المأمول في هذا المقال تقديم طرح نظري، تجيب عن سؤال مفاده: هل يمكن قراءة المنجز الروائي العربي الآن في دائرة كلية؛ تتجاوز القطرية والجهوية والجزئية، وتنظر إلى المشترك الإنساني والهوياتي والإبداعي؟
إننا نأمل في طرح رؤىً أكثر شمولية، وطرحا أغزر فكريا، بعيدا عن التناولات والموضوعات المتناثرة، التي تنظر برؤية أحادية، أو هم إنساني واحد، في قراءة الرواية العربية، لنعرف أوجه التلاقي، وعناصر التوحد، وسمات الهوية.
ولذا، فإننا نرى أن النهج الأمثل في نقاش كهذا، هو التدرج من النظري الأعم، إلى النظري الأخص، ثم التطبيق من خلال أمثلة، هادفين إلى تقديم رؤية جديدة؛ ومن ثم النظر برؤية كلية إلى الرواية العربية: التاريخ والمسيرة والطروحات، والتشابكات والعلائق والمشتركات، ثم معالجة قضايا الإنسان العربي، كما تبدت في الرواية، من خلال تسليط الضوء على تطور الرواية فنيا، وما تناولته فكريا، غير متوقفين عند البعد القطري، أو المنظور الإقليمي، بل نحاول أن نرفده ضمن منهجيتنا، على أمل أن تكون هذه المناقشة – مع غيرها من الدراسات والنقاشات ـ مفتاحا لقراءة للمنجز الروائي العربي برؤية تستند إلى منهجية نقدية: موضوعية ونصية.
فعلاقة الرواية بقضايا الإنسان ليست علاقة جزئية، فالإنسان ليس جزءا من السرد الروائي فقط، بل إن العلاقة بينهما أساسها الوحدة والتوحّد، فالإنسان موضوع الرواية، والرواية تحكي عن الإنسان، حتى لو كان سردها خياليا أو تاريخيا أو أسطوريا، بجانب السرد الواقعي والاجتماعي، فالإنسان حاضر في كل هذا: في الموضوع والطرح؛ وفي الخطاب والرؤية، وفي تصوير الشخصيات، وسرد الأحداث؛ بما يجعلنا نجزم أن الرواية هي انعكاس للإنسان في حركاته وسكناته، ومشكلاته وأحلامه.
ونقصد بالإنسان الفرد: ذهنه وفؤاده، وسلوكه ونشاطه، وعلاقاته وأفكاره؛ كما نقصد به أيضا الإنسان الجمعي، في علاقته مع: المجتمع والقوم والعشيرة والأسرة، فلا يوجد إنسان يعيش دون محيط اجتماعي، إلا إذا اختار النأي بنفسه، والعيش بمفرده، تمزقه الوحدة، وتعصف به الهموم، منبوذا من جماعته، مرفوضا من أقربائه.
وهناك أيضا أبعاد تتصل بالإنسان، مثل البعد القومي والوطني والقطري والجهوي، أي أننا نريد قراءة الإنسان بوصفه ذاتا مفردة، وقراءة علاقته مع الناس بوصفهم مجتمعا وجماعة ودولة وشعبا، وما يتعلق بهم من ثقافة وهوية ومشاعر وأفكار. عندما ننعت الرواية بأنها عربية، فإننا نكسبها هوية عنوانها العروبة: الإنسان والثقافة والتاريخ والجغرافيا والهوية والحاضر والمستقبل. فليس النعت من باب التمييز لها على مستوى خريطة الرواية العالمية، وإنما هو انتماء متجذر، وإبداع رصين صيغ باللسان العربي، وصار علامة على الرواية العربية الحديثة، على عكس الرواية الغربية التي كُتِبت بلغات عديدة، وحملت ثقافات، ظاهرها أنها أوروبية غربية أو أمريكية غربية، إلا أن باطنها ومكوناتها يحوي اختلافات عرقية ولسانية وفكرية وحدودية، بالإضافة إلى كل ما ينبئنا به التاريخ الأوروبي من حروب دموية، وصراعات على النفوذ الاستعماري قديما، والتمدد العالمي حديثا.
من أجل هذا، لا يمكن فهم القضايا الإنسانية في الرواية، دون العودة إلى الواقع السياسي والثقافي والمعرفي والحضاري، ودون التعرض إلى المشكلات الاجتماعية والمجتمعية، ودراسة خصوصية المكان، وما حملته الحقب الزمنية من تغييرات.
ونقترح أن يكون النهج في دراسة الرواية العربية، بوصفها فنا أدبيا متمايزا، وقد وصل إلى مرحلة الاستواء والنضج والتميز، مع النظر إلى الإنسان العربي بوصفه قضية وموضوعا روائيا، وثمة كثير من الإشكالات التي ينبغي النظر إليها، منها ما يتصل بفن الرواية العربية ذاته، على الصعيد اللغة والشكل والتجديد وعلاقتها بالرواية الأوروبية.
فالرواية العربية خلال حقبتها الأولى في النصف الأول من القرن العشرين تختلف في بنيتها وأساليبها وموضوعاتها عن الرواية في مرحلة النضج، خلال النصف الثاني من القرن العشرين، وهي المرحلة التي شهدت أيضا التجريب والتجديد شكلا وأسلوبا، وفي جميع الأحوال كان الإنسان العربي يتغير، حيث ينتشر التعليم، وتتسع الثقافة، وتتحرر أقطاره من الاستعمار، وتختفي أقطار ونظم حكم، وتظهر نظم جديدة، بعضها شهد ثورات، وبعضها الآخر نعم بالاستقرار، وظل الإنسان العربي متواصلا غير منقطع، وكانت الرواية العربية أحد السبل في دعم هذا التواصل، والإحساس بالهوية المشتركة بين أبناء العروبة. فقرأ أهل المغرب العربي إبداعات المشرق، مثل روايات عبد الرحمن منيف وحنا مينا وإسماعيل فهد إسماعيل، وقرأ المشرق العربي السرد المغاربي مثل روايات محمد شكري والطاهر وطار، وتُرجَمت إلى العربية روايات كتبها عرب مغتربون، آثروا تناول قضايا العالم العربي عامة، وأوطانهم خاصة من خلال لغات عالمية مثل، ثلاثية نور الدين فارح الكاتب الصومالي، التي صاغها عن الصومال التاريخ والاستعمار والثقافة والمجتمع باللغة الإنكليزية، وقرأوا أيضا ترجمات روايات الطاهر بن جلون (المغرب) وأهداف سويف وألبير قصير (مصر) وأمين معلوف (لبنان). الجميع تذوقوا الفن الروائي العربي بكل ما حمله من عبق المكان، واختلاف الظرف والزمان، لكن حتما كان هناك تقارب، بل تشابه في شخصية الإنسان: في النضال ضد الاستعمار، والتوحد إزاء مشكلة فلسطين، ورفض انفصال أقاليم العروبة، أو إشعال الحروب الحدودية، بل ووجدوا أن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية وقضايا الهجرة والسكان تكاد تتوحد.
والهدف المتوخى في هذا المقال تقديم رؤية شاملة حول وأبرز القضايا الإنسانية التي تناولتها الرواية العربية في مسيرتها. وتعتمد استراتيجيتنا فيها على النظر إلى الرواية العربية بشكل كلي؛ تبحث في المشترك بين الإبداعات الروائية العربية، من أجل تقديم لوحة شاملة، تتجاوز القطرية والمحلية والجهوية، دون أن تهملها أو تتغافل عن إبداعاتها، مع مراعاة التنوع المكاني، والخصوصية البيئية. وترنو أيضا إلى ما يميز الشخصية الروائية العربية، وعوامل خصوصيتها. فما أكثر الدراسات التطبيقية والنظرية التي تناولت مسيرة الإبداع الروائي، في أقاليم العروبة الكبرى، مثل بلاد الشام، والعراق، والخليج العربي، والمغرب العربي، ومصر والسودان، وما أقل مثيلاتها التي تنظر في القضايا المشتركة، وتبحث في الهموم التي تجمع بين الروائيين العرب، وهو ما نطمح إليه في هذا الفصل، حيث نحرص على أن ننطلق من قراءة خصوصية الرواية العربية، وأسباب تميزها الثقافي، وننظر في ظروف النشأة وعوامل التأثير والتأثر، ودوائر التلاقي، وأيضا دوائر التلاقي والاختلاف.
ونقترح في سبيل ذلك أن يكون النهج في دراسة الرواية العربية، بوصفها فنا أدبيا متمايزا، وقد وصل إلى مرحلة الاستواء والنضج والتميز، مع النظر إلى الإنسان العربي بوصفه قضية وموضوعا روائيا، وثمة كثير من الإشكالات التي ينبغي النظر إليها، منها ما يتصل بفن الرواية العربية ذاته، على الصعيد اللغة والشكل والتجديد وعلاقتها بالرواية الأوروبية؛ ومنها ما يتصل بالثقافة العربية التي تعني رؤى وهوية وقيما للإنسان العربي، وبوصفها المرجعية التي لن نفهم شخصية الإنسان العربي إلا بفهمها، بل إن الثقافة العربية هي العنصر المشترك الجامع بين أبناء العروبة، ونستطيع من خلال دراسة العلاقة بين الثقافة والرواية العربيتين، الوعي بشخصية الإنسان العربي وفهم فكره والعادات والتقاليد التي تربط بينه، بجانب النظر إلى الآخر: الغرب والعالم والثقافات والحضارات.
أكاديمي مصري
سيدي المحترم الرواية العربية اليوم تخضع لقانون خبراء المسابقات ومزاجهم الخاص فقط.ولا قيمة للاعتبارات الأخرى.فلا نظرة شمولية ولا نظرة جزئية بل نظرة السعي للفوز بالمسابقات وفق ذلك المزاج المفروض على جنس الرواية وحرية الروائيين.مع التقدير.