يتحدث الباحث والمثقف في الاسلام مصطفى اكيول كيف عرف في مفاجأة تامة أن رئيس وزرائه استقر رأيه على اغلاق تويتر. ‘في يوم الخميس الماضي ليلا كنت اقود سيارتي في اسطنبول وهاتفني صديق فجأة’، يقول متذكرا. ‘هل سمعت ما اعلنه اردوغان؟’، سأل وحدثني فورا عن اغلاق تويتر ويو تيوب. وجادلته في ان ذلك لا يمكن أن يكون فتركيا ليست ايران ولا الصين، قلت في اصرار، ومضيت لأنام. واستيقظت في الصباح فتبين لي أن صديقي كان صادقا وأنني كنت ساذجا جدا. لم تعد توجد شبكات اجتماعية ولم يتم الاغلاق بقرار قاض بل بتوجيه من وزارة الاتصالات التي تخضع لرئيس الوزراء’.
كتب اكيول هذا الاسبوع في صحيفة ‘هوريت’ التركية: ‘اذا اغضينا عن الامور التقنية فانني افهم ان اردوغان استقر رأيه على اغلاق افواه خصومه. فقد اصبحت الشبكات الاجتماعية تهديدا لحكمه واضعفته منذ كانت الاحداث في متنزه غازي في اسطنبول في السنة الماضية حينما نظم المتظاهرون انفسهم عن طريق تويتر واشاعوا دعاية عليه. لكنه ضبط نفسه بعد ذلك وسمى تويتر ‘العدو’، فقط. لكن في الشهر الاخير حينما بدأت تظهر الاشرطة المسجلة والافلام القصيرة التي فيها اقتباس من كلام كبار موظفي السلطة ومنهم اردوغان، جعله ذلك يغضب.
‘اشارت كل الاشرطة المسجلة الى فساد وتلاعب سياسي وفضائح اقتصادية. ووقع ذلك على اردوغان في وقت سيء قبيل انتخابات المجالس البلدية فاستقر رأيه على التشمير كما يعرف’.
في منتصف الاسبوع بعد اغلاق تويتر بخمسة ايام، اعلنت المحكمة في انقرة الغاء اغلاق الشبكات الاجتماعية. ‘لم يعد الحديث عن مس بالخصوصية فقط’، اعلن اردوغان، ‘هذه محاولة انقلاب من الخارج بمساعدة عملاء جندوا داخل تركيا ويستغلون مناصبهم في الاجهزة الحساسة لزعزعة الدولة. فلن أدعهم ينفذون المؤامرة’.
تقول دالوغلو إن اردوغان يدير حملته السياسية بصورة مُحكمة. ‘فهو لا يترك شعورا بأنه مذنب برغم جميع الفضائح التي كشف عنها. وهو على الدوام يهاجم ويتهم ويتحدث في حماسة ويقبل الناس منه ذلك. وحينما تستمع اليه في المجمعات العامة يتبين لك انه يتظاهر بأنه بريء تماما، وهذا يسبب البلبلة’. وعند الصحفي جنكيز قندار تقدير معاكس إذ يقول ‘حتى لو فاز اردوغان والحزب الحاكم فسيكون ذلك فوزا صعبا. وسيكون زعيما اضعف معرضا للدعاوى القضائية وستستمر المظاهرات عليه’.
لا تترك النشرات الاخيرة تاثيرا خاصا في اسماعيل قنديس ابن الواحدة والاربعين وهو صاحب مخبز في اسطنبول. فهو في الانتخابات القريبة ينوي ان يصوت لمرشح الحزب الحاكم وهو لا يخجل من ذلك. ‘صحيح انه توجد عناوين تتناول الفساد والرشوة واشاعات عن ازمة اقتصادية وتجاهل للدستور’، يقول. ‘لكنني وسعت مخبزي في العقد الاخير بفضل اردوغان. وأهم شيء عند اصحاب الاعمال ان يوجد استقرار في تركيا وقد منحنا ذلك’.

ينام اربع ساعات فقط
خلع المتنافسان على رئاسة بلدية اسطنبول القفازات منذ زمن. ان قادر طوباس رئيس البلدية المكلف من الحزب الحاكم يتلقى دعما من منصة خطابة اردوغان الذي يعرض انجازاته ويُشهر بمرشح المعارضة مصطفى سريغول. ويخشى سولي اوزيل وهو استاذ كرسي يدرس العلاقات الدولية في جامعة قادر، يخشى الاضطرابات التي ستنشب بعد نشر النتائج فورا. ‘ان عدد السكان في اسطنبول اكبر منه في مدن في اوروبا، وهذه هي منطقة الانتخابات التي تتابعها الدولة كلها’، يبين. ‘من هنا نشأ رئيس الوزراء اردوغان الذي كان رئيس بلدية ناجحا ذا شعبية’.
رتب سريغول من المعارضة وهو يطمح في المنصب، رتب لنفسه مقابلة مطرية مع ‘زمان’ التركية وشهّر فيها بلا حساب وبلا خوف من دعاوى تشهير برئيس البلدية المكلف وبراعيه. ووعد في البداية قائلا ‘ساكون رئيس البلدية الذي يعمل من داخل المدينة’، ووخز خصمه الذي يتصرف بحسب املاءات رئيس الوزراء وحذر بعد ذلك من تزوير الاصوات في صناديق الاقتراع. ‘اقترح على مؤيدينا ان يتابعوا صناديق الاقتراع كي لا يتلاعبوا بالمغلفات’. ولم ينس الاستفزاز فقال ‘نحن نعلم ان اردوغان عصبي وهو ينام اربع ساعات في الليل فقط وهو شديد التوق الى الفوز. لقد نجح في الحقيقة في السيطرة على وسائل الاعلام واخافة الصحفيين لكن الشوارع لنا، للمعارضة’.
وفي فترة الانتخابات المشحونة وجد نائب رئيس الوزراء بولنت ايرنتش وقتا ليبشر بأن اتفاق المصالحة مع اسرائيل يتوقع أن يوقع عليه ‘قريبا’ بعد انتخابات المجالس البلدية فورا. وقد أحرز الاتفاق كما قال بعد أن ‘عبر’ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن ‘أسى’ لموت المواطنين الاتراك السبعة في مواجهة مع جنود الجيش الاسرائيلي على متن ‘مرمرة’. ونقلت اسرائيل كما قال ايرنتش التزام أن تدفع الى عائلات القتلى تعويضات. ولم يذكر مبلغا لكن من تحدثت اليهم في انقرة تحدثوا عن موافقة في القدس على دفع 20 مليون دولار وعن طلب تركي للحصول على 25 مليونا. ومن المثير للاهتمام ان نكشف عن ان المادة الثالثة في قائمة مطالب المصالحة لاردوغان وهي ان تسقط اسرائيل الحصار عن غزة قد اختفت، الآن على الاقل.
كشفت الصحيفة اليومية التركية ‘زمان’ أمس عن معلومة صارخة وهي ان دافيد ميدان، مبعوث نتنياهو الشخصي التقى يوم الاثنين هذا الاسبوع في انقرة رئيس الاستخبارات المحلية حقان فيدان للاتفاق النهائي على اطراف الاتفاق. واثار فيدان في نهايته ايضا مسألة المناقصات لشراء غاز طبيعي من حقل لفيتان الاسرائيلي التي تنافس فيها شركتان تركيتان ثماني شركات اسرائيلية. وزعم في الاعلان ان ميدان اوصى بزيارة رسمية اولى من اردوغان لاسرائيل للاشارة الى فتح الصفحة الجديدة بين الدولتين. وقد ذكر موعد مبهم للزيارة وهو ‘بعد الانتخابات’. لكنه ليس من الواضح هل الحديث عن الانتخابات المحلية أو عن انتخابات الرئاسة في آب.

‘يجب ان اكون حذرة جدا’، قالت لي دالوغلو.
‘فقد اعلن وزير الخارجية قبل سنة ان الاتفاق سيوقع قريبا ولم يحدث شيء منذ ذلك الحين. ولا أرى من متابعتي حماسة في انقرة لاتمام الاتفاق. فأنا اقترح الانتظار دون اوهام الى ان يوقع نتنياهو واردوغان على الاتفاق، وحينما يحدث ذلك فقط سيتم تبادل السفراء ويبدأون باعادة العلاقات الى ما كانت عليه قبل الازمة’.
سألت م. وهو موظف كبير في احد المكاتب الحكومية في انقرة، هل اعلان نية التوقيع ‘قريبا’ على اتفاق مصالحة هو قطعة حلوى يرمي بها اردوغان للجماهير في تركيا. ‘لا ألبتة’ اجاب بلهجة مصممة. ‘لا صلة بالانتخابات. ان هذا التصريح هو في الاصل اجراء يعارض القانون عندنا فلا يجوز لسياسي حتى لو كان نائب رئيس الوزراء ان يعد حكومة اجنبية بوعود دون الحصول على موافقة البرلمان. ولما كان البرلمان لم يوافق على الاتفاق فانه ليس لهذا التصريح معنى ما عدا العناوين الصحفية في وسائل الاعلام. وقد قيل التزام اعادة السفيرين وعدم محاكمة ضباط وجنود من الجيش الاسرائيلي عندنا، دون تفويض’.

ماذا يجب ان يحدث كي يتحقق الاتفاق؟
‘من المهم أن نعلم ان الحديث عن اتفاق دولي، ويجب ان ينظر جهاز القضاء عندنا فيه وان يجيزه قبل ان يصل الى البرلمان. ولما كان مجرو التفاوض عندنا وعندكم لا يكشفون عن اوراق لعبهم فان قليلين فقط يعرفون صورة الوضع الكاملة. ان انطباعي هو ان الفرح عندكم أو عندنا سابق لأوانه كثيرا. وأنا لا اعلم ما الذي ربحوه عندنا من الاعلان، فربما وجد من اراد أن يسكن الرئيس اوباما الذي يستعمل ضغطا في اعلى المستويات في انقرة لانهاء القضية واعادة العلاقات. لكن من يعرف اردوغان يعلم انه لا يخشى الضغوط بل يزيده ذلك إقداما فقط’.
وسألت ايضا من كان قائد سلاح البحرية في حادثة ‘مرمرة’ اللواء احتياط اليعيزر (شيني) مروم هل يتوقع اتفاقا في الوقت القريب وهل يرى نفسه يزور تركيا في السنة القادمة.
‘برغم أن عندي الكثير اقوله فانني لن اتحدث الى ان تنتهي هذه القضية لانني لا اريد الافساد. اقول فقط انه ما دام هذا الرجل في الحكم فلا يعلم سوى الله هل يكون اتفاق لانه رجل يفاجيء دائما في اللحظة الاخيرة’.
يديعوت 28/3/2014

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية