عمان ‘القدس العربي’ من سميرة عوض: خلص الناقد التشكيلي حسين نشوان إلى أن ‘تجليات اللوحة لدى التشكيلي الأردني سعيد حدادين تعمل على تقديم ذلك الإبداع الرصين الذي يحفز عقل الإنسان ووجدانه وإنعاش ذاكرته البصرية وذائقته الجمالية’.
جاء ذلك في احتفالية أقامها منتدى الرواد الكبار تكريما للفنان التشكيلي سعيد حدادين وتجربته الإبداعية، الذي ثمن المبادرة بكلمات مقتضبة، ‘شكرا للمنتدى وللقائمين على الاحتفالية، ولمنتدى الرواد الكبار الذي جمعنا على اللون والكلمة الخالدة، محتفيا بتجربتي الإبداعية وأنتم جميعا جزء أساسي منها، فلولاكم ما كانت’.
الاحتفالية التي أدارها المدير التنفيذي للمنتدى عبدالله رضوان، أقيمت برعاية خبير المياه الدولي المهندس منذر حدادين وقرأ كلمة بالمناسبة أقيمت مساء الأحد مطلع أيلول، بحضور جماهيري كبير، تضمنت كلمة ترحيبية من رئيسة منتدى الرواد الكبار هيفاء البشير، إضافة إلى افتتاح معرضه التشكيلي في قاعة رفيق اللحام في منتدى الرواد الكبار، وكانت رئيسة إدارة المنتدى قدمت شهادة تقدير للفنان حدادين تكريما له على منجزه الإبداعي بالمناسبة.
البشير: تجربة حدادين عُمِّمَت وطنياً وعربياً
من جهتها رحبت رئيسة منتدى الكبار براعي الحفل المهندس منذر حدادين،
محتفية بالمبدع التشكيلي المتميز، ‘سعيد حدادين الذي قدّم خلال مسيرته التشكيلية عطاءً له هوية خاصة جعلت من إبداعه مدرسة تشكيلية أردنية عربية، وقد عُمِّمَت هذه التجربة وطنياً وعربياً، بحيث بات اسم سعيد حدادين، عبر مشاركاته الفنية المتعددة، ومن خلال مقتنيات أعماله، أحد أبرز تشكيليينا الأردنيين’. منوهة بــ’دوره الأكاديمي والتدريسي لعدد من الفنانين والفنانات، أدركنا أهمية وخصوصية الدور الذي يقوم به مبدعنا في خدمة الحركة التشكيلية الأردنية ورفعها إلى الأمام لتأخذ دورها الذي تستحق في مسيرة الفنون أردنياً وعربياً لذا فنحن نحيي هذه التجربة ونفتخر بها ونقدّرها’.
كما رحبت بـ’الصديق صاحب المعالي المهندس منذر حدادين، هذا الرمز الأردني الذي نفاخر به، ونسعد به أن يكون راعياً لهذا اللقاء. وهو النموذج الذي يحتذى في العطاء في العمل العام عبر مختلف المواقع التنفيذية والإشرافية والتوجيهية التي شغلها في مسيرته المهنية، فمرحباً به عَلماً معروفاً، وصديقاً عزيزاً بيننا’.
حدادين: الفنان سعيد وريشته المبدعة
راعي الحفل المهندس منذر حدادين، عبر عن فخره بالفنان سعيد حدادين، وببلدته ماعين، قائلا للحضور ‘أود أن تشاركوني الشعور بالفخر والفرح أن أنتجت ماعين تلك البلدة الوادعة فناناً بحجم سعيد في فترة من تاريخ بلدنا كان البلد فيها يكد لتوفير سبل العيش الكريم، ويهرع خريجو الثانوية لدراسة المهن كالطب والهندسة والحقوق وخلافها ولم نكن نسمع أن شاباً انصرف إلى دراسة الفن والتخصص في أي من مساراته، إلا أن سعيداً كان خروجاً على ذلك التوجه وأبدع في خروجه هذا حتى أضحى يدرس الفن للراغبين فيه، وتشهد لوحاته عبر مسيرته الفنية إبداعه وتجلياته’.
كما عبر عن فخر عشيرة الحدادين في ‘انتماء سعيد إليها، كما تفخر بمنجزاته وبسيرته العطرة، وتسعد إذ ترى جماعة من أبنائها وبناتها قد ولجوا دروب الفن وسلكوا الطريق التي مهدها سعيد وهو لأعماله وريشته المبدعة وخلقه ولحبه للوطن وأهله يستحق هذا التكريم، ونسعد مع سعيد في هذا المساء السعيد، بتكريم الفنان الرائد سعيد حدادين، بمبادرة منتدى الرواد الكبار في عقد هذا اللقاء واحتضانه بغية تكريم رائد من رواد الفن الذي ابتدأ أردنياً وتدرج حتى اشتهر إقليمياً وعالمياً’.
ويذهب حدادين للقول ‘تشرفت إذ قبلت رعاية هذا التكريم فالفن مقياس لتقدم الأمم ومدى تطور حضارتها، فلا غرو إذن يوم اشتهر الفنانون في العصر الذهبي العربي في بغداد وفي الأندلس، وأعني به الموسيقى والغناء والفنون المعمارية ومحاكاة الطبيعة، وفنون القول من خطابة وشعر وتشعب أهدافه وتوسع أوزانه وقوافيه. نبارك لسعيد بتكريمه، ونبارك لوطننا بإنجازاته وانطلاقاته الفنية ونأمل أن يطيل الله في بقائه منتجاً كعادته بسخاء، ونأمل أن يتحفنا بالمزيد من أعماله وحتى تجلياته الأدبية’.
نشوان: الوجه جسد الكون’
ويرى الناقد حسين نشوان والذي سبق وأن أنجز كتابا نقديا
حول تجربة الفنان سعيد حدادين عنوانه ‘الوجه جسد الكون’، أن شهادته ‘ ربما تكون شهادتي مجروحة، فهو صديق، وصديق عزيز..
وأنا ساوجز، ما استطعت إلى ذلك سبيلا’ وتحدثا عن ‘سعيد الإنسان’، مستدركا ‘لا أعرف بالضبط متى التقينا، طبعا أنا وسعيد-، لكن أحس دائماً أنني أعرفه منذ زمن بعيد، ليس أنا وحدي من يشعر بذلك، بل جميع من يعرف ‘سعيد’، لأن من يعرفه يعرف فيه النقاء، ويعرف إنساناً لا يبحث عن ‘مصلحة’ يحب بالإطلاق، ويعبر عن ذاته ببساطة وعفوية، وإنسانية، ينحاز للمظلومين والفقراء، زاهد في الحياة كثيراً، وهو صاحب موقف ورأي جريء يعلنه على الملأ في الحياة والوجود’.
ويبين نشوان أن اختيار سعيد للرسم بخلاف رغبة والده الذي كان يحب لابنه أن يدرس الطب، فقد اختار سعيد الرسم،لأنه يرى في الفن’وسيلة التغيير’، ووسيلة الجمال’ وأداة الرقي’ ويرى أن العالم يمكن أن ينتج آلاف الأطباء والمهندسين والعمال، ولكنه العالم الذي ‘يضن بخلق الفنان، والشاعر’. ومن هنا فهو لا يتعامل مع الفن بمنطق التجارة والسوق، فهو يعتبر أن الفن مشاع، لأنه ‘رسالة’. فهو يردد دائما: في هذا الزمن الصعب ومن بين الأحداث المتراكمة التي تمر بها أمتنا تكون الكلمة أو اللوحة أو الصورة الإعلامية في مواجهة الظلم والعدوان، والفنان من موقعه يجب أن تلتحم أعماله بقيمة الحدث المؤلم ولكن هذا الإبداع الجمالي يجب أن لا يكون آني، لقد رسم بيكاسو لوحته الشهيرة الجرنيكا ضد النازية الألمانية التي درت قريته. يجب أن يكون الهم في مستوى الوعي والحدث الذي تعيش فيه، وينبغي أن ينحاز الفن للضحية.
ويعتقد نشوان أن الفنان سعيد رغم دراسته الأكاديمية في أعرق المعاهد الروسية، وكان أول طلبة الفنون، إلا أنه ‘اختار التعبير فنيا في الرسم بعفوية، وعمق في آن معاً، وعندما اختار الوجه الإنساني فلأن الوجه هو مفتاح شخصية الكائن، ومن هنا اختار أسلوبه المتميز بكسر العناصر الكلاسيكية للرسم من خلال التكثيف والاختزال في الخط واللاتوازن في المتناظرات. ليعبر عن حالة العام المشوه الذي لا تتأتى معرفته إلا بعين واحدة فتختل الصور. فالفنان يعتبر نفسه ناقدا للعالم، وربما الفنان بنظره ‘هو الناقد’ ومن هنا فهو يرسم العالم الحقيقي وليس الواقعي، من خلال فضح تشوهاته’.
وفيما يخص رسوماته الكاريكاتورية أشاد نشوان ‘بشدة الاختزال، واللون الواحد والعمق في آن معاً’، ذاهبا للقول ‘أن حدادين ينشط في موضوع الكاريكاتير عند الأحداث، ومنها غزة وبخلاف الرسم والتخطيطات التي تشكل اشتغالاً يومياً، وكثيرا ما يكون جالساً مع الأصدقاء وينشغل بالتخطيطات التي تعد بالآلاف… ومثلما يلتقط بعينه الكثير من المشاهدات التي يرسمها، فهو يلتقط الأفكار التي يعبر عنها في نصوص لا تبتعد عن رسوماته، حيث تمتاز النصوص بالتكثيف والمفارقة، فهي نصوص تبدو أحيانا تراجيدية موجعة، وأحيانا أخرى كاريكاتورية مدهشة.. في كل ما يعبر فيه الفنان سعيد باللون أو الكلمة، يبقى سعيد المثقف، ابن مادبا البسيط، سليل القمح، منحازا لقضايا الوطن والأمة، وتظل تجتمع في روحه ثنائية سعيد الإنسان..’.
ويذكر أن الزميل نشوان الذي يقدم قراءة في مجمل تجربة الفنان سبق وأن أنجز كتاب نقدي حول تجربة حدادين عنوانه ‘الوجه جسد الكون’، والكتاب الصادر حديثا عن منشورات أمانة عمان الكبرى محطات ومواقف الإبداع في مسيرة فنان تشكيلي على نحو منهجي يغوص في أساليب وتقنيات اللوحة ورسالتها في حيز الحضور الإنساني رغم ارتكاز أعمال حدادين على تلك الملامح العفوية والبسيطة.
وجوه حدادين وألوان أخرى
المعرض الذي أشتمل على 30 لوحة أبرزت التجربة الإبداعية للفنان بمراحلها المختلفة، وجلها من الوجوه التي اشتهر بها حدادين، ضمت ثلاث لوحات واقعية، فضلا عن بورتريه لوجه سيدة مادباوية باللباس التقليدي، ساد اللون الأزرق معظم لوحاته، فيما تصدرت ‘وجوه’ سعيد وكلها لنساء ذاهبات في الحلم كما يبدو للمشاهد، الذي تبهره نظرة العين غير التقليدية، وملامح متشابكة وتفاصيل تحكي سيرة الوجوه.
وحدادين الذي تمتد تجربته على نحو 40 عاماً أقام عشرات المعارض في الأردن والبلدان العربية والأجنبية، يعد من رواد الحركة التشكيلية الأردنية، وطليعة خريجي الفنون، تتلمذ على يديه الكثير من الفنانين، تركز في أعماله على الوجوه، وكان أقدم مؤخرا على تجربة استثنائية، حيث أقام ما أسماه ‘معرض اللوحة الواحدة’، عارضا لوحة واحدة فقط، اختارها من بين أعماله التي تربو على 700 لوحة، عدا عن آلاف الاسكتشات خلال مسيرته الفنية. وبرر الفنان الذي تخرج من أكاديمية الفنون بالاتحاد السوقيتي سابقا هذا المعرض بأنه ‘يسعى للخروج من النمطية التي فرضت على الفنانين لعرضها في الصالات، انطلاقا من فكرة البيع والتسويق، معرض اللوحة يسعى إلى إقامة الحوار مع الجمهور، والتفاعل مع المهتمين’.
وحدادين المولود في قرية ماعين العام 1945، درس كلاسيكيات التشكيل في كلية الفنون الجميلة (الفوف) ليحصل على درجة البكالوريوس 1974، ويكون أوّل طالب أردني يحمل شهادة التخصص في التصوير من (الاتحاد السوفيتي). اقام أكثر من عشرة معارض شخصية في الأردن ولندن وقطر وروسيا، ومثلها من المعارض الجماعية في المملكة والصين واليمن ولندن وروما، كما مرت تجربته بعدد من التحولات التي انتقل فيها من الدرس الأكاديمي إلى الواقعية فالرمزية ثم التعبيرية.