عمان ـ بيروت ـ “القدس العربي” ـ تنشغل وسائل الاعلام العربية والاجنبية بوضع اللاجئات السوريات اللواتي تركن بلادههن هربا من الصراع الدائر والذي استمر اكثر من عامين، فيما كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن زواج عدد منهن من رجال عرب عبر وسطاء بدعوى “السترة”.
واخر هذه الطرق نصٌ ترويجي “للزواج السري” عُلِّق على جدران الطرقات والاعمدة، بعد أيام قليلة من وصول اللاجئات السوريات الى محافظات الاردن الشمالية، كما جاء في ملحق “السفير العربي” لجريدة “السفير” اللبنانية.
اختفى الاعلان سريعاً، غير ان الحديث عن توفر لاجئات سوريات للزواج غدا “طبقاً رئيسياً” على موائد الاردنيين. الزواج من السوريات يبدأ بحظ فقير لا يملك القدرة المالية على الارتباط، ويمتد ليصبح تفاخر عازب بقدرته على الزواج من أربع لاجئات دفعة واحدة، فيما يرى فيه المتزوجون وسيلة مناسبة لاستفزاز زوجاتهن، عبر تهديدهن بجلب “ضرة” سورية.
“ما عليكَ سوى الذهاب الى المفرق (68 كيلومتراً شمال شرق عمّان)، او الرمثا (95 كيلومتراً شمال عمّان)، حتى تحصل على زوجة سورية بكلفة تبدأ بمئة دينار (140 دولارا) ولا تزيد على الخمسمئة دينار (703 دولارات)”. عبارة تتكرر على ألسنة الأردنيين، في وقت يبلغ متوسط تكاليف الزواج في بلدهم خمسة عشر ألف دينار (21 ألف دولار).
الدافعُ المعلن للزواج من اللاجئات هو “الستر على نساء المسلمين” بزواج شرعي ينتشلهن من الفقر والعوز ومرارة الحياة في مخيمات اللجوء. غير ان الدوافع التي كانت حافزاً لأول حادثة زواج من لاجئة سورية، لم تمنح الزواج، الذي تم بوساطة جمعية إغاثة، فرصة الصمود لأكثر من شهرين، لتتضح اسباب اخرى حفزت عليه، من أهمها الثمن البخس الذي تكلَّفه الزوج، والمتعة التي وفرتها اللاجئة العشرينية للعريس الخمسيني، الذي تزوجها سراً وتنازل عنها عند افتضاح أمره. واقعة دفعت بجمعيات الاغاثة لإغلاق أبوابها أمام طالبي الزواج، وهم كثر.
ولقطع الطريق على الراغبين بـ”الزواج سراً” من اللاجئات، عممت وزارة الداخلية الأردنية على كافة المحاكم الشرعية، التي أبلغت بدورها جميع الأذنة الشرعيين بأن “أي عقد زواج خارج المحاكم الشرعية سيعتبر غير نافذ قانونياً ويتحمل الزوج المسؤولية القانونية في ذلك”.
الصخب الاجتماعي لا ينعكس على الأرقام الرسمية التي تبقى متواضعة، حيث توثِّق لما دون مائتي حالة زواج لأردنيين من لاجئات سورية منذ شباط (فبراير) 2011. في وقت زاد عدد اللاجئين السوريين في الاردن على أكثر من 100 الف لاجئ حتى مطلع أيلول (سبتمبر) 2012، غالبيتهم من النساء.
ناشطون سوريون انتفضوا على الغمز واللمز الذي تتعرض له اللاجئات وأطلقوا حملة عبر مواقع التواصل الاجتماعي تحت عنوان “لاجئات لا سبايا”. ترفض الحملة تحويل السوريات اللاتي انتفضن لأجل كرامتهن الى بضاعة رخيصة تحت مسميات الزواج والستر. وهي رصدت عدداً محدوداً من حالات الزواج، لكنها عجزت عن التواصل مع اللاجئات المتزوجات او أسرهن، حسب صفحتها على الفيسبوك. القائمون على الحملة وجهوا رسالة لتوعيه اهالي اللاجئات من مخاطر الزواج المغلف بعناوين دينية وشرعية واجتماعية.
ورسالة ثانية لشباب الدول التي لجأت اليها السوريات ممن يعتقدن أن الزواج منهن طريقة للمساعدة، دعتهم فيها لتجريم وتعييب هذا النوع من الزواج. بل أكثر من ذلك، طالبتهم بوصم كل من يقبل على الزواج من اللاجئات بخيانة الدين والقيم الانسانية.
ظاهرة الزواج من اللاجئات السوريات في الأردن جرت محاصرتها وفضح دوافعها، وهي ليست اكثر إقلاقاً من ظاهرة الاستغلال الجنسي للاجئات تحولن للعمل في المنازل. وهذه تغلف بالسرية التامة ويطبق عليها الصمت، ولا يعرف عنها إلا ما تكرره الشائعات.
واشارت الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان في تقارير عدة الى حجم الاستغلال الجنسي والنفسي الذي تتعرض له اللاجئات السوريات وطالبت بوقفه.
وكانت الامم المتحدة قد اشارت في تقرير لها اواخر شهر كانون الثاني (يناير) من العام الجاري الى انه تم تزويج 500 سورية على الأقل ممن لم يبلغن سن الرشد بعد في “هذا العام فقط”.