الرهانات على إدلب: تبادل أراض مع تركيا وفتح طرق وصمت أمريكي واضح

إبراهيم درويش
حجم الخط
0

بعد ثمانية أشهر من الهدوء النسبي الذي عاشته محافظة إدلب، شمال- غرب سوريا، عادت القنابل والبراميل المتفجرة إلى حياة المدنيين وتحولت إلى ميدان حرب دموية يسعى فيها نظام بشار الأسد بدعم من روسي لتوسيع الحملة العسكرية والتقدم في المنطقة الأخيرة التي يسيطر عليها المعارضون لنظامه. ويهدد العنف الذي تكثف الأسبوع الماضي بانهيار اتفاق وقف النار المتداعي أصلا والذي توصلت إليه تركيا مع روسيا في منتجع سوتشي على البحر المتوسط والذي تم فيه تجنيب المحافظة عملية مدمرة خاصة أنها تحولت في السنوات الماضية لمكان أرسل إليه النظام المقاتلون الرافضين العيش في مناطقه ضمن ما أطلق عليها عمليات «المصالحة» وزاد عدد السكان إلى ثلاثة ملايين وعدد كبير منهم يعيش في الخيام وبظروف صعبة. وأدى الوضع في إدلب وتشكيلاتها القتالية التي باتت تتحكم فيها الجماعات الجهادية بعد هزيمة المعارضة الموالية لتركيا بداية العام الحالي، لجعلها في مرمى الهدف الروسي، فلطالما تذمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من غياب التقدم على الجبهة في المحافظة وعدم وفاء تركيا بتعهداتها لنزع سلاح الجماعات المسلحة التي تعتبرها روسيا والنظام «إرهابية».

خيارات مرة

ورغم حرص النظام على طي صفحة المعارضة وبالتالي وضع حد للحرب الأهلية التي اندلعت قبل ثمانية أعوام، إلا أن الخيارات تظل قاتمة في المحافظة. وتوصلت مجموعة الأزمات الدولية في بروكسل في تقرير لها نشرته شهر آذار (مارس) 2019 إلى هذه النتيجة «لا خيارات جيدة في إدلب». وحلل التقرير السبب الذي جعل المحافظة تعيش وعبر السنوات الماضية تحت وطأة العنف المتقطع والهدوء الحذر. وبالنسبة لنظام الأسد فالوصول إلى إدلب يعني في النهاية تحقيق وعده بالسيطرة على كل المناطق التي خسرها منذ اندلاع الانتفاضة السورية عام 2011. ولأن الأسد واثق بالدعم الروسي له فالسيطرة على إدلب ستكون بمثابة هزيمة مهمة للمعارضة التي سيطرت مرة على نصف البلاد وكادت أن تطيح بالنظام. وتظل إدلب معضلة له ولداعميه الروس والإيرانيين الذين يعانون من ضغوط أمريكية وتهديدات بالمواجهة على خلفية التأثير الذي باتت تمارسه طهران على المنطقة عبر الجماعات الوكيلة ومنها تلك التي استخدمها الإيرانيون لتقوية نظام الأسد والدفاع عنه. وهي معركة مكلفة بالنسبة للنظام، ليس لأنه سيواجه مقاومة من مقاتلين أشداء لا يجدون مهربا إلا بالقتال حتى اللحظة الأخيرة ولكنها مدمرة على المدنيين الأبرياء، بشكل سيفتح المجال أمام الشجب الدولي في وقت يحاول نظام الأسد الخروج من عزلته. وبدا هذا بشكل واضح من إعادة دول عربية فتح سفاراتها في دمشق ومحاولات إعادة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية. وبعيدا عن الرمزية في هزيمة المعارضة، فإدلب تقع ضمن ما وصفها بشار الأسد مرة بـ «سوريا المفيدة»، خاصة أن السيطرة عليها تعني فتح الطرق السريعة حولها وتفعيل الحركة الاقتصادية التي تأتي معها. والمنطقة ليست مهمة للنظام السوري بل لتركيا التي تحتفظ بنقاط رقابة ضمن الترتيبات السابقة وتسيطر هي والجماعات المعارضة السابقة التي دمجتها ضمن جيش واحد على مناطق كان آخرها السيطرة على بلدة عفرين في محاولة من أنقرة لمنع ظهور كيان كردي معارض على حدودها والحد من موجة لاجئين إلى أراضيها خاصة أن لديها أكثر من 3 ملايين لاجئ سوري فروا إليها منذ بداية الحرب. ويهدف نظام الأسد في الوقت الحالي لفتح طريقين رئيسيين يمران من مناطق المعارضة والمفترض فتحمها في نهاية عام 2018، وهما «أم فور» و «أم فايف» بشكل يفتح الطريق أمام مدينة اللاذقية على البحر المتوسط، معقل الحكومة القوي ومقر قاعدة جوية روسية. ويتوقع المراقبون أن يكون الهجوم الحالي محدودا بفتح المعبرين ولهذا سيطر النظام في الفترة الماضية على القرى والبلدات القريبة منهما، متهما الجماعات الجهادية ببدء الهجمات وقتل 22 من جنود النظام في حلب. ويبدو أن الروس والجيش التابع للنظام يقومان بالضغط بعد فشل المفاوضات لتأمين الطريقين وحماية المنطقة حيث القاعدتين الروسيتين البحرية والجوية.

تصفية الجهاديين

ومن هنا فالتصعيد من أي طرف كفيل بفتح الباب أمام معركة طاحنة للمدنيين. وسيجد كل طرف المبرر لبدء المعركة، نظرا لوجود الجماعات الجهادية وسيطرة «هيئة تحرير الشام» على معظم المحافظة. وفي عام 2017 وصف المبعوث الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة» المحافظة بقوله «أكبر ملجأ آمن للقاعدة منذ 9/11». وكما ورد في تقرير مجموعة الأزمات الدولية «فاستمرار الوضع القائم ليس لصالح إدلب وكذا الحلول العسكرية» و «لا طريقة لتصفية الجهاديين» في إدلب بدون خسائر بشرية فادحة. ولا أحد يجادل في أثر المعركة المقبلة على حياة المدنيين الذين على خلاف الجهاديين الراغبين في القتال حتى الموت لن يجدوا مكانا للذهاب إليه لو أغلقت تركيا الحدود أمامهم.
وفي هذا السياق يشير العنف الذي اندلع حول إدلب وأدى لتهجير 200.000 مواطن وتعطيل 10 مستشفيات إلى انهيار الاتفاق الروسي- التركي في سوتشي حسبما أوردت صحيفة «واشنطن بوست» (7/5/2019) في تقرير لها. ووصف سكان في المحافظة العمليات العسكرية في المحافظة وخلو مناطق في جنوبها من السكان. وهناك توقعات بشن هجوم بري بدعم من الميليشيات الإيرانية فيما ينظر إليها انطلاقة المعركة الأخيرة للسيطرة على إدلب. وتقول صحيفة «التايمز» (8/5/2019) أن الهجوم الذي تقوده قوات النمر بقيادة سهيل الحسن يمثل تحديا لتركيا ولحلفائها الذين حاولوا الحفاظ على الهدنة.

موقف أنقرة

ويعتقد دبلوماسي بارز نقلت عنه صحيفة «الغارديان» (8/5/2019) أن الهجمات الأخيرة لا تؤشر للمعركة النهائية التي أشار إليها عدد من المراقبين، وهي محاولة النظام السيطرة على المحافظة بالكامل، بقدر ما هي محاولة من الروس والقوات السورية لتوسيع وجودهم في المنطقة مقابل تعميق المحور التركي في شمال سوريا شرقا. ولاحظت الصحيفة أن أنقرة لم تنتقد انهيار تفاهمات سوتشي ولم تسارع كما فعلت في الماضي لتأمين الوضع ومنع معركة كانت ستترك آثارها الخطيرة عليها. ويبدو أن أنقرة حسب الدبلوماسي حصلت على ضمانات مقابل تقدم القوات السورية حيث قال: «هناك مؤشرات عن اتفاق بين تركيا وروسيا والنظام يتم فيه التوسع 25 ميلا في المنطقة العازلة مقابل توسع تركيا في تل رفعت». وكانت هذه البلدة الواقعة في شمال سوريا هدفا للجيش التركي بعد طرده المقاتلين الأكراد من بلدة عفرين العام الماضي. وقال نائب الرئيس التركي فؤاد أقطاي، الأسبوع الماضي أن البلدة أصبحت في هدف القادة الأتراك. ورد على سؤال حول مقتل جندي تركي قريبا من المنطقة «كان الاتفاق على التوقف هناك (تل رفعت) ولكن إن استمرت الهجمات فقد تتخذ الأمور شكلا آخر، ونحن نناقش الأمر مع الروس». وقال الدبلوماسي إن «الأتراك قريبون منها، ويعرفون بالخطة الروسية». ويرى محلل آخر أن الهجوم على إدلب له أسباب أخرى غير تبادل الأراضي مع الأتراك، فحسب لبيب نحاس، الذي كان على علاقة مع قيادات الجماعات المسلحة أو الروس وصلوا عنق الزجاجة في تفاهمات أستانة «واكتشفوا أن الدينامية الحالية لن تؤدي بهم لتحقيق رؤيتهم في سوريا». وأضاف سببا آخر يتعلق هذه المرة بالنظام الذي يعيش تحت وطأة مشاكل سياسية وعسكرية واقتصادية وأمنية، ولهذا يحاول الروس التغطية على هذه المشاكل بشن هجوم جديد.

أين أمريكا؟

وقد يتساءل البعض عن الدور الأمريكي في كل ما يحدث في إدلب. ويرى جوش روغين في مقال نشرته صحيفة «واشنطن بوست» (9/5/2019) ناقش فيه إن الرئيس دونالد ترامب وحده القادر على حماية إدلب ولكن الوقت يمضي بسرعة. وقال إن الهجوم على المحافظة بات محتوما ولن يوقفه أحد، إلا أن الأحداث الماضية كشفت عن امكانية كهذه لو تحرك ترامب. وأضاف روغين إن تغريدات الرئيس يمكن أن تنقذ حياة ناس. ولكن الوقت مهم في ظل الملفات التي تتعامل معها أمريكا من كوريا الشمالية إلى الحرب التجارية مع الصين والأزمة مع إيران ومحاولات الإطاحة بالنظام في فنزويلا. وليس مصادفة اختيار الرئيس الأسد وموسكو هذا التوقيت للهجوم على مناطق النظام مستخدمين أساليب الأرض المحروقة. وذكر الكاتب أن محافظة إدلب يعيش فيها مليون طفل وهناك صمت دولي عن المذابح الجارية هناك. ونقل عن جيمس جيفري، مبعوث الخارجية الأمريكية إلى سوريا قوله، إن واشنطن ترى تصعيدا كبيرا وتعمل عبر القنوات الدبلوماسية لخفضه. وقال «نبحث هذا على كل المستويات مع الروس» و «أي عملية في داخل إدلب ستكون تصعيدا متهورا». واتهم جيفري روسيا التي يعتمد الأسد على طيرانها بخرق اتفاقية خفض التوتر مع الأتراك. وفي الوقت الحالي تتجاهل روسيا تحذيرات جيفري أما الأتراك فهم غير قادرين أو غير مستعدين لوقف الهجوم. ويعتقد الكاتب أن ترامب لو قرر التدخل كما فعل عام 2017 فسيتراجع النظام السوري وداعميه الروس. وأضاف الكاتب أن ناشطا سوريا أخبر الرئيس أثناء حفلة جمع تبرعات من أن الهجوم سيبدأ على إدلب كتب تغريدة حذر فيها الأسد من «مهاجمة متهورة لإدلب» ودعا إيران وروسيا لعدم دعمه. ويعلق روغين أن موسكو تقوم بامتحان ترامب ولكنه صامت حتى الآن. وأثر هذا على عمل نظام الأمن القومي، ذلك أن عددا من المسؤولين العاملين على ملف سوريا ينتظرون إشارة منه للتعامل مع الوضع في إدلب. ويفهم السيناتور الجمهوري ليندزي غراهام أهمية كلام ترامب حيث كتب تغريدة حث فيها الرئيس على التحدث وحماية إدلب. ويفهم الرئيس الروسي بوتين أن كلام ترامب هو ما يهم في السياسة الأمريكية المتعلقة بسوريا. وفي النهاية يتذكر السوريون كيف تخلى عنهم العالم في وقت الحاجة، وستغذي العملية الجديدة ضد إدلب التطرف وستؤثر على استقرار تركيا والشرق الأوسط وأوروبا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية