في الأدب، وتحديدا في الشعر يأخذ الرمز مكانا في الحقل الدلالي لا يفترض بالضرورة علاقة بين الشيء وما يرمي إليه، كما يعمل على استثارة الإيحاءات الباطنية للتفاعلات الحاصلة في كيمياء هذه العلاقات. إن الرمز الشعري، وعلى عكس الرموز الأخرى، سياقي بالأساس، أي إنه يأخذ دلالته من السياق الذي ينتمي إليه. لهذه الأسباب نجد مجموعة من الرموز تتباين في دلالاتها وتختلف من سياق لآخر. والحاصل كما يقول سعد الدين كليب أن «هذه التعددية في أطوار الأشياء وفي الحاجات إليها، والمواقف الاجتماعية منها تعكس تعددية هائلة في الذات الفنية التي هي الأخرى لها أطوارها المختلفة المتعددة».
في الرمز الشعري إذن يحضر المعنى بطبيعة ازدواجية تخضع بالضرورة لإواليات التأويل ويتحكم في ضبطها، ويتحكم في توجيه مآلاتها الدلالية. وهو ـ الرمز ـ بطبيعته تلك، يلعب دور الربط والوسيط الذي ينتظم الصور الشعرية في القصيدة، أو في النص الشعري، لذلك يكون الرمز محوريا وكليا في عملية الخلق الشعري حين يمتلك نظم العلاقات الكلية للأشياء في هذا الوجود. فالرمز حين لا ينقلك «بعيدا عن تخوم القصيدة، بعيدا عن نصها المباشر، لا يكون رمزا. الرمز هو ما يتيح لنا أن نتأمل شيئا آخر وراء النص. فالرمز هو قبل كل شيء معنى خفي وإيحائي، إنه اللغة التي تبدأ حين تنتهي لغة القصيدة، أو هو القصيدة التي تتكون في وعيك بعد قراءة القصيدة. إنه البرق الذي يتيح للوعي أن يستشف عالما لا حدود له، لذلك هو إضاءة للوجود المعتم واندفاع صوب الجوهر» (أدونيس).
إن الرمز في الشعر يجعل المعنى ملتصقا بالكينونة الأصيلة ، بتعبير هايدغر، لا الكينونة المزيفة، ما جعل الشاعر الألماني هلديرلين يقول «ما يدوم يؤسسه الشعراء».
والعلاقة بين الرمز والصورة هي علاقة انتماء، إذ ينتمي الرمز للصورة، في مستوياتها المتطورة جدا، بالضرورة، لأنه يشكل الوعاء لمجموع تحققاتها المنفتحة. وعليه فإن الرمز صورةُ، بمعنى من المعاني. وفي المقابل ليست الصورة رمزا بالضرورة. إن الفارق بينهما يكمن في الأساس في درجة تركيب وتجريد كل منهما، وإن كانت علاقة الانتماء حاضرة بينهما، أي انتماء الجزء للكل. فالصورة محدودة في بنائها، بينما الرمز بناء صوري مركب. وحين تنتقل الصورة من بنائها البسيط إلى البناء المركب، يمكنها آنذاك فقط أن تصبح رمزا. وعموما فإن الرمز ينبغي عدم النظر إليه في ضوء الظاهرة البلاغية، كما قد يتوهم البعض، بل يتحدد في ضوء الممارسة الكتابية كأفق متقدم في فعل الكتابة. الرمز إذن يجسده هذا البناء اللغوي الذي يتخطى عوالم التشبيه والتمثيل والاستعارة. وبالفعل فإنه ينبغي أن ننظر إلى طبيعة العلاقة بينهما في إطار الممارسة الفنية، بحيث إن الصورة حين تتعقد إيحائيا وتتجرد، تغدو رمزا لأنها تنتقل بذلك من مستواها الحسي إلى المستوى المعنوي. يقول رينيه ويليك: «فالصورة يمكن استثارتها مرة على سبيل المجاز، لكنها إذا عاودت الظهور بإلحاح، كتقديم وتمثيل على السواء، فإنها تغدو رمزا، قد يصبح جزءا من منظومة رمزية (أسطورية)». وللرمز دواع عديدة منها ما هو حضاري ويتمثل في انعكاس صورة المعاصرة المعقدة على وعي الفنان، منها ما هو سياسي ويتمثل في خوف الشعراء من الاضطهاد والمتابعة الملاحقة، فيضطرون إلى ترميز أشعارهم قصد إخفاء ما يريدون قوله، بدافع ما كان يعرف في القاعدة الفقهية بمبدأ التقية، ثم هناك دافع فني خاص يرى في أن الرمز هو أرقى مقاما من التعبير المباشر أو حتى التعابير المعيارية التي تنتسب إلى التمثيل والاستعارة، أي أن الرمز هنا يكون أسلوبا راقيا من أساليب الأداء الفني. إن الرمز في الشعر يجعل المعنى ملتصقا بالكينونة الأصيلة ، بتعبير هايدغر، لا الكينونة المزيفة، ما جعل الشاعر الألماني هلديرلين يقول «ما يدوم يؤسسه الشعراء».
٭ شاعر وناقد مغربي