الرباط – «القدس العربي» : عدة قضايا جعلت القضاء وحقوق الإنسان في المغرب محور اهتمام سياسي وحقوقي ومحل نقاش واسع بعد أن وجهت انتقادات لقرارات وأحكام في ملفات تقول أوساط عديدة إنها تحمل طابعاً سياسياً، خاصة وأن الأحكام اتسمت بالتشدد أو شابتها ثغرات قانونية.
وقال مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، إن إنجازات كبيرة تحققت ومراحل مهمة تم قطعها بهدف تجسيد احترام حقوق الإنسان والنهوض بها في المغرب، وإن كان هناك الكثير يجب فعله من أجل بلوغ الأهداف المرجوة.
وأضاف الرميد، في ندوة نظمتها وزارته حول «مخطط العمل الوطني في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان»، يوم الجمعة في تطوان، إن المغرب تقدم في مجال إنشاء بنيات تحتية تصون حقوق الإنسان وتحافظ عليها، وأكد أن القضاء كمؤسسة يتمتع اليوم باستقلالية تامة يضمنها الدستور، مضيفاً أن القوانين، كشرط ثان، متوفرة للحفاظ على هذه الاستقلالية وحمايتها.
وكان مصطفى الرميد، وهو عضو في الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، أدلى بتصريحات قبل أسبوعين، انتقد فيها قرار قاضي التحقيق بمتابعة عبد العالي حامي الدين القيادي في الحزب وإحالته على المحكمة الجنائية بتهمة المشاركة بالقتل على خلفية مقتل «آيت جيدة» الطالب اليساري في مواجهات عرفتها جامعة فاس 1993، أي قبل 25 عاماً، رغم أن القضاء المغربي بمختلف درجاته نظر في الملف.
وقال الوزير المغربي الذي كان وزيراً للعدل (2012-2017)، إن الدولة المغربية قامت بواجبها من أجل تحقيق إستقلالية السلطة القضائية، وأوضح أن مشاكل استقلالية السلطة القضائية في المغرب انتهت على مستوى المؤسسات، وبقي أن يحصن القاضي من كافة المؤثرات.
وأكد أن السلطة القضائية في المغرب مستقلة بالمعايير الدولية، وتم التصفيق للقوانين المعتمدة في شأن ذلك من طرف منظمات عالمية وأوروبية، وفي مقدمتها اللجنة الأوروبية للديمقراطية، والتي تعرف بـ «لجنة البندقية» وأن مسؤولية المجتمع وكافة الفعاليات قائمة من أجل تحقيق الاستقلالية الذاتية للقضاء،من خلال أن يكون مرجع القاضي هو ضميره وليس هاتفه.
وقال إن لبلاده إرادة قوية للسير قدماً في تجسيد حقوق الإنسان كما هي متعارف عليه كونياً، وذلك بشهادة هيئات دولية مختصة، مستنداً في هذا الصدد إلى المفوض الأممي لحقوق الإنسان سابقاً زايد الحسين، الذي كان أشاد في رسالة له بالجهود المتميزة التي بذلها المغرب لتحقيق هذا الهدف.
وأنه بمجرّد استكمال تنصيب أعضاء المجلس الوطني لحقوق الإنسان، سيتم إحداث ثلاث آليات تتعلق بالوقاية من التعذيب والتظلمات الخاصة وتظلمات الأشخاص الذين في وضعية إعاقة، وهي الآليات- حسبه- التي من شأنها أن تعزّز مسار الحقوق والحريات في البلاد.
*إنجازات تحققت في مجال حقوق الإنسان
ولا يقول الرميد إن الأمور بخير، وإن كل شيء على ما يرام، فـ «حقوق الإنسان لا تزال تعاني من مشاكل جمة، وإن كنا تجاوزنا الكثير من المستويات التي كانت مسجلة في مراحل سابقة، وإن المغرب يتقدم بعد دستور 2011، من إرساء بنيات حقوقية يجب أن تفعل حتى تقوم بدورها»، وتابع: «يتم التعويل على القائمين على المؤسسات القضائية وذات الصّلة، لكي تكون غيرتهم على حقوق الإنسان كبيرة وتضحيتهم لا حدود لها».
وأكد أن إنجازات كبيرة تحققت ومراحل مهمة تم قطعها بهدف تجسيد احترام حقوق الإنسان والنهوض بها بالمغرب، وإن كان هناك الكثير يجب فعله من أجل بلوغ الأهداف المرجوة، وقال: «على غرار البنيات التحتية والطرقية والمينائية وأخرى رامية إلى تنمية البلد، تقدم المغرب في مجال إنشاء بنيات تحتية تصون حقوق الإنسان وتحافظ عليها»، وبغرض إنجاح المرحلة المقبلة، أشار وزير الدولة إلى ضرورة توافر ثلاثة شروط أساسية تتمثل في مؤسسات تصون حقوق الإنسان، وتشريعات ضامنة لها، وإرادة قوية لتمكين هذين الشرطين من الفعالية والنجاعة.
وقال إن الشرط الأول هو أن القضاء كمؤسسة يتمتع اليوم باستقلالية تامة يضمنها الدستور، وأن القوانين- كشرط ثان- متوفرة للحفاظ على هذه الاستقلالية وحمايتها، والشرط الثالث يتجلى في الرغبة القوية والحقيقية للمملكة للسير قدماً في تجسيد حقوق الإنسان كما هي متعارف عليه كونياً.
وقال الأمين العام للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، محمد الصبار، عند فكرة مخطط العمل، مذكراً بأنه تم إعداده على أساس مقاربة تشاركية ساهمت فيها مختلف مكونات المجتمع.
دعوات لإصدار عفو عام
عن معتقلي حراك الريف
ودعا حقوقيون كانوا شاركوا في الندوة، العاهل المغربي الملك محمّد السادس لإصدار عفو على معتقلي الحراك الشعبي في الرّيف. وأوضح بوبكر لاركو، رئيس المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، أن مدينة الحسيمة، رغم كل الجهود التي بذلت، لا تزال تعيش في عزلة واحتقان، ومن شأن العفو على المعتقلين عن حراك الريف القابعين بمختلف سجون المملكة، أن يخفّف الأوضاع وأن الحراك الشعبي في الريف كان حراكاً سلمياً واستطاع أن يصمد لمدّة طويلة ولو بدون أن يشرك مختلف الفعاليات التي ألفت الاحتجاجات ولها خبرة فيها، وطلبت الانخراط فيه ورفضت.
وانتقد المسؤول الحقوقي بعض الشعارات التي كانت ترفع في حراك الريف، وعلى رأسها شعار «العسكرة»، مشيراً إلى أن ما كان في الحسيمة هو إنزالٌ أمني مكثّف وليس عسكرة كما كان يروج على الصّحف ومواقع التواصل الاجتماعي.
من جهة أخرى، وفي ندوة نظمت في الدار البيضاء، السبت، قالت خديجة الرياضي، الرئيسة السابقة للجمعية المغربية لحقوق الإنسان: «إن التقارير- سواء الوطنية أو الدولية- كشفت زيف خطاب دستور 2011، وعادت الدولة إلى ما قبل 2011» وأضافت الرياضي خلال مشاركتها في ندوة المغرب «عمق الأزمة وسؤال المستقبل» التي نظمها جماعة العدل والإحسان بمناسبة الذكرى السادسة لرحيل مرشدها عبد السلام ياسين: «إن بعض الممارسات التي عادت لها الدولة شبيهة بممارسات سنوات الرصاص». وسجلت أن المغرب لا يتوفر سوى على مؤسسات صورية وحكومة شكلية، و»رغم الوضع البئيس للحكومة، فهذا لا يعفيها من المسؤولية الواضحة فيما تعيشه الدولة من مآس..والبرلمان يشكل أحد أوجه الريع لما يوفره من امتيازات لأعضائه ويحمي مصالحهم.. وجهاز القضاء لم يرق بعد إلى سلطة تتميز بالاستقلالية، فهو جهاز موضوع رهن المخزن وفاقد للنزاهة، وفي غالب الأحيان للكفاءة، بغض النظر عن بعض القضاة النزهاء والأكفاء الذين لا يلغي وجودهم في عمق المشكل. فهو عرف في السنوات الأخيرة توظيفاً من طرف النظام كآلية للقمع كما كان يستخدم في سنوات الرصاص، ومن بينها ما أقدم عليه من توزيع لقرون من السجن على معتقلي حراك الريف وحراك جرادة، والزج بكل من نطق بكلمة حول الظلم الذي يعيشه أو كلمة تضامن مع مظلوم في السجن». وذكّرت بأن المغرب قد صنف في ذيل الدول من طرف مشروع العدالة العالمي، الذي يدرس أنظمة العدالة في العالم، خاصة في بعض المؤشرات التي تقيس مستوى احترام دولة الحق والقانون وفي الولوج للمعلومة التي تهم الشأن العام.
انتهاكات خطيرة
وقالت خديجة الرياضي إن «حقيقة الأزمة المعلنة التي يعرفها البلد والتي يعترف بها رئيس الدولة أيضاً، كما توثقها التقارير الرسمية.. نطلع من خلالها على مدى عمقها، ولا نحتاج إلى تقارير المنظمات الدولية والجمعيات الوطنية التي توثق للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان. ألم يعترف التقرير الأخير للمجلس الوطني لحقوق الإنسان على وجود جرائم تعذيب ضد المعتقلين السياسيين من أبناء الريف؟».
وأكدت الرياضي أن «الأزمة لا تنحصر في المستوى السياسي فحسب، فمؤشرات الأمم المتحدة حول التعليم والصحة ومستوى المعيشة وظروف الشغل تبرز مستوى الإفلاس الذي وصلت إليه منظومة التعليم وهزالة مؤشرات الصحة العمومية مقارنة مع معايير منظمة الصحة العالمية».
وقالت إن السبب الأساسي للأزمة «يكمن في انتهاك حق الشعب المغربي في تقرير مصيره. إنه انتهاك يتجلى في الطابع الصوري للمؤسسات السياسية وهيمنة المؤسسة الملكية عليها؛ فالحكومة مؤسسة شكلية ولا سلطة لها لدرجة تثير الشفقة، ولا تعدو أكثر من مكتب يؤشر على السياسات التي تقررها السلطة الفعلية، إلا أن هذا الوضع البئيس للحكومة التي قبلته الأحزاب المشكلة للحكومة لا يعفيها من مسؤوليتها الكاملة والواضحة في كل المآسي التي تعيشها بلادنا، وإن قبولها بتبييض هذه الممارسات الاستبدادية للسلطة الفعلية وتوفير الغطاء المؤسساتي لها ولسياستها الطبقية الظالمة التي تقررها تجعلها تتحمل كامل المسؤولية».
الإجهاز على الصحافة المستقلة
وفي ميدان الإعلام، قالت الناشطة الرياضي: «فقد تم الإجهاز على الصحافة المستقلة، وذلك بمحاكمة مسؤوليها وإثقالهم بالغرامات الباهضة واعتقال الصحافيين المستقلين والدفع بالعديد منهم إلى هجرة البلاد أو هجرة المهنة وترهيب العديد منهم بالتهديد بالمتابعات، وتم تحييد آخرين بترك الفساد يستشري في الجسم الصحفي وتشجيع ضرب أخلاقيات المهنة، كما تم التمكين لصحف ومنابر تابعة للسلطة تستغلها كأسلوب جديد للقمع وللحصار الذي يستهدف النشطاء والمنتقدين عن طريق حملات التشهير والقذف».
وقال الدكتور عمر إحرشان، أحد قياديي جماعة العدل والإحسان وأستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري، إن «هناك عدة مؤشرات على عمق الأزمة في المغرب، منها مؤشرات دولية عبارة عن تقارير دولية وتصنيفات تصنف البلاد في العديد من المجالات، تبرز أن البلاد تعيش أزمة حقيقية. وهناك مؤشرات إقليمية تبرز العزلة التي يعيشها المغرب مع محيطه لم يعش مثلها من قبل، خاصة مع موريتانيا وإسبانبا والجزائر، إضافة إلى اصطفافاته العربية المغلوطة. دون أن ننسى حالة التبعية المطلقة مع فرنسا التي لم نعشها منذ الاستقلال».
وأضاف أن «المؤشرات الرسمية، وعلى رأسها خطابات الملك ومؤسسات الحكامة، تؤكد وجود أزمة بالمغرب. وأهم المؤشرات هي المؤشرات الشعبية، حيث حالة العزوف التام عن الانتخابات رغم التعديلات الدستورية والتنظيمية التي لم تستطع ثني الشعب عن العزوف عن المشاركة في الاستحقاقات الانتخابية. عزوف هو نتيجة عدم ثقة في المؤسسات الرسمية».
وقال احرشان: «جربنا برلماناً بغرفة وبغرفتين والحكومات السياسية والتكنوقراطية واليسارية والإسلامية، وجربنا كل البرامج الانتخابية، وجربنا حتى تغيير الحاكم الذي تغير بالموت لا بشيء آخر.. والشيء الوحيد الذي لم نجربه هو تغيير نظام الحكم. فنظام الحكم بالمغرب بميكانزمات عمله وآليات اشتغاله هي التي لم تتغير. والأزمة في المغرب لا ترتبط بحكومة ولا بحكامة بل بنظام حكم يحتكر السلطة والثروة والإعلام والمعلومة والأجهزة الأمنية والقيم وكل شيء. نظام يجعل مؤسسات الدولة ومؤسسات الشعب في خدمة مصالحه. ويكفي أن نورد مثال الأمن والقضاء. فما نراه في محاكمات معتقلي الريف أو جرادة يبين أن الأجهزة هي لمصلحة النظام».
وقال عبد العزيز النويضي، المهتم بقضايا حقوق الإنسان والحوار الاجتماعي: «رغم أن دستور 2011 جاء ثمرة لحركة 20 فبراير، فقد وجد أعطاباً مزمنة وأخرى مستجدة حالت وتحول دون استثمار بعض جوانبه الإيجابية»، حيث تستمر تعددية حزبية مشوهة تقوم على محاربة القوى السياسية المستقلة والمعارضة، وعلى تعهد الموالين الساعين أصلاً لمصالحهم الذاتية دون مراعاة فعلية للمصلحة العامة واستقرار الوطن ومناعته ونمط اقتراع يخدم هندسة سياسية متحكماً فيها، وينتج برلمانا وحكومات ومؤسسات ضعيفة وتشريعاً محافظاً وارتدادياً ينزع باليد اليمنى ما أعطاه باليسرى، وعدم حياد الإدارة الترابية في الحقل السياسي وإعلام عمومي تحت الوصاية، وتوظيف إجرامي لصحافة التشهير وتوظيف القضاء ومنظومة العدالة الجنائية ضد الخصوم السياسيين، وضد الرأي النقدي، وضد الاحتجاج الاجتماعي.
وكانت النتيجة «بنية سياسية تنتج العنف البنيوي من فقر وإقصاء وتهميش وتعطل كل تنمية بشرية، كما تنتج العنف المباشر؛ سواء عنف الدولة ضد المحتجين على العنف البنيوي أو عنف بعض المهمشين الذين اختاروا سبيل الإرهاب والتخريب والإجرام».