الروائي الاردني هاشم غرايبة: كل ما تعلمته دفعت ثمنه!

حجم الخط
1

عمان – ‘القدس العربي’ ـ من سميرة عوض: خلص الروائي الأردني هاشم غرايبة لوصف روايته ‘القط الذي علمني الطيران’، الصادرة مؤخرا في طبعتها الثانية عن رابطة الكتاب الأردنيين أنها ‘رسالة من جيل الهزائم الكبرى والمعارف الشاقة، إلى جيل التغيير وثورة التكنولوجيا وتحديات العصر..
فكلا الجيلين خاض مغامرة إقدام وهبها قواه ضمن شرطي الزمان والمكان..’. جاء ذلك في ندوة أقيمت في العاصمة الأردنية، في منتدى الرواد الكبار ضمن برنامجه ‘تجربة مبدع’، بمشاركة الناقدين معاذ بن عامر وجهاد علاونة، أدارها المدير التنفيذي للمنتدى عبدالله رضوان، الذي استعرض محطات من سيرة الروائي غرايبة، وسيرة الناقدين، مساء الثلاثاء، بحضور أعضاء المنتدى والمهتمين. استهلت الأمسية بكلمة ترحيبية لرئيسة المنتدى هيفاء البشير، أشادت فيها بتجربة هاشم غرايبة، ووصفته بأنه ‘مبدع أردني كبير يجمع في إبداعه المتميز بين الرواية والقصة القصيرة إضافة إلى نشاطه الإعلامي والأدبي عبر مقالات إعلامية وثقافية مختلفة’، منوهة ‘بخصوصية العلاقة بين الوطن تاريخاً ومكاناً وإنساناً وبين إبداع غرايبة ، فالبتراء بخصوصيتها وتاريخها النبطي قد تجلّت في روايتين من روايات هاشم ، أما العاصمة عمان فهي ميدان رواية ‘ الشهبندر’ ، وأما قرى إربد وعلاقات الإنسان مع الإنسان فيها، وعلاقة انسانها مع الأرض فقد احتلت الإهتمام الأول في مجموعة هاشم القصصية الأولى ‘هموم صغيرة’، وحتى تجربة هاشم الطويلة نسبياً في السجن فقد تجلّت في أكثر من عمل له حتى أخذت حضورها شبه المكتمل في روايته الأخيرة: (القط الذي علّمني الطيران)’.
بن عامر: إرهاص جمعي جُسَّدَ عبر فرد
ويذهب الناقد معاذ بن عامر في ورقته الطويلة المعنونة ‘التجلّي الخارجي للإنجاز الداخلي: مقاربة الحرية والرصاص في رواية (القط الذي علّمني الطيران)’، للقول: ‘كان لبطل رواية (القط الذي علّمني الطيران) أن يعي هذا الفارق بين الوجودين وهو يُرشْرَش بالرصاص لحظة طار وانفصلَ عن الجاذبية الأرضية’. متسائلا ‘هل ثمة تجاوز للعنونة المبدئية للنص الروائي في بُعده التكويني، بالنسبة لبطل الرواية؟’.
ويرى بن عامر’أن الإرهاص الكبير في النص الروائي هو إرهاص جمعي وإنْ جُسَّدَ عبر فرد واحد، فالتحرِّر من نير السجَّان هو شعور جمعي شارك الجميع في التحضير له، فالشعور الاستحضاري للحظة التحرّر العمادي هو شعور جمعي بامتياز، فكل ذات شاركت في بلورة معالم هذا الانعتاق هي ذات مُحرّرة ساعة ممارسة الفعل واقعاً، وقد كان لافتعال الحريق أن يكون بمثابة رصاصة الرحمة التي أطلقت من قبل العصافير المحبوسة باتجاه جثّة النسر الحارس، فتلك الكبد (كبد برومثيوس) آن لها أن تتحرّر من مخالب النسر؛ لقد أُشهر مقص عظيم في وجه المخالب الحادة وأُذِن من قبل الجميع بقصّها وتشذيب حدّتها’.
ويتساءل بن عامر ‘أيهما ينتصر الإنسان أم العدَم؟!’. ليرد ‘هنا يُثبت البطل قدرته الفائقة على الانفصال عن الشعور الجمعي، عبر تأكيد لشعور فردي يصبغ البطل ـ لحظة الطيران- بصبغةٍ ذاتوية، بما يعني اجتراح العالَم وفق استبصار رؤيوي انفصلت فيه الذات عن العالَم ليس بصفته سَلْبَاً بلغة فلسفية- إنما لأنه إيجاب ويحتمل إمكاناً تأويلياً. وفي لحظة التنوير الكبير (والتي صاغها هاشم غرايبة بلغة روائية باهرة سيما في المقاطع الأخيرة من الرواية، ساعة انتفض الجسد انتفاضةً كبرى على النواميس فهتك الحُجُب) انفصلَ عماد عن الزمن الخارجي فصار مُفارِقاً لجميع الذوات التي شاركته بدءاً-، وبذات الوقت متصلاً بزمن داخلي، لذا أُعيدَ إنتاج العالَم؛ لقد وضعت عجينة العالَم في الفرن الوجودي الكبير وتمَّ تحميصها على نار عظيمة. وعندما فَرَدَ عماد ذراعية لياسمين السماء كانت الأرض وقانونها الزمكاني قد أصبحتا طيّ النسيان؛ فالحاضر الآن لحظة الاعتلاء على الطين والانتشاء بالسماء- حاضر إطلاقي زمنه زمن لا نهائي،…، فهو غير ذي جدوى لحظة التنوير الكبيرة إذ تمتثل الذات في تلك اللحظة الملحمية إلى قانونها الداخلي وتصير وجهاً لوجه مع أقنوميتها بصفتها أسَّاً من أسس ثلاثة: الله، العالَم والذات!. والرصاص الدافق إلى الجسد المُتحرّر ليس فقط من نير السجَّان (بما يشكل حالة اشتراكي بين عماد ورفقاء الدرب من المساجين) إنما أيضا من الشرط الموضوعي الحادّ الذي يُبقى على الذات في حدود ضيقة’.
علاونة: هل تاب عماد عن الشيوعية؟
فيما عبر الناقد جهاد علاونة عن ‘دهشاته’ الكثيرة في ورقته التي حملت عنوان ‘قراءة في رواية القط الذي علمني الطيران’، مقدما تلخيصا مطولا لأحداث الرواية، وكانت دهشته الأولى في الرواية ‘أن جميع المساجين الذين كانوا نزلاء مع بطل الرواية (عماد).. أن كل تلك الشخصيات عبارة عن أبطال والراوي لم يخصص الرواية ليتحدث فيها فقط عن نفسه بل ترك تلك الأنانية وصار يبحث ويصف مشاكل وهموم النزلاء ويتحدث عنهم بكل شفقة ويتحدث عنهم أكثر مما يتحدث عن نفسه’.
ويرى علاونة أن ‘أجمل صورة كانت صورة والد البطل في الدرجة الثانية من ناحية جذب القارئ للاستعطاف مع شخوص الرواية يوم ذهب للمخابرات لمعرفة الجريمة التي ارتكبها ولده ليستحق عليها العقاب والسجن حين قالوا له:’ابنك شيوعي كافر’ فقال:إذا كان ابني كافرا فهذا بينه وبين ربه، وربه يحاسبه… أما أنه شيوعي فهذا بينكم وبينه ، ولكن اليد التي تمتد على ابني بكسرها’.
ويعتقد علاونة أن ‘أجمل مشهد تمثيلي في الرواية ليس من الضرورة بمكان أن يكون لبطل الرواية أو للشخص الذي تدور حوله الرواية، كما عهدنا ذلك في بعض الروايات، كانت صورة الأم يوم اعتقل البطل أجمل صورة وردت في الرواية مؤثرة ومحزنة وصادقة وكانت فعلا هي البطل الحقيقي وهي المنتج وهي المخرج للرواية وهي الممثلة التي يجب علينا أن نعطيها جائزة أفضل ممثلة أدت دورها بواقعية لم يفتعلها الكاتب من خياله وهواجسه’.
وفي ورقته المطولة خلص علاونة أن ‘للسجن مخرجات أخرى فصحيح أنه يصنع الرجال، ولكن هذا ليس دائما، وصحيح أن السجن مركز تصليح وتأهيل ليعود منه السجين إلى الحياة العامة وقد صلح أمره، ولكن هذا ليس دائما وبهذا نحن أمام مفارقة أخرى وهي أن مخرجات السجن تكون على الأغلب سلبية ولنتساءل هنا هل تاب عماد عن الشيوعية؟ ربما نعم وربما لا، والأغلب أنه لم يتب عن ممارسة الشيوعية وبهذا السجن لم يستطع تأهيله أو تربيته من جديد على رأي المثل (والله غير أربيك) وهنالك مخرجات أخرى للسجن وهي أن السجين أو المجرم حين يدخل السجن يجد أناسا مجرمين أكثر منه لذلك يكتسب منهم خبرات جديدة ويخرج من السجن عبارةً عن مجرم محترف أكثر من أي وقتٍ مضى، وعلى رأي القط السجن منافق، وأيضا على رأي عماد بأن السجن: تواطؤ قانوني بين السلطة والمجتمع’.
غرايبة: هل تنتمي روايتي إلى القصص العظيمة؟
أعلن الروائي هاشم غرايبة، ‘اليوم وأنا على بعد ستة وثلاثين عاما من التجربة أفاخر بأن كل ما تعلمته دفعت ثمنه عادلا.. وكل ما كسبته حصلت عليه بالجهد والمثابرة والفرح أيضا.. فالحياة ألقة وجميلة، تستحق أن أتألم من أجلها، وأناضل في سبيلها، وأتشبث بها، وامتص رحيقها المسكر..’، جاء ذلك في معرض شهادته عن روايته ‘القط الذي علمني الطيران’.
واستعاد غرايبة ‘سيرة السجن’ حينما قام صديقه المخرج فيصل الزعبي بتصوير فيلم سيرة مبدع، إذ ‘اختار مكان التصوير في سجن اربد الذي صار متحفا اليوم. استمر التصوير عشرة أيام.. ردني المكان إلى صور وأحداث كانت نائمة في الذاكرة، وبعث أشخاصاً نسيتهم، وأيقظ مشاعر بددها الزمن. فقد قضيت هنا سنة أولى سجن..’.
يقول غرايبة ‘أثناء التصوير عدت لأوراق السجن التي اصفرت بفعل الزمن، وأدركت سحر الخط بقلم الكوبيا الذي يعاند الزمن، وشرعت اكتب رواية ‘كوبيا’ التي قادني بناؤها لما اكتمل إلى عنونتها باسم (القط الذي علمني الطيران).. هناك جربت أسوأ أنواع العيش، واخترت أن أقف في الصف الخاسر للعيش الرغد.. وأدركت أن الأحزان تأتي إليك من تلقاء نفسها، أما المسرات فينبغي أن تذهب لقطافها بيدك. هناك تعلمت الانتظار والتفكير والصبر وعدم التأسف على ما فات..’.
غرايبة الذي استعان بمقولات كثيرة منها، ما يقوله سبريتي لوريانو: ‘كل القصص العظيمة في التاريخ تقوم على تفصيلة درامية واحدة فقط، هي أن البطل لم يستسلم أبدا..’، متسائلا: ‘هل تنتمي روايتي إلى عالم تلك القصص العظيمة؟’.
ويتوافق غرايبة مع يقوله نيتشه: ‘أكثر الناس شجاعة هم من عانوا أوجع التجارب وانتصروا عليها. منوها ‘عند كتابة هذه الرواية احتجت لشجاعة كبيرة كي أذهب بعيدا عن السياسة والأيدولوجيا.. لأخفيهما جيدا.. اقصد لتروهما جيدا، وابتعدت أيضا بروايتي عن التبجح الذاتي والتبجيل الحزبي والمتاجرة بتجربتي وقضيتي’. معلنا توافقه مع مقولة باولو كويليو: ‘أمران فقط يمكن لهما أن يكشفا أسرار الحياة: المعاناة والحب.. المعاناة والحب كانا شريان ووريد روايتي فهل كشفت لكم بعضا من أسرار الحياة؟’.
ويستشهد غرايبة بما كتبته الدكتورة نسرين اختر خاوري -التي قامت بترجمة رواية ‘القط الذي الذي علمني الطيران’ إلى اللغة الانجليزية- وهي مدرسة في جامعة يال- أمريكا ‘المشكلة أن تجربة السجن في معظم الحالات لا تعالج كتجربة إنسانية وإنما يزاود بها سياسيا، أو تستغل للجاه الاجتماعي. البعد الإنساني الذي تطرحه رواية القط الذي علمني الطيران أضاء جل ألوان الطيف الإنساني مكثفا وساطعا.. بلا مبالغة ولا تكلف..’. ليرد عليها بقوله: ‘صديقتي نسرين: الحياة لها مرارتها ولها بهجتها في السجن أو خارج السجن، ليس السجن وحده تجربة مرة؛ المرض أو الفقر أو الغربة أو الفقد تجارب مرة لا تخلو من بعض حلاوة؛ الانتصار والغنى. الغربة والاستقرار تجارب حلوة لا تخلو من بعض مرارة .. فالحياة مرة حلوة بطبيعتها. وغنية بتكويناتها.. لذا لا أرى من حقي المتاجرة بألم سجني.. ولا بفرح انتصاري عليه.. لذا كتبت روايتي بصدق فني كأنها عن شخص آخر’.، معلنا ‘لست معنياً أن يصنف كتابي في باب أدب السجون.. كتبت ما رغبت بقوله، والتصنيفات ليست مهمتي. إن بهجة التفكير باجتياز التجربة القاسية أقوى من آلامها.. إلا أن الصبر على إنجازها نصا . والفرح في إخراجها للحياة كتابا والشعور العميق بالدهشة الذي تنتهي به تلك العملية هو رحلة إلى أعماق النفس حيث الجسد والعقل والروح تنسكب في النص..’.
ومما قاله غرايبة ‘لعلي نجحت عبر هذه الرواية في التعبير عن إنسانية الإنسان ‘المحاصر- السجين’ وهو يواجه تحديات الوجود في هذا الكون.. فعندما يحمل الناس وهم في قمة عنفوانهم قناعات وقيما؛ فعليهم أن يتصرفوا وفقا لها. وينفذوها فربما تصير هذه الدنيا أعظم كمالا، وهذا الإنسان أفضل تقويما، وهذه الحياة أكثر عدلا وأقل شقاء.. هذه الرواية تعتمد في مادتها الأساسية على التجربة الشخصية، وفيها ملامح السيرة الذاتية.. وتستعيد الأحلام الكبرى في الوحدة العربية، وتحرير فلسطين، والعدالة الاجتماعية..
بديهي أن يكون هاجس الحرية أسا لرواية عن السجن لكن روايتي عبّرت عن الحرية الداخلية للفرد، وحرية الاختيار، وحرية الاعتقاد والقول، وحرية التغيير.. ومهما ادعيت أمامكم في شهادتي على روايتي هذه.. فإن ما يبقى بين أيديكم هو عمل إبداعي يعتمد على التخيل، وينهض به البناء الفني’.
السيرة الذاتية لغرايبة
والكاتب هاشم بديوي غرايبة مواليد 1953 م في قرية حوار/ شمال الأردن .. متزوج وله ثلاثة اولاد: مصطفى وجاسر ومناف. تخرج من ثانوية اربد19700، ومن جامعة بغداد 1975 م (مختبرات طبية)، ومن جامعة اليرموك (اقتصاد) 1990، سجن من 1978 1985 بسبب انتمائه للحزب الشيوعي الاردني، ثم لوحق اثر احداث جامعة اليرموك 1986 وعاش متخفيا لبضعة شهور .. وسجن اثر هبة نيسان 1989 لبضعة شهور.
وغرايبة عضو رابطة الكتاب الأردنيين، عضو اتحاد الكتاب والأدباء العرب، يكتب لصحيفتي الرأي الأردنية و’القدس العربي’ اللندنية.
صدر له في الرواية: بيت الأسرار/ 1982،المقامة الرملية/ 1998، الشهبندر/2003، بترا/ ملحمة العرب الأنباط 2006.
وفي القصة القصيرة أصدر: هموم صغيرة/1980، قلب المدينة/ 1994/ ترجمت للألمانية عام 2004، عدوى الكلام/ 2001 / ترجمت بعض قصص هذه المجموعة إلى الإنكليزية.
كما صدر له في المسرح: ثلاث مسرحيات أردنية هي: (كان وما زال، الباب المسحور، مصرع مقبول ابن مقبول)/ 1985، الوقوف على قدم واحدة/ 1990، الغابة المسحورة/ مسرحية للأطفال/ 1995،خمس مسرحيات أردنية هي: (الرجل الذي وجد ظله/’حكاية عن الثرى والثريا/ تفاحة آدم/ هو وهي والببغاء/ الرائحة) /2002، مسرحية الصرح/ 2008. الحياة عبر ثقوب الخزان (عن السجن والفرح والناس)/ 1993، والمخفي أعظم ( قراءات نقدية)/ 2001. كما صدر له رواية الشهبندر، رواية أوراق معبد الكتب، ورواية القط الذي علمني الطيران، في طبعتين.
‘وفي مجال الكتابة للأطفال: غراب ابيض/1992، غزلان الندى/ 1999، السمكة الضاحكة/ تعريب عن قصة الإيطالي اوجينو كاباتا/ 2000، دراستان :الخيال العلمي في ثقافة الطفل العربي/ أوهام سائدة في أدب الأطفال العربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية